Randa-New
Randa-New
أعمدة

عطر :الحب أهم من الحبيب

25 يوليو 2018
25 يوليو 2018

رندة صادق -

أجمل ما يحدث لنا هو الحب، الحب بكل ما فيه من تفاصيل وغرابة وتناقض وصراعات، هو تلك المشاعر الخارجة على قانون العقل، المتحدية حينا والثائرة في أحيان أخرى، والمنتجة حينا والمدمرة في حين آخر، لا نملك أمامها الكثير، فغالبا ما تخوننا مقاومتنا ويسكننا عناد الأنا، بل هي تحتلنا بطريقة تشوش مجال الرؤية أمامنا.

أن تشعر بالحب يعني أنك في قلب الحياة، في نبض التفاصيل، في البعد الأعمق للوجود، في تلك المساحة بين السماء والأرض، تتدلى وكأنك ثريا تنير عتمة عالمك الخاص، فكل المشاعر في داخلك تخاصر الأدرينالين، فأنت قابل للاشتعال، وقابل للخروج على ذلك الصمت المدوي ليومياتك فتعيش تقلبات الفصول الأربعة في شرايينك. خدر يزحف الى ذهنك، فأنت مغيب في عالم الحبيب، تعيش تقويمه وأحلامه، وتسكنك متلازمة الحب والوقت، فشمسك تشرق من صباحاته وتغيب عندما يسكن النوم عيونه.

جميلة هذه العلاقة حين نحاول وصفها ونتعمق في تعرجاتها، ونلج من أبواب تجارب عشناها أو تقاطعنا معها؛ لندرك بشكل أعمق معنى الحب وطغيانه، ولماذا هو ضرورة في حياتنا تلح علينا وتطاردنا؟ وإن فقدناها أو لم نصادفها نشعر أننا كائنات فارغة تعيش ولا تحيا. ومعظمنا لديه ذلك الإيمان الكلي بالحب كعاطفة وضرورة للحياة بكل أشكاله، بدءا من حب الإنسان لذاته وانتهاء بأي عاطفة أخرى، وليس فقط الحب الثنائي الذي يربط الرجل بالمرأة، فالحب كالعطر ينتشر ليسكن الحواس. يظنه البعض صناعة ويحلله البعض كقدر ومصادفة، هو صناعة إذا كان واعيا وموجها وهو قدر إذا كان مصادفة.

جملة تصف الحب استوقفتني وجعلتني أفكر في الحب كفلسفة نتبناها هي “الحب أهم من الحبيب”، كيف ذلك ونحن نتعلق بشخص معين ونضع كل مشاعرنا بتصرفه نتفاعل معه ننتظره ونبني أحلامنا على ظروفه وحاجاته ونحلق بعيدا في مساحاته؟، يبدو هذا الكلام غير منطقي ولا يخضع لعلم العلاقات الإنسانية الذي نكون انطباعنا عنه من خلال تلك القصص التي وصلتنا عن الحب، فلا يعقل أن ليلى أحبت الحب أكثر من قيس، ولا يمكن أن أتخيل أن روميو كان غارقا في حالة الحب ولم تكن جولييت هي عشقه المميت؟ نحن أحببنا تلك القصص بأبطالها لا بدوافعها، بقدريتها لا بتفاصيلها؛ لأن القصة كدراما نلبسها الكثير من التفاصيل التي لم تحدث حقا إلا بخيال كاتبها، رومانسية الحب أجمل من واقع الحب وفكرة الحب أجمل من روايته.

في تلك الجملة (الحب أهم من الحبيب) هناك قطبة مفقودة هي الدافع الحقيقي لحالة الحب، وهو في الحقيقة “نحن” لا الحبيب تلك الحاجة الغامضة للاكتمال، وذلك الجوع للدفء ولحرارة الآخر في يومياتنا، الانشغال الذي يقتل الرتابة، ويساعدنا على رؤية الحياة والموت بشكل أجمل.

حالة الترقب والانتظار أجمل من لحظة اللقاء، ما نجهله عن الحبيب أكثر سحرا مما عرفناه وبات معلوما لنا، الغموض والاكتشاف، تلك الأمور مجتمعة تشكل ما نرغبه في الحب، وما نبحث عنه في الوجوه العابرة التي تحملها لنا الحياة، فتكبر الحاجة للحب لتتخطى الحبيب واسمه وشكله، فنحن لا نملك المناعة الكافية لعدم الوقوع فيه، نحن ننتظره وأحيانا نعيش على أمل مصادفته وقد نقع في أخطاء كثيرة ونحب الأشخاص غير المناسبين، لأننا مشتاقون لحالة الحب، حينها ليس المهم الحبيب، المهم هل صادفنا من يتفاعل مع حاجاتنا؟ لذا نسمع كثيرا عن قصص حب ماتت في مهدها، وقصص أخرى تمكنت من النجاة، لحدوث توافق وإرادة قدرية جمعت الحبيبين، ويبقى الحب كحالة هو أجمل ما يحدث لنا بغض النظر عن الحبيب، لأنه عمود إنسانيتنا وجوهرها.

[email protected]