أفكار وآراء

أمـن الخلـيج.. واسـتلهام النمـوذجـين العمانـي والإفريقـي أيضـا!

17 يوليو 2018
17 يوليو 2018

عوض بن سعيد باقوير -

بالنظر الى الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لمنطقة الخليج ، وفي ظل الظروف والتطورات التي تمر بها المنطقة والعالم من حولها ، فإن مسألة الأمن في الخليج أصبحت موضوعا مثارا في عدد من الدوائر السياسية الإقليمية والدولية ، وفي كثير من مراكز الأبحاث ، وهذا يعود إلى الموقع الجيوسياسي لهذا الإقليم وأيضا لوجود أزمة طارئة بين بعض دوله ، وهي الأزمة الخليجية، علاوة على الخلاف المتواصل بين إيران وبعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ،

ومن هنا فإن الوضع الأمني الإقليمي في هذه المنطقة يشهد اهتزازا واضحا من خلال امتداد واتساع مجالات الخلاف بين إيران وبعض الدول الخليجية الى مناطق النزاع في اليمن وسوريا وحول المسارات السياسية في لبنان وبعض الدول الأخرى .

ولعل الرؤية العمانية حول أهمية الأمن في الخليج جاءت مبكرة وبالتحديد عام 1976 عندما رعى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - اجتماعا إقليميا بمشاركة وزراء خارجية دول الخليج الثماني ، وهي دول مجلس التعاون الحالية وإيران والعراق ، وكان الهدف الأساسي من الاجتماع ومن خلال كلمة جلالته السامية في افتتاح المؤتمر، هو السعي لإيجاد افضل صيغة ووسيلة يمكن أن تحمي مصالح وأمن دول المنطقة وشعوبها ، وبما يفتح مجالا للتعاون والتعايش السلمي في منطقة تعد من اهم المناطق الاستراتيجية والاقتصادية في العالم .

استلهام التاريخ

ورغم الجهود العمانية المخلصة ، الا ان المنطقة دخلت في صراعات وحروب لأسباب عديدة ومعروفة كذلك ، وهو ما انطوى على سوء التقدير حينا ، والخلافات الحدودية ودور الغرب خاصة الولايات المتحدة ، في التهيئة لإشعال المواجهات واستمرارها حينا آخر ، والحرب المريرة التي استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران في ثمانينات القرن الماضي ، والتي خسر من خلالها البلدان مقدرات بشرية واقتصادية كبيرة ، وأدخلت المنطقة تباعا في حروب مدمرة في المنطقة لا تزال آثارها مستمرة حتى الآن .

ان منطقه الخليج وشعوبها لابد ان تتعايش سويا ، وان استلهام اجتماع مسقط المبكر يمكن ان يهيئ لإنهاء الخلافات التي اتسع مداها ، سواء بين الأطراف الخليجية نفسها ، أو بين إيران ودول خليجية أخرى ، ومن هنا فإن الحوار الذي نشدد على أهميته وضرورته هو الخيار الأفضل ، للحفاظ على مقدرات المنطقة ومصالح شعوبها ، عبر أي صيغة يمكن الالتقاء حولها بين دول المنطقة لبحث ومناقشة كل الملفات الشائكة بشكل شفاف وموضوعي .

فالذي يدور الآن في دوائر صنع القرار في واشنطن وغيرها من الدوائر الدولية هو ان الأزمة الخليجية التي دخلت عامها الثاني ، سببت بعدا سلبيا جديدا للأمن والاستقرار في المنطقة ، كما ان استغلال تلك الأزمة من قبل أطراف دولية ، غربية عموما ، هي مسألة واضحة ، خاصة من خلال مبيعات السلاح بمليارات الدولارات ، كما أن مسارات تلك الأزمة تجاوزت النطاق المقبول إعلاميا ، وهذه مشكلة كبري للإعلام في المنطقة ، كما أن تلك الأزمة كانت لها تداعياتها الاجتماعية والإنسانية لشعوب ترتبط بوشائج القربي والعادات والتقاليد الواحدة وقبل ذالك التاريخ الواحد والدين الإسلامي الحنيف وعلى ضوء التطورات السلبية والتي يتابعها الجميع فإن الأزمة الخليجية لابد ان تحل من خلال الحوار وطاولة النقاش وليس هناك خيار آخر .

إن أمن المنطقة والحفاظ على كيانها السياسي ودولها يحتم على قيادات دول المنطقة ان تضع مصلحة الدول والشعوب كأولوية ، خاصة وان العالم الآن يتجه الى التكتلات الاقتصادية ، ومجموعة شنجهاي على سبيل المثال ، ما هي إلا مؤشر على التوجه الجماعي في مجال الاقتصاد والاستثمار ، كما ان مشروع الحزام والطريق الصيني والتي تشارك في مشاريعه عدد من الدول ومنها السلطنة لهو خطوه بارزة أيضا في نفس الاتجاه .

إذن أمن المنطقة يبدأ أولا من حل الأزمة الخليجية والتي استنفذت كل أغراضها ، وأصبحت عبئا على دولها ، مما يحتم اتخاذ القرار الضروري والمنتظر ، خاصة ونحن نرى قيادات إفريقية تقتحم المسار السياسي لخلافاتها ، مضى عليها عقود من الحروب والصراعات ، وتصل الى السلام والتعاون فيما بينها . ويظل نموذج رئيس الوزراء الأثيوبي ابي احمد واضحا ، من خلال الزيارات المكوكية بينه وبين الرئيس الأريتري اسياسي افورقي ، والتي أبهجت شعبي البلدين بالاتفاق على إنهاء الحرب بينهما وإنهاء مرحلة صعبة بين اثيوبيا واريتريا .

