abdullah
abdullah
أعمدة

رماد: الصُّحْبَة

18 يوليو 2018
18 يوليو 2018

عبدالله بن محمد المعمري -

من حكم القدماء أن الصاحب ساحب، وأن من تصحبه تسير على نهجه بعد زمن دون أن تشعر، لهذا كان لاختيار الصحبة أبعاد نفسية واجتماعية وسلوكية تنعكس شيئًا فشيئًا على الصاحب، وأيهم يملك صفات أقوى تنتقل منه إلى الآخر، فما أعظم الصحبة في الخير، وما أنقى الطُهر الذي يخالج النفس ويقوّم السلوك بشكل إيجابي على الحياة التي يعيشها أولئك الأصحاب.

مذ أن عرفته وهو باسم الوجه، طلق اللسان بالنصح، صاحب فكر جميل، يعطيك من اللطافة ما يمحو به الكدر، ويبسط على طريق الهمّ مسلكا نحو الإيجابية، يعطيك عينه للنظر إلى أي مشكلة من زاوية أخرى غير تلك التي تراها، مفعم بالطموح، متّقد بالنشاط، صاحب همة عالية، إذا ما جالسته تموّجت معه بين بحور الحياة ولكن في سفينة النجاة، فمع وجوده ليس لعواصف الأيام خطر على السفينة.

إنه الصاحب الأمين الوفي للعشرة، إن غبت عنه ذكرك بخير، ولاذ عنك أي قول سوء قد يقال عنك، يدفع بك نحو الحسنة، ويمنعك عن الوقوع في السيئة، لا يتمنى في يوم أن تبكيك عينه، ولا يضيق صدرك دونه، ما في جيبه في جيبك، وما في جيبك في جيبه، لا حدود بينكما سوى حدود الله، يصون العهد، ويفي بالوعد، فما أنقى هذا الصاحب، وما أجمل الدنيا به.

صُحبة الأخيار فيها من النعيم ما لا يحصى، ومن الخير ما لا يُعد، فالصحبة هنا ولكأنها جنة الأرض تتنقل بين بساتينها، لا تلهيك عن الله، بل تقوي صلتك بخالقك، ويقوي إيمانك بفكر ورؤَى تنور لك الطريق نحو جنة الآخرة، تسحب من رصيد تلك الصحبة في يوم قال الله عنه «الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين»، فعونك في الدنيا هو عونك في الآخرة.

إن من يمتلك الصاحب الذي يتأثر به بالخير عليه أن يمتسك به، ويستقي من نهر فكره وفطنته حتى يرتوي، وأن يحفظ له الود ما دامت الحياة، وأن يكون الصاحب كذلك، فالصحبة لها من مسارات الحياة نصيب، وأن من لا يمتلك صحبة خير عليه أن يفتش عن تلك الصحبة، وإن لم يجدها في زمانه، فليس له أن يختار صحبة الشر، حتى لا يَشقى ويُشقي، ولتكون حياته مليئة بالخير دائما.