1401133
1401133
المنوعات

فنانون جرافيتيون يطالبون بالتبني من الجهات المعنية

24 يوليو 2018
24 يوليو 2018

فن الشارع «الجرافيتي» بين القبول والرفض -

كتبت: كلثم الدرمكية -

«فن المشاغبين» كما يطلق عليه المعارضون و«فن الشارع» كما يسميه الفنانون ترجع بداياته إلى العصور الحجرية فيما حاول القدماء التعبير عن رأيهم على الجدران باستخدام العظام وظهر هذا النوع من الفنون البصرية بحلته الجديدة عام 1979م حين تم افتتاح أول معرض لفن الجرافيتي على يد الفنانين لي كوينس وفريدي منها أصبح اليوم لغة تعبيرية عالمية وصل صداها لتكون أداة تسويقية وجاذبة للسائح بعد أن كانت مجرد خربشات جدارية مشوِّهة للمنظر العام كما يعتقد البعض.

وحين نتحدث عن الفن الجرافيتي في الوطن العربي فإنه حديث النشأة تطور بحدوث الثورات لا سيما بعد أحداث الربيع العربي لتكون شوارع المدن العربية معارض فنية مفتوحة توصل رسائل تعبيرية هادفة بعد أن كانت تعتبر تخريبًا غير شرعي يتعدى على الممتلكات العامة والخاصة، بينما حين نضيق المساحة إلى سلطنة عمان نجد أن هذا الفن ما يزال غير مدعوم من قبل الكثيرين، حيث إن بداية انتشاره لم تكن إلا قبل ثلاثة أعوام بالكثير رغم أن الشغوفين بمجال الجرافيتي يزدادون يوما بعد آخر حتى أصبح فن الشارع اليوم يستخدم لأغراض دعائية عدة أبرزها استخدامه على حيطان المطاعم كنوع من الاستقطاب للزبائن.

تتعدد أسباب تأخر ظهور فن الجرافيتي بالسلطنة أولها باعتباره تشويها لوجه المدينة وغياب الجهات الداعمة لمثل هذه الفنون، ويقول عبد المجيد المعمري فنان جرافيتي بحرمول في ولاية لوى: كنت أول من كان له الظهور في السلطنة كرسام لفن الجرافيتي تقريبا فواجهت عدة مشاكل مع البلدية في البدايات بسبب اعتبارهم لما أفعل تخريبًا، وتم بالفعل إزالة بعض الأعمال الجدارية رغم أن المنطقة في تلك الفترة شهدت حركة سياحية نشطة وإقبالا كبيرا من قبل أغلب ساكني حرمول إلا أن نسبة بسيطة من الأهالي كانوا بصف رأي البلدية فتم الإبلاغ عني لدى الشرطة ووقعت تعهدا. أما الآن فكل ما علي فعله هو الاستئذان من صاحب المكان والابتعاد عن الرسومات ذات المضامين السياسية. وأضاف المعمري أن كافة رسوماته يتمها بعد منتصف الليل من الساعة الثانية صباحا حتى أذان الفجر كي يبتعد عن المشاكل من قبل البلدية أو حتى أهالي المنطقة المعارضين إلى جانب تفضيله لهذا الوقت كون أن التركيز يكون أكبر لقلة حركة المارّة. أما عن طبيعة لوحاته الجدارية فقال: رسوماتي أغلبها عن ظواهر عالمية وشخصيات متميزة في مجالها بالإضافة إلى رسومات تعبيرية وأذكار إسلامية.

ويؤكد سليمان الراشدي ومهند الشكيلي مؤسسا «paintgree» وهو محل متخصص لبيع أدوات فن الجرافيتي بولاية السيب- الحيل الجنوبية منذ 2016 أن المساحات الصماء تقتل النفسيات دائما، وبإضافة بعض الألوان والرسومات تتحول المساحة إلى لوحة جمالية فذّة، وهذا سبب كفيل يجعل معظم أصحاب المطاعم والمؤسسات سواء كانت كبيرة أو صغيرة يستعينون بأعمال الجرافيتي، فالإقبال الكبير على هذا النوع من الفنون المعاصرة جاء لما يحمله من جمال للعين الناظرة.

الفن جريمة

تختلف نظرة المجتمع للجرافيتي فيعتبره البعض لوحات فنية والبعض الآخر أمرا غير قانوني لما يلحقه من أضرار على المنشآت والمباني، فعلى سبيل المثال لا الحصر تنفق ألمانيا 200 مليون يورو سنويا للتخلص من أعمال الرسم على جدران مدنها حسب ما نشر في موقع «WD « عام 2013م، كما تنظم لائحة عقوبات غرامية لكل من يشوّه الممتلكات العامة والخاصة بالرسم عليها دون أي تصريح مسبق، وفيما يخص اللائحة التنظيمية لبلدية مسقط فإنها لم توضح نصا صريحا بمنع فن الجرافيتي ربما لأن هذا النوع من الفنون يعد حديث الولادة بالنسبة لعُمان إلا أنه في المادة الثالثة بشأن حماية المرافق التابعة للبلدية أصدرت اللائحة حظرا على الكتابة أو الرسم على الأسوار والأبواب والجدران والتجهيزات الخاصة بالمباني التابعة لبلدية مسقط لغير المصرح لهم.

وللقانونيين رأي محايد حول فن الجرافيتي فبنظرهم له جانبان أحدهما إيجابي والآخر سلبي بناء على طريقة استخدامه، حيث قالت هبة المعولية طالبة القانون بجامعة السلطان قابوس: يعتبر فن الشارع مُتنفسا للفنان الذي يمارسه فهو من الفنون الجمالية الراقية التي تُضيف زينة بطريقة مميزة في المكان الذي تُرسم عليه، فمن خلال الرسوم يمكن التعبير عن قضايا تشغل رأي الشارع العام في المُجتمع وإيجاد حلول لبعض المشاكل الاجتماعية بطريقة رمزية، كما يعتبر هذا الفن إحدى وسائل جذب السياح، فكثير منهم يفتش عن هكذا نوع من الفنون التي غالبا ما تحمل رسائل عميقة، وأما سلبياته فتكمن في الرسومات الخادشة للذوق العام مسببة تشويها للمنظر، أو عندما ترسم في أماكن غير مُناسبة بدون أي تصريح.

ويوافقها الرأي علي الصبحي طالب القانون بجامعة السلطان قابوس، حيث قال: من وجهة نظري حين نتحدث عن فن الشارع والقانون فإنني أعتبر هذه الرسومات تغذية بصرية للمارة وتضيف جماليات في المكان حين ترمز إلى شيء من معالم الدولة أو عبارات شكر و ثناء لرمز الدولة السلطان قابوس حفظة الله؛ لأنها لا تواجه أي إشكالات مع القانون بل لابد من تنمية هذه المواهب وتوجيهها بالطريقة السليمة بدل الإغلاق عليها وكبتها، ولكن من الضروري أيضًا محاسبة أصحاب الرسوم المسيئة التي تشوه المنظر العام أو التي تهدف إلى التخريب ومنها ما يحمل عبارات سياسية معينة.

الفن إسقاط

جميع الفنون البصرية بموجب علم النفس تعتبر علاجًا فعالًا للتخلص من الشحنات السلبية والاضطرابات النفسية التي يمر بها الإنسان، ومن المؤكد أن هناك علاقة وثيقة بين فناني الجرافيتي ومشاعرهم التي تظهر على الجدران بتعبير منمق، ويؤكد ذلك معاذ الصالحي، طالب علم النفس قائلا: منذ قرون وعلماء النفس يحاولون معرفة تأثير الأشياء على الإنسان من حوله، إذ إن من طبيعة الإنسان تفاعله مع الأضواء والألوان والأصوات والروائح وإبداء إعجابه وانزعاجه من البيئة بشكل عام، وفيما يتعلق بالرسم الجرافيتي فقد ظهر في البداية من خلال التعبير الكهفي. يقول د. جيفري تشايس أستاذ علم النفس في جامعة رادفورد: إن الناس سوف يستخدمون الرسم الجرافيتي في كثير من الأحيان للتنفيس.

وأضاف الصالحي أن الجرافيتي له قوة إيجابية إذا تم توجيه واحتواء الرسامين بشكل صحيح وتوفير أماكن مخصصة لهم، حيث إنه يسهل التنفيس والتسامي بالإضافة إلى أنه يعكس ثقافة الشباب جماليًا ومفاهيميًا، كما يعزز الهوية من خلال الكلمات والألوان والأشكال.

كما أوضح محمود الحسني طالب علم النفس بكلية مزون أن الرسم يعد من الطرق المستخدمة في العيادات النفسية لأجل تحليل الشخصية وما يدور بأعماقها قائلًا: نعم هناك علاقة بين الفن وعلم النفس نستطيع تسميتها بالإسقاطات، والإسقاط هو عبارة عن تفريغ ما يكمن بالداخل من مشاعر إلى الخارج من خلال الرسم، كما أنه في علم النفس نستخدم مصطلح التسامي ويعني إبراز عقدة نفسية بشكل إبداعي، وهذا بالفعل ما يظهره فنانو الشوارع.

وحول التفسير النفسي لاستخدام فناني الجرافيتي للمساحات الكبيرة من الجدران قال الحسني: يوجد لدينا قاعدة تقول «وراء كل سلوك هناك سبب نفسي» ومن المؤكد أن هناك أسبابا تجعل الفنان الجرافيتي يرسم على مساحات شاسعة، ولا يقتصر على مساحات ضيقة كاللوحات أو الورق أهمها أن هناك كمية كبيرة من المشاعر والانفعالات بداخل الفنان بحاجة إلى أن يعبر عنها في مساحة أوسع، كما أن تفاصيل الرسم على الجدران تظهر بشكل أدق من الرسم على الورقة إلى جانب رغبة الفنان في إظهار مشاعره أمام عدد كبير من الناس.

وتشدد مارية الجابرية، خريجة علم نفس بكلية مزون، أن هناك علاقة كامنة بين الفن وعلم النفس حيث يستخدم الفن كعلاج عبر القيام بأنشطة فنية بسيطة لمساعدة الناس في التعبير عن ذواتهم وتطوير شعورهم بالرفاهية من خلال العملية الإبداعية قائلة: التعبير عن النفس من خلال الفن يجعل أفكارنا ومشاعرنا ملموسة ويتصل بما لا نستطيع قوله بالكلمات وحدها فقد أظهرت الأبحاث العلمية أن التعبير الإبداعي يساعد على تهدئة الجسم بشكل طبيعي، وخفض ضغط الدم مع إفراز المواد الكيميائية في الدماغ التي تقلل من الاكتئاب المرتبط بالمرض، كما يمكن للتعبير الفني أن يؤدي إلى تحسين نظرة المرء وحالته المزاجية، والأهم من ذلك أنه يساعد على نقل تجارب المرض والصدمات والحزن والخسارة.

أما عن التفسير النفسي وراء سلوك الفنان الجرافيتي فقالت: قد يكون للحس الثقافي والمجتمعي للمكان دور للتعبير عن الانتماء والارتباط من خلال هذا الفن، أو قد يكون هذا الفن سببا في الاستثارة الفيسيولوجية لدى الفنان الجرافيتي كالشعور بالاسترخاء والتركيز، وربما يكون هذا السلوك ناتجا عن النمذجة أو التقليد أو حتى لهدف لفت الانتباه.

مزار سياحي

إحدى أهم الخطوات التي جعلت فن الجرافيتي رائجا في السلطنة هي اللوحة التجميلية بجدار ميناء صور التي تعد أطول لوحة جدارية في الموانئ على مستوى العالم بمشاركة أكثر من 55 فنانا بين محترف وهاوٍ وطالب جامعي حولت ذلك المكان المهجور إلى ممشى يرتاده الكثير من السياح.

وعن التحديات التي واجهت الفنانين قال سعيد العلوي مشرف اللوحة التجميلية بصور وعضو جمعية الفنون التشكيلية: من الصعوبات التي واجهتنا أثناء العمل هي ارتفاع الجدار ومساحته التي تصل إلى 6500 متر، وعدم توفر الرافعات المساعدة، وبعض من الفنانين لم يستطيعوا إتمام عملهم فاضطررنا إلى تغطية المساحة المكلفين بها كما أن أعمال بعض المشاركين كانت دون المستوى فمسحنا أكثر من 14 عملا فنيا بالإضافة إلى غياب الدعم الكافي بعد اكتمال اللوحة من إضاءة وتوفير مادة الورنيش التي تحافظ على ثبات اللون لفترات أطول تصل من خمس إلى عشر سنوات.

ويوضح العلوي أن المشاريع الجيدة لا تأتي إلا بالتخطيط والتصور المسبق مع وجود قطاع داعم، حيث كانت المديرية العامة للثروة السمكية هي المظلة الرئيسية المشرفة للوحة صور التي سهلت العديد من الخطوات كالموافقات وعدم الممانعة والتصاريح من قبل البلدية، كما وفرت كل من الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال وشركة الأسمدة العمانية دعما ماديا لتوفير الأصباغ والأدوات اللازمة.

وأكد مشرف اللوحة على أن المكان أصبح مقصدا سياحيا حيث قال: إحدى السائحات البريطانيات قد سلطت على اللوحة الجدارية فبإمكان الأشخاص استخدام جوجل عند البحث سيجدون تعريفا بسيطا عن المكان، كما غدت المدارس تأتي بطلابها بقصد رؤية المكان والتصوير أمامه.

أما محمود الناصري خريج قسم السياحة بجامعة السلطان قابوس فكان له رأي معارض، فهو يفضل أن تكون السلطنة ذات جدران بيضاء نظيفة باعتباره لفن الجرافيتي ليس طريقة جاذبة للسائح، حيث قال: للفن محبوه في أي بقعة حول العالم وحين ظهور فن جديد يتهافت البعض عليه ويقدره إذا كان وفق ضوابط الفن وليست خربشات جدارية فأتوقع أن الجرافيتي ليس بالفن المرحب به في السلطنة فنحن نريد بلدة نظيفة مرتبة بجدران بيضاء ونرغب للسائح أن يستمتع بالجمال الطبيعي الذي تتميز به من جبال وسهول مع الاحتفاء بتاريخها من قلاع وحصون فلا أعتقد أن السائح سينجذب لفن الرسم على الجدار أكثر من انجذابه ناحية الجمال التضاريسي كما أسلفت.

وحول مطالبات الشغوفين بمجال الجرافيتي يعبّر المعمري بقوله: أتمنى أن يكون هناك تعاون من قبل البلديات والجهات الحكومية المعنية لدعم الشباب المتمكن في فن الجرافيتي والأخذ بيد الفنان من أجل تزيين الأماكن العامة مثل الجسور والجدران المهجورة أو أي جدار يستحق أن يظهر بصورة جمالية في السلطنة.

الجدير بالذكر أن لندن هي المدينة العالمية الأولى التي تشجع مثل هذا النوع من الفنون البصرية مع تخصيص أماكن للشغوفين به ويمكن أن يكون فن الجرافيتي بالسلطنة بعد عقود قصيرة كذلك أحد أهم الفنون التي تحتضنها الجهات المختصة بهدف إيصال رسائل توجيهية تثقيفية للمجتمع المحيط وهذا من حقوق فناني الشوارع والهواة.