أفكار وآراء

هل هناك علاقة خفية بين القوى الكبرى والمنظمات الإرهابية؟!

17 يوليو 2018
17 يوليو 2018

عاطف الغمرى -

على طاولة حوارات المؤسسات الأكاديمية الأمريكية، طرحت العديد من الموضوعات عن أهم الأحداث الراهنة في العالم، ومن بينها تساؤلات مثيرة للاهتمام، برز منها سؤالان على وجه التحديد، أولهما عن الحبل السري الذي يربط تنظيم داعش، ومنظمات الإرهاب عامة بقوى خارجية، والثاني هو التساؤل عما إذا كان قد غاب عن مخابرات القوى الكبرى في العالم - بكل ما نعرفه عنها من مهارات في رصد الأحداث من قبل وقوعها - المعرفة بهذه العلاقة؟

من بين هذه الدراسات تلك التي نشرتها مجلة «نيو ستيتسمان» الأمريكية والتي تقول: إنه من المثير للدهشة، أن يأتي تمدد تنظيم داعش، وكأنه مفاجأة لمخابرات الدول الغربية، وما كان لها أن تفاجأ لعدة أسباب، أولها ما جرى من تغيير داعش لاسمها من « تنظيم القاعدة في العراق» ، إلى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ، وهو ما كان ينبئ بتطرف متزايد لطموحات هذا التنظيم. والسبب الثاني إنه ما كان ينبغي على الغرب أن يكون مستعدا لداعش منذ اللحظة التي راحت فيها صفوف هذا التنظيم تتضخم بالمنضمين إليه من مختلف الجنسيات، خصوصا من شباب دول غربية، يغادرونها وقد عرف أنهم مسافرون للانضمام إلى داعش، عن طريق عبور الحدود التركية السورية بشكل ما . والسبب الثالث ما جاء في التقرير الموثق الذي أذاعته مؤسسة «راند» الأمريكية ، وثيقة الصلة بالدولة خاصة بوزارة الدفاع الأمريكية ، من أن أعداد المنضمين لمنظمات الإرهاب، قد تضاعفت بنسبة 58% منذ عام 2010، وأن الأعداد خلال الفترة القصيرة الماضية قفزت من 31 منظمة إلى أكثر من 40 منظمة.

الدراسات تقول إن الولايات المتحدة لم تكن بعيدة عن هذه التحولات، بل هي في القلب منها، بحكم كونها القوة العظمى التي تمسك في يدها بزمام تسيير المشكلات والأزمات، والتي تتبعها منظمات تراقب وترصد ما يجري في العالم، ليس فقط في العلن، بل أيضا في الخفاء.

المؤرخ والمحاضر في عدد من الجامعات الأمريكية ويبستر تابرلي يكمل هذه الصورة المحيرة في دراسة بعنوان الشبكة الحارقة The Rogue network. ويقول إن البداية المعاصرة للعلاقة الخفية بين القوى الكبرى ومنظمات الإرهاب، كانت في استخدام الولايات المتحدة لتنظيم القاعدة، للإطاحة بحكومات مستقلة في المنطقة، وهو ما يحقق لها تنفيذ خطط تقسيم هذه الدول من داخلها، وتبقى هي بعيدة عن الظهور في هذه الأحداث. ويقول تابرلى إن من التناقضات الكارثية للسياسة الأمريكية - في عهد إدارتي بوش الابن، وأوباما - وللمخابرات المركزية في عام 2011، أنها عملت على إقامة تحالف ودي مع مقاتلي تنظيم القاعدة في شمال ليبيا، في الوقت نفسه الذي كانت فيه الطائرات الأمريكية تقصف بشراسة المدنيين في باكستان، تحت مسمى الحرب الشاملة ضد تنظيم القاعدة. أي أن التناقضات في المواقف الأمريكية متوافرة ومتكررة. ثم تبين أن فريقا ممن أطلق عليهم وصف ثوار ليبيا، هم إرهابيون، ظهر منهم مؤخرا أعضاء في تنظيم داعش.

وليس خافيا ما حدث من رفع علم داعش الأسود فوق المباني الحكومية أثناء غارات حلف الأطلنطي عام 2011، وهو ما يعني أن مقاتلي داعش كانوا موجودين من قبل إسقاط حكم القذافي، حتى وإن أطلقوا على أنفسهم أسماء أخرى مثل «أنصار الشريعة»، وغيرها.

وعندما اشتعلت المعارك داخل سوريا، كان هؤلاء ضمن الجماعات الإرهابية، وأحد قادتهم وهو الليبي مهدي الحراتي كان يقود الإرهابيين الليبيين في سوريا، وبعدها عادوا إلى ليبيا وأعادوا تنظيم أنفسهم، ليستخدموا ليبيا نقطة انطلاق للهجوم على دول أخرى مجاورة.

إن ما ظهر عبر هذه الدراسات أن الغرب اعتاد أن يركز اهتمامه على أي جرائم إرهابية ترتكب داخل حدوده، متجاهلا جرائم من النوع نفسه، ترتكب في دول ليست غربية. وإن هذه المعايير المزدوجة كانت في مقدمة أسباب توسيع المنظمات الإرهابية لدائرة نشاطها في المنطقة، والتي كان الغرب يعتبرها في مرحلة سابقة بعيدة عن أراضيه. وهو ما أشارت إليه صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية في مقال افتتاحى: من أن الحكومات ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة وأوربا، تبدو غير مكترثة بالهجمات التي يسقط فيها ضحايا ليسوا غربيين في إفريقيا والدول العربية. وهذه المواقف تظهر تجاهلا للكيفية التي استطاع بها هؤلاء التكفيريون إيجاد الظاهرة العالمية للإرهاب.

الواضح - إذن - أن كثيرا من الدارسين والخبراء في الغرب والمهتمين بملاحقة ظاهرة الإرهاب وتمددها، يرون أن هناك حلقة خفية بين المنظمات الإرهابية وبعض دول الغرب، خاصة التركيز على القول بأن المخابرات الأمريكية والبريطانية - على وجه الخصوص لديها شبكات تجسس لجمع المعلومات عن داعش، عن طريق اختراق عملائها لهذه المنظمات.

ينشر بالترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة