Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :الوظيفة.. صداقة أم منافسة؟

17 يوليو 2018
17 يوليو 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

عندما تكون الوظيفة حاضرة، فإن للحديث مساحة على امتداد الأفق، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أننا جميعا إما أننا لا زلنا بين أحضان هذه الوظيفة، وإما أننا مررنا عليها بصورة أو بأخرى بمعنى أن القليل جدا من لم يمر بساحتها المشرعة عبر اتجاهاتها الأربع، متنقلا بين مستوياتها ومسؤولياتها الكثر، