أفكار وآراء

قبل الانضمام لعضوية مجلس إدارة الشركة «المؤمن ضد المؤمن عليه»

18 يوليو 2018
18 يوليو 2018

د. عبد القادر ورسمه غالب -

Email: [email protected] -

الانضمام لعضوية مجلس إدارة شركة وخاصة شركات المساهمة العامة المعروفة في البلد أو الإقليم أو المتعددة الجنسيات، قد يكون أمرا مغريا لا يقاوم ويسيل له اللعاب. وذلك، لعدة أسباب منها الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والشخصية وربما السياسية وغيره. ومن دون شك فإن الإيجابيات والفوائد التي ستعود بالنفع بسبب هذه العضوية، في الغالب الأعم، ستكون كثيرة ولا تحصي. وأيضا لا ننسي، فهناك المثالب والسلبيات المرتبطة بهذه العضوية ومن أخطرها تلك المسؤوليات والالتزامات القانونية أو الملاحقات التي قد تنجم بسبب أعمال الشركة أو العضو المعني أو أعضاء مجلس إدارة الشركة أو الإدارة التنفيذية للشركة. وهذا الوضع “الحلو مر” لا بد من أخذه في الحسبان.

فماذا عليك أن تعرف قبل الانضمام لعضوية مجلس الإدارة؟ في البدء، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الإيجابيات أو السلبيات المرتبطة بعضوية مجلس إدارة الشركة. وعلي الشخص المعني التفكير العميق قبل قبول الانضمام لنادي عضوية أعضاء مجالس إدارة الشركات. وعليه، لا بد من التفكير بروية وحكمة ثم موازنة الأمور الحالية منها والمستقبلية للشركة وما حولها وما يؤثر فيها مثل مجلس الإدارة أو الإدارة تنفيذية أو الجهات المرتبطة بالشركة وغير هذا وذاك.

في خضم هذا التفكير والدراسة، وقبل اتخاذ القرار، يطرأ سؤال يتمثل في ما هي النقاط الأساسية التي يجب الحرص علي معرفتها والإلمام بتفاصيلها قبل إعطاء الموافقة علي التكليف (أو التشريف) بهذه العضوية وامتطاء الجواد الأبيض. وفي هذه المرحلة الابتدائية، لا بد من الاستيعاب التام والفهم الكامل بأن هذه الوظيفة أو المسمى (عضوية مجلس الإدارة) تضع الشخص في نطاق إطار المسؤولية العامة التي تتبع هذه العضوية.. ومن يرغب أو يتبوأ إطار العمل العام أو المسؤولية العامة عليه في الوقت نفسه أن يرتقي لهذا المقام وأن يقدم ما يليق به، وكذلك عليه أن يكون مستعدا لتقبل آراء الآخرين التي قد لا تكون محببة أو قد تكون عدائية في بعض الأوقات.. وهذا من ضريبة الوظائف العامة والتي تخدم العامة بجميع مستوياتهم وأفكارهم ونفسياتهم.

علي الشخص المعني بهذا التعيين أو التكليف أن يقوم بـ“دراسة الحالة” أو ما يعرف بإجراءات التقصي اللازم لمعرفة المتطلبات (ديو ديليقنس) وذلكم للوصول لمعرفة ما له وما عليه. وفي هذا المنحى من الأفضل أن يطلب من بعض الاختصاصين مساعدته في هذه الدراسة وتقييم نتائجها ثم تقديم المشورة. وفي جميع الأحوال، فان هذا يتطلب الاطلاع علي عقد تأسيس الشركة ونظامها الأساسي لمعرفة أهدافها ومدي مقدرتها في تحقيق هذه الأهداف ومن يقوم بتحقيق هذه الأهداف وكيف يتم ذلك؟ ولماذا؟ وكذلك تقاريرها السنوية وتقارير مدققي الحسابات والموقف المالي ومدي سلامته وهل هناك أي مخاطر؟ وما نوعها..؟ وفي هذا الإطار قد تكون هناك حاجة ماسة لزيارة المواقع والاجتماع بمن يقوم بتحقيق الأهداف لجمع المعلومات وما تم وما لم يتم ولماذا؟ ان هذا النشاط ضروري ويمكن من جمع المعلومات الأساسية الحالية والاستراتيجية المستقبلية، ومعرفة هذا قطعا سيعطي رؤية واضحة عن وضعية الشركة ومن ثم اتخاذ القرار المناسب.

