أفكار وآراء

قنبلة الديون العالمية بقيمة 247 ترليون دولار

25 يوليو 2018
25 يوليو 2018

بقلم روبرت جيه سامويلسون – واشنطن بوست -

القصة التي تُحكى في عالم الاقتصاد الدولي- حتى الآن- هي قصة التفاعل القابل للانفجار بين الحرب التجارية الآخذة في الامتداد والديون العالمية العالقة والتي تقدّر قيمتها بـ(247) تريليون دولار. تفاصيل الرقم كبيرة لدرجة أنه يكاد لا يمكن استيعابها.

المؤسسات الكبيرة والشركات العملاقة والحكومات تأخذ ما تأخذ من الديون على افتراض أنها سوف تسدد ما عليها إمّا بدفع الدين الأصلي أو دفع الفوائد أو بتقليب الديون قديمها وحديثها وتحويلها إلى ديون جديدة. لكن هذا الإجراء ينفع فقط في حالة نمو الاقتصادات بسرعة كافية تجعل الديون قابلة للاحتمال أو لتبرير الديون الجديدة. أما في حالة انعدام هذه المكوّنات، فإن التأخيرات والعجوزات، و(في أسوأ الفروض) نوبات الهلع ستكون هي النتيجة المتوقعة.

هنا مثال يبين كيفية تواتر الحرب التجارية مع الديون بشكل تدميري. منذ عام 2003، تفاقم الدين العالمي بشكل مطرد. شهد عجز مساهمة الناتج الإجمالي المحلي، باعتباره قسماً من الاقتصاد العالمي، شهد ارتفاعاً من 248% إلى 318%. في الربع الأول من عام 2018 ارتفع الدين العالمي بنسبة (8) تريليونات دولار. الرقم يشمل كل الدول الكبرى ومعظم أنوع الديون، الاستهلاكية منها والتجارية والحكومية.

الوفاء بخدمة الدين (سداد أصوله وفوائده) في الوقت الذي تستعر فيه الحرب التجارية يهدد باعتصار المداخيل بشكل قوي. في الوقت نفسه فإن اللجوء للمزيد من الرسوم والقيود التجارية سيجعل من الصعب على الجهات المستدينة سداد ديونها. في أحسن افتراض سيؤدي ذلك لتباطؤ الاقتصاد العالمي. وفي أسوأ الحالات سيؤدي إلى أزمة مالية أخرى.

من الملاحظ أن الخطر سيكون خطراً عالمياً، وليس قاصراً فقط على الولايات المتحدة. قال (معهد المالية العالمية) – وهو مجموعة بحثية وقانونية- قال في تقرير حديث له أن ديون بعض الأسواق النامية حديثاً (مثل تركيا وجنوب أفريقيا والبرازيل والأرجنتين) تبدو عرضة أكثر من غيرها لخطر العجز في السداد أو صعوبة الوفاء به : ويقصد بذلك عدم القدرة على استبدال الديون المنتهية بجديدة. يقول المعهد أنه في عام 2018 و2019، سوف يحين استحقاق دين جديد مرتبط بالدولار يصل لحوالي (1) تريليون دولار.

الدين إمّا أن ينشط النمو أو يبطّؤه، وذلك يعتمد على الظروف المحيطة به. نحن الآن نقترب من نقطة تحوّل، حسب ما صرّح به (هون تران) المدير التنفيذي لـ«معهد المالية العالمية». يعتقد (تران) أنه إذا لم يكن النمو مستدام، سوف يبطئ الإقراض الجديد أو يتوقف تماماً، وسوف يتسنّى على المقترضين تخصيص المزيد من سيولتهم لمعالجة الديون الموجودة.

(تران) في تصريح موجز للإعلام وصف الحالة كالآتي:

«كان لدينا اقتصاد معتدل يتوازن فيه متوسط النمو مع معدّل التضخم. لم يشكّل التضخّم فيه خطراً، مانحاً البنوك المركزيّة (وصندوق الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي) المزيد من طاقة الاحتواء (بالإبقاء على الفوائد على مستوى منخفض). كان بالإمكان دوماً نقل الديون إلى ديون جديدة بفوائد جديدة. أما الآن فإن احتمال استمرار هذه الآلية أصبح ضئيلاً، وذلك نسبة للتوترات التجارية المتصاعدة، وهذا أثّر فعلاً على الثقة التجارية والرغبة في الاستثمار».

كما أن التضخّم أيضاً بدأ في التصاعد. ولمنع تصاعده، عمد مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع الفوائد على القروض. الحمائية التجارية بدورها تعقد المشكلة، لأن الكثير من الشركات غير الأمريكية تقترض بالدولار. الدولار كثيراً ما يستخدم في التجارة حتى ولو لم تكن الجهات المستوردة أو المصدّرة أمريكية الأصل. لكن هذه القروض يجب أن تسدد بالدولار. إذا تم التعامل بالمثل وأدى ذلك إلى تباطؤ التجارة، سيصبح من الصعب الحصول على تلك الدولارات. وبالتالي ستحدث تأخيرات وعجوزات في سداد القروض (الشيء الذي يمكن أن يستدعي المقاضاة لاسترداد القيمة المالية للقروض علاوة على الفوائد).

المدير التنفيذي لـ«معهد المالية العالمية» (تران) لا يتوقع حدوث هلع واسع النطاق مثل أزمة عامي 2008 و2009، وهناك بعض المبررات لهذا التفاؤل. البنوك بصفة عامة في وضعية رأسمالية أفضل الآن أكثر ممّا مضى – قبل الأزمة المالية، حيث أنه أصبحت رؤوس أموال البنوك آلة حماية ضد الخسائر. كما أن الناس أيضاً أكثر تفهّماً ووعياً للمخاطر ممّا كانوا عليه قبل عقد من الزمان.

الدليل على هذا جاء من «اختبار أزمة» تم تطبيقه مؤخّراً على (35) شركة مصرفية كبيرة بواسطة مجلس الاحتياطي الاتحادي. قال منفذو الاختبار: «تم تصوّر انكماش مالي عميق، وتصوّر ارتفاع البطالة بنسبة 10%. بالرغم من الخسائر الكبيرة، لم يفشل أي من البنوك المختارة في الاختبار. فمنذ عام 2009، دأبت هذه البنوك على إضافة (800) مليار دولار كرأس مال مشترك»

ما يقترحه (تران) هو أن تتم نقلة عالمية تعمل فيها الجهات المعنية بعيداً عن النمو الاقتصادي المموّل بالديون. معنى أن يكون هناك دين عالمي قيمته (247) تريليون دولار أن الكثير من الدول (من بينها الصين والهند وغيرها من الدول ذات الأسواق النامية) سوف تقبع زمناً طويلاً في معالجة نتائج ديون عالية التكلفة أو لا يمكن سدادها- سواء كان ذلك يتحمّله المستهلكون أو الجهات التجارية أو الحكومات. سوف يكون هناك تباطؤ جماعي في الاقتصاد العالمي.

واستطرد (تران) قائلاً: «إذا كنت في وضعية (دين عالي التكلفة) عليك خفض هذا الدين، إما بصفة شمولية أو كقسم من الناتج الإجمالي المحلي. وبأي حال سوف يؤدي ذلك لنمو اقتصادي بطيء، حيث لن يتوفر لديك الإقراض المطلوب للإبقاء على الاستثمار القوي و الصرف على الاستهلاك في الوقت نفسه».

الوضع الحالي ربما يمثّل الحلقة الأخيرة قبل الأزمة المالية. الفوائد المصرفية المنخفضة التي تفرضها البنوك المركزية يتم تبريرها على أنها ضرورية لتجنّب أزمة مالية عالمية محتملة. من جانب آخر فإن النقاد يشككّون في أن الديون المنخفضة الفوائد قد تشجّع على الإقراض الخطر غير المدروس. ربما لن ننتظر طويلاً لنرى من هو المحق في تكهّناته.