التحول الي الصين

في ظل تلك الخلافات المتواصلة بين الدول الشقيقة وفي ظل تصريحات الرئيس الامريكي ترامب عن الحماية الامريكية لدول المنطقة ، وفي ظل سياسات عدم اليقين ، بدأت الصين ترحب بالاستثمار والمشاريع العملاقة مع عدد من دول مجلس التعاون وإفريقيا ، وحتى التقارب مع دول الاتحاد الأوروبي والتي شعرت في الآونة الأخيرة بأن سياسة واشنطن تجاهها أصبحت غير واضحة ، علاوة على قرارات ترامب بفرض رسوم علي عدد من المنتجات الأوروبية ، خاصة الصلب والالمنيوم ، ومن هنا فإن تحولا دراماتيكيا في السياسة الاقتصادية يحدث الآن . ولعل الإعلان الكويتي حول الشراكة الاقتصادية ، وقبلها إعلان السلطنة عن إقامة الشراكة الاستراتيجية مع الصين ، بمناسبة مرور أربعة عقود على إقامة العلاقات الديبلوماسية بين السلطنة والصين ، هو مؤشر بأن المنطقة تشهد تحولات استراتيجية ، وهذا يعود إلى الخلافات وعدم الثقة ، خاصة وان الولايات المتحدة في عهد هذه الإدارة لا يمكن التنبؤ بقراراتها ولا سياستها تجاه المنطقة في ظل مخططات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية ووضع القيادات العربية في موقف محرج أمام شعوبها.

مجموعة شنجهاي التي تضم عددا من الدول الأساسية مثل روسيا وتركيا وايران والهند تعطي مؤشر علي تحولات أساسية تشهدها المنطقة من خلال هذه التجمعات الاقتصادية الكبرى وهذا بلا شك يؤثر على مجلس التعاون ، خاصة في ظل الأزمة الراهنة .

وفي ضوء تلك التحولات فإن استلهام الخطوة العمانية الحكيمة والمبكرة ، والداعية الى الحوار بين دول الأزمة الخليجية أولا ، وبعد ذلك الحوار بين دول المجلس مجتمعه وبين إيران ، هو المدخل الصحيح لإيجاد كتلة سياسية واقتصادية فاعلة في محيطها الإقليمي والدولي ، وبدون ذاك ستبقى دول المنطقة عرضة للاستغلال من خلال الضغوط المختلفة والدفع بها نحو مسارات لا تخدم مصالح شعوبها على النحو الذي تريد .

النموذج العماني

وبدون التحيز للوطن وقيادته الحكيمة خلال مايقرب خمسة عقود فإن المشهد يتحدث عن نفسه حيث تخرج دول المنطقة من تراكم صراعات متعددة ، ويختط جلالة القائد المعظم - حفظه الله ورعاه - سياسة ثابتة لا محيد عنها ، هو مؤشر على ما تحظى به السلطنة من تحركات واقعية ، ومن قبول إقليمي ودولي في عدد من الملفات الشائكة ، ولعل آخرها الملف النووي الإيراني مع الغرب

السياسة الحكيمة والموضوعية لأي بلد ، تقود الى مسارات السلام والأمن والانطلاق نحو مجالات التعاون والبعد عن الصراعات والحروب التي لا تأتي إلا بالدمار والكراهية بين الشعوب ، ويخرج الجميع خاسرا ، ومن هنا فإن استلهام النموذج العماني هو استلهام للحكمة والمنطق والتجربة ذات البعد الزمني ونتائج تلك السياسة علي دول العالم شرقها وغربها .

إن سياسة جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه - هي السياسة المثالية رغم التحديات من هنا وهناك ، ولكن السلطنة حافظت على المعايير الأخلاقية في تلك السياسة وأصبحت تصادق العالم دولا وشعوبا من خلال صفر من الخصومات . ونحن عندما نتحدث عن نموذج عمان ، نتطلع الى عالم عربي بعيدا عن الخلافات منطلقا نحو التطوير والتحديث في إطار كتلة اقتصادية تدافع عن الحقوق العربية في فلسطين المحتلة ، وأيضا استرجاع الجولان السورية المحتلة والأراضي اللبنانية المحتلة من الكيان الإسرائيلي الغاصب ، وان نرى السوق العربية المشتركة ومنطقة والتجارة العربية الكبرى .

هذه حلم كل مواطن عربي يتألم وهو يرى هذا التشرذم العربي وضياع المقدرات وأحلام الشباب العربي من المحيط الى الخليج . والمؤكد ان العرب في وضع صعب وعلى القيادات العربية ان تراجع نهجها وان تتخلص من الخلافات في ظل توجه إفريقي بإنهاء الخصومات والخلافات لأن قيادات تلك الدول الإفريقية وخاصة رئيس الوزراء الاثيوبي أدرك في لحظة فارقة بأن إحلال السلام هو الذي يجلب التنمية والرخاء لشعوب المنطقة .

ان خروج الشعبين الاثيوبي والاريتري في لحظات فرح عارمة لاستقبال رئيس وزراء اثيوبيا في اسمره وبعد ذلك بأسبوع استقبال افورقي في اديس ابابا ، يختزل المشهد برمته ويعطي درسا بليغا لمن يريد ان يتعلم من الدرس الإفريقي.