بعد معرفة الوضع العام للشركة، هناك نقاط أخري مهمة جدا وذات تأثير مباشر على القرار وذلك نظرا للمسؤوليات القانونية التي تترتب علي العضوية. ومن هذه النقاط، معرفة سياسة التعويض (اندمنيفيكيشن) وبصفة خاصة مقدار المبلغ الذي تقدمه الشركة لتعويض عضو مجلس الإدارة في حالة ملاحقته قانونيا أمام القضاء أو غيره بسبب الأعمال التي يقوم بها نيابة عن الشركة. هذه النقطة، في نظري مهمة جدا لكنها لا تجد الاهتمام أو العناية الكافية في منطقتنا ولا يفكر فيها أحد بل ولا يتجرأ أحد بالسؤال عنها بالرغم من أهميتها البالغة نظرا لأن الشركات عليها مسؤوليات قانونية وتتم مقاضاتها ومقاضاة الإدارة والتنفيذيين بحكم نظرية التابع والمتبوع. ويجب الإلمام بالأسئلة التي عليك طرحها في هذا الخصوص، وهل تطالب بتوقيع اتفاقية خاصة بهذا التعويض وماذا يجب أن تتضمنه هذه الاتفاقية. وعلي شركاتنا ومجالس إداراتها التمعن في دراسة هذه الأمور ومقابلتها بالمهنية المطلوبة، ولا بد من تطوير ثقافتنا المؤسسية في هذه النواحي للأهمية.

وفي هذا الاطار، كذلك علينا معرفة ما هي سياسة التأمين التي تتبعها الشركة لتغطية أعضاء مجلس الإدارة والتنفيذيين (دي آند أو بوليصي) وما هي مجالات التغطية وما مقدارها وما هي التفاصيل العامة لبوليصة التأمين؟ وما هي الأمور المستثناة في البوليصة وكيفية الحد من هذه الاستثناءات أو التخفيف منها وخاصة فقرة الاستثناء الخاصة بـ (المؤمن ضد المؤمن عليه – انشورد فيرصص انشورد) نظرا لأهميتها في بيئة العمل خاصة في الشركات الخاصة. واستثناء المؤمن ضد المؤمن عليه يمنع تغطية الدعاوي التي يقيمها المؤمن ضد المؤمن عليه أي الشركة ضد عضو مجلس الإدارة (أو التنفيذي) وبموجب الاستثناء فان الشركة لا تغطي تكاليف التقاضي التي يدفعها عضو مجلس الإدارة أو تنفيذ الأحكام الصادرة. وفي هذا الخصوص هناك معارك حامية ومستعرة في المحاكم الأمريكية والانجليزية، ولم يضع أي طرف سلاحه بل يشهره للهجوم أو الدفاع... فما موقفك أنت؟ وماذا يجب علي الشركة أن تقدمه في هذا الخصوص؟.. واذا لم يتحرك أعضاء مجالس الادارات في مثل هذه المواضيع الحساسة فان أغلب الشركات ستظل نائمة أو متجاهلة لهذه الحقوق النائمة التي لا بد من لمسها وايقاظها بدلا من دفن الرؤوس في الرمال.. وعليهم تجهيز أنفسهم وكذلك الاستعانة بالخبرات الفنية الضرورية لمعرفة الاتجاهات والحدود.

إن عضوية مجلس الإدارة تتطلب الأمانة والقوة والشجاعة حتي تعود المنفعة للشركة والمرتبطين بها، وأيضا عليهم الإصرار علي إقناع الشركة للحفاظ علي كافة الحقوق والواجبات لكل الأطراف ذات العلاقة. أن المسؤولية هنا ليست “كشخة اجتماعية” وإنما مواقف عند المواقف. فهل أنت لها؟ عليك التفكير بروية ورأيك مهم لتحديد المسار قبل الانضمام لركب المسيرة.