10
10
مرايا

رحلة داخل مقبرة « سند جم » في الأقصر

25 يوليو 2018
25 يوليو 2018

أسرار الفراعنة لا تنتهي أبدا -

كثيرة هي الأسرار التي لا تزال تحتفظ بها مدينة الأقصر المصرية، عن سكانها الأقدمين، وهي الأسرار التي تتكشف يوما بعد يوم، لكنها لا تنتهى أبداً.

المدينة المغلفة بسحر وغموض الفراعنة، والتي تضم بين جنباتها مئات المقابر، وعشرات المعابد، التي شيدها ملوك وملكات ونبلاء مصر القديمة على مر العصور، تجتذب الكثير من الأثريين وعلماء المصريات، منذ قرون مضت وحتى اليوم، للبحث وسط جبالها وأوديتها، وباطن أرضها، عما خلفه الفراعنة، من كنوز وما خبأوه من أسرار، بعضها ما زال غامضا حتى اليوم.

وتبوح لنا كتب المصريات، ومؤلفات الأثريين، بالكثير من التفاصيل المثيرة عن تلك الآثار والأسرار، وتزيح يوما بعد يوم بعض ما علق بتلك الاكتشافات الأثرية من غموض.

ودير المدينة، الواقع في الجزء الجنوبي، من جبل القرنة التاريخي، الذي يضم أكثر من 850 مقبرة فرعونية، لا تزال تنتظر الكشف عن معالمها وأسرارها، هي واحدة من أكثر المناطق الأثرية سحرا وغموضا، وهو الغموض الذي تتكشف ملامحه، عاما بعد عام، عبر ما يعلن الكشف عنه من معالم أثرية كانت مخبأة في باطن الجبل، وعبر كتب لعلماء المصريات، الذين عكفوا لعقود على دراسة أسرار دير المدينة، وقراءة ما حوته من آثار خالدة.

وبحسب ما جاء بوكالة الأنباء الألمانية (د ب ا) فإن مقبرة “ سند جم “ خادم بيت العدالة، وصانع مقابر ملوك وملكات ونبلاء الفراعنة، هي واحدة من تلك المعالم والكنوز التي ظللت مخبأة في باطن الجبل لقرون مضت.

وتعد تلك المقبرة، هي أعظم كشف أثري، في منطقة دير المدينة، والأفضل من بين 50 مقبرة عُثِرَ عليها بالمنطقة.

وبحسب قول عالم المصريات الدكتور عبدالغفار شديد، فإن مقبرة “سند جم” من المقابر القليلة التي وجدت كاملة، دون أن تصل لها أيادي اللصوص والمخربين في غرب مدينة الأقصر، ولم يسبق قيام أحد بلمسها على مدار قرابة الثلاثة آلاف عام، إذ وجدت وفوق بابها ختم الغلق دون أن تمسسه يد، فيما وجدت غرفة الدفن بالمبرة مليئة بالمومياوات.

سلام أبو ضوى أول مستكشف يصل للمقبرة :

وعلى الرغم من أن الشائع بين الناس، أن مقبرة “ سند جم “ اكتشفت على يد فريق من المستكشفين وعلماء المصريات الفرنسيين، وعلى رأسهم “ برويير “ إلا أن عالم المصريات عبدالغفار شديد، روى قصة أخرى، تقول بأن أول مستكشف وصلت يداه إلى المقبرة، هو مصري، من أبناء البر الغربي لمدينة الأقصر، ويدعى سلام أبوضوى، وأن عالم المصريات الفرنسي “ برويير “ قد كشف لا حقا بعد عثوره على المقبرة وكنوزها، أن أثناء قيامه بتتبع تاريخ المقبرة، وما صدر بشأنها من تقارير ممن سبقوه بالعمل في منطقة دير المدينة، عثر على تقرير جاء فيه:

“ فى 31 من يناير 1886 قال الشيخ عمر، الملكف بالحراسة والبحث في جبانة طيبة – البر الغربي لمدينة الأقصر – العالم الفرنسي ماسبيرو، الذي كان يشرف على إدارة الآثار المصرية، آنذاك، بأن سلام أبو ضوى، وثلاثة آخرين من سكان منطقة القرنة، قد قاموا بالحفر والتنقيب، ووصلوا إلى مقبرة لشخص غير معروف ... وأن عمال الشيخ عمر واصلوا الحفر، ووصلوا إلى مدخل غرفة دفن له باب خشبي ملون داخل إطار من الحجر الجيري الملون أيضا، ووجدوا باب المقبرة مغلقا وعليه ختم أصلي من الطين، في دلالة على أن المقبرة لم يمسسها أحد من قبل”

وفى الأول من شهر فبراير، وفور تلقيه رسالة الشيخ عمر، وصل ماسبيرو إلى موقع المقبرة في دير المدينة، وبصحبته مواطنه عالم المصريات الفرنسي “ بوريانت “ وعالم المصريات الإسباني “ تودا “.

ودخل ماسبيرو إلى المقبرة، ووجدها مليئة بالتوابيت والمومياوات والأثاث وكل أدوات طقوس الدفن، وعبر ماسبيرو ورفيقاه عن اندهاشهم وسعادتهم بتلك المفاجأة، بعد أن تأكدوا بأن المقبرة لم تمسسها يدُ من قبل.

خرائب دير المدينة :

وكانت منطقة دير المدينة، في مطلع القرن التاسع عشر، عبارة عن أطلال من الخرائب والأنقاض، وكانت المنطقة المليئة بمقابر العمال التي ترجع لعصر الأسرتين التاسعة عشر والعشرين في مصر القديمة، ضحية للسرقات والسلب والنهب، وكانت أعمال الحفر والتنقيب والبحث عن مقابر المنطقة وكنوزها الأثرية، تتم بطرق تفتقد إلى الأسلوب العلمي الممنهج.

وفى عام 1917، أي قبيل أكثر من مائة عام، حصل معهد الآثار الفرنسي بالعاصمة القاهرة، على تصريح بالعمل في المنطقة، والكشف عن مقابرها وآثارها، واختير الفرنسي “ برويير “ رئيسا للبعثة، ووصف برويير المنطقة فور وصوله لها بـأنها “ ميدان قتال ... وأنقاض التماثيل وشواهد القبور المحطمة تملأ المكان ... وفخار ومومياوات ممزقة ومهلهلة وأنقاض لآثار وآثار كثيرة يتوسطها سراديب وآبار مقابر تعرضت للحرق.

سند جم وعائلته :

وتعد مقبرة “ سند جم “ نموذجا مثاليا لمقابر الأسرة التاسعة عشرة بمصر القديمة، وقد وقف علماء المصريات في حيرة من أمر تلك المقبرة، لأنها احتوت على كم ضخم من المحتويات، على الرغم من أن صاحبها كان يحمل لقبا بسيطا في مصر القديمة، وهو لقب “ خادم بيت العدالة “ الذي كان يحمله بعض كبار العمال في دير المدينة، ممن اشرفوا وشاركوا في تشييد وبناء المعابد والمقابر التي عُثر عليها في جباة طيبة بجبل القرنة غرب الأقصر، وذلك في مقابل العثور على مقابر فقيرة لشخصيات كانت معروفة في مصر الفرعونية.

وقد عثر بمقبرة سند جم الغنية بالرسوم والنقوش والألوان الزاهية، على عشرين مومياء.

ووجدت 9 مومياوات داخل توابيت شبيهة بالإنسان، وقد رسمت ولونت بدقة كبيرة، وقد أمكن لعلماء المصريات، التعرف على أصحاب التوابيت التسع وهم :

سند جم، صاحب المقبرة، وزوجته غي نفرتي، وابنهما خونسو، وزوجته تا ام اخت، و أبناء آخرون هم : رع حت، وتا اخ سن، وراموزا، وإيزيس، وفتاة اسمها حاتحور.

أما الإحدى عشر مومياء الأخرى، التي وجدت بالمقبرة، فكانت ملفوفة بالقماش، وكان بينها مومياء لرجل يرجح أنه كان قادما من بلاد افريقيا، بجانب مومياء لجنين، عثر عليها داخل صندوق خشبى اصفر اللون.

ومعنى اسم “ سند جم “ هو “ الأخ اللطيف “ وقد عثر بمقبرته على بعض الأدوات الهندسية، مثل وحدة قياس الأطوال وذراع ملكية وأداة هندسية كانت تستخدم لفحص مدى استقامة الجدران الرأسية والأفقية، ومثلث كان يستخدم لرسم الزاوية القائمة هندسيا، وقد دفن بالمقبرة سند جم وزوجتيه بجانب أولاده وزوجات أولاده وأبنائهم.ومن الأسرار التي تكشفها نقوش ورسوم المقبرة، أن زوجة سند جم، وتدعى “ إي نفرتي “ كانت فاقدة للبصر، وتؤكد لنا ذلك السر إحدى اللوحات التي رسمت على أحد جدران المقبرة، والتي صورت لنا زوجة سند جم، وهى ساجدة ومعها ابنها أو حفيده “ اي حتب “ وكتب تحت اللوحة نص مناجاة زوجة سند جم للآلهة لإعادة بصرها لها مرة أخرى .