1395834
1395834
إشراقات

خطبة الجمعة: المجالس التي تُتخذ للغو في أعراض الناس وغيبتهم منهي عنها

19 يوليو 2018
19 يوليو 2018

تطيب بأصحابها الذين ينتقون أطايب الكلام -

تدريب الطفل على المشاركة الاجتماعية بالمجالس العامة يعزز من ثقته بنفسه ويربيه على معاني الرجولة -

«المجالس ودورها في غرس القيم» عنوان خطبة الجمعة لهذا اليوم وأكدت الخطبة أن المجالس تطيب بأصحابها الذي ينتقون أطايب الكلام.

ونبهت إلى أن المجالس المنهي عنها تلك التي تُتخذ للغو في أعراض الناس وغيبتهم والسخرية منهم.

وبيّنت أن الإفساح للقادمين إلى المجلس والجلوس حيث انتهى المجلس من آداب المجالس التي يجدر بالمسلم التحلي بها.

ودعت إلى تدريب الطفل على المشاركة الاجتماعية بالمجالس العامة يرفع ثقته بنفسه ويربيه على معاني الرجولة.

وأوضحت أن المجالس الافتراضية في شبكات التواصل حكمها كحكم المجالس العامة من حيث التزام الآداب العامة.. وإلى ما تصدّر الخطبة.

الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان مدنيا بطبعه، اجتماعيا بفطرته، سبحانه هو العليم بالأحوال، والخبير بما ينفع الناس في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، القائم على كل نفس بما كسبت، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، صاحب المجالس العطرة، والمنابر النيرة، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الأبرار، وعلى كل من اهتدى بهديه إلى يوم القرار.

أما بعد، فإني أوصيكم، عباد الله، ونفسي بتقوى الله وطاعته، فاتقوا الله وأطيعوه، وامتثلوا أوامره ولا تعصوه، واعلموا أن الناس قد جرت عادتهم على اتخاذ مجالس لهم، يرتادونها ويجتمعون فيها، إما لخطب جلل قد يلم بهم، فيجيلون فيه أفكارهم، ليخرجوا برأي مرتضى، وإما لحل مشكلة شجرت بين بعضهم، فيضعونها بين يدي كبيرهم، أو بين أولي الأحلام منهم، ليجدوا حلها عندهم، وإما للترويح عن أنفسهم المثقلة بهموم الحياة وأعبائها، فيجنحون للأسمار، ومطارحة الأشعار، وتداول الأخبار المستملحة، والآداب المستعذبة، والحكم المستطابة.

وقد راعى الإسلام هذه الطبيعة البشرية، ولكنه عمد إلى تنقيتها من مثل هجر المقال، وإلى ترقيتها بحيث لا ينحصر خيرها في هذه الحياة الدنيا فحسب، بل يتعداها إلى الدار الآخرة.

عباد الله:

إن المجالس تطيب بأصحابها الذي ينتقون أطايب الكلام، كما تنتقى أطايب الطعام، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة)). فمن ذا الذي يزهد في مجالسة العطار، وشذا العطور يفوح من كل وجهة؟! ومن ذا الذي تصبر نفسه على الجلوس إلى نافخ الكير، وشرر النار يتطاير من نفخه، والدخان ينبعث جهته؟! وقد شبه الله تعالى الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة التي لا تثمر إلا طيبا، وشبه الكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة التي لا أصل لها، فقال عز من قائل: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ).

إن المجالس المنهي عنها هي تلك المجالس التي تتخذ للغو في أعراض الناس، وغيبتهم والسخرية منهم، ونحو ذلك.

وليس منها المجالس التي تتحدث عن هموم الناس، وشؤون حياتهم دون تعدي بعضهم لحدود بعض، فحريتك تنتهي عندما تبدأ حريات الآخرين، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على مثل ذلك فقال: ((إياكم والجلوس على الطرقات، قالوا يا رسول الله: ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، فقال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، فقالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)).

أيها المسلمون:

إن من آداب المجالس التي يجدر بالمسلم أن يتحلى بها، الإفساح للقادمين إلى المجلس، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ) ومن آداب المجلس أيضا النهي عن أن يتناجى اثنان بحضرة شخص ثالث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإن ذلك يحزنه)).

وكذلك من قعد في مكان فقام منه لعارض، ثم عاد إليه فهو أحق به، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((إذا قام أحدكم من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به)).

وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس المرء حيث انتهى به المجلس، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، ثم إذا قام فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة)). هذا، وقد ابتلي بعض الناس بحب الصدارة في المجالس، ولو جاؤوا بعد الناس، فيضطرهم إلى أن يقيموا أحدهم من مكانه لأجله، وهذا منهي عنه شرعا، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر)). ومن آداب المجلس قول القائل عند انتهاء المجلس: ((سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك))، فهذا هو كفارة المجلس الذي علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نقوله قبل أن نقوم من مجلسنا.

فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن حكم المجالس الافتراضية في شبكات التواصل هو حكم هذه المجالس من حيث التزام الآداب العامة، كغض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والترفع عن هجر المقال، والإعراض عن لغو الكلام، فالقلم أحد اللسانين، وما تكتبه اليوم إما شاهد لك غدا وإما شاهد عليك (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا ، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا).

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.


الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فيا عباد الله:

إن من الأمور المهمة في أمر المجالس تدريب الطفل والصبي على المشاركة الاجتماعية، وحضور مجالس الكبار، والجلوس إلى الضيوف والزائرين، فذلك مما يرفع ثقته بنفسه، ويربيه على معاني الرجولة، فعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: ((كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه)).

فإذا بدأ يشتد عود الولد اعتاد في المجالس على الآداب الاجتماعية، كتقديم الكبير في مواطن الاحترام والتقدير، في الأكل والشرب، والدخول والخروج، وأن يوضع له في المجـلس المكان الذي يليق به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أنزلوا الناس منازلهم))، إن تنشئة الأولاد في المجالس على ذلك تجعلهم يستفيدون في أمور حياتهم، فلا شك أن لدى الكبير خبرة واسعة بالحياة، ومعارف تراكمت عبر السنين فصقلتها الأيام والتجارب، وهذبتها المواقف والتفاعلات، فيا ولي الأمر خذ ولدك إلى المجالس ليكون مستشيرا أو مستفيدا ممن هو أكبر منه وأعلم، فإن ذلك خلق حميد، وحكمة يجد آثارها في قراراته وآرائه، ويجد بركتها في حياته.

فاتقوا الله -عباد الله-، واجعلوا مجالسكم مجالس خير وفائدة، وجملوها بالذكر وطيب الكلام، وربوا أبناءكم على المشاركة فيها والتأدب بآدابها.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء. عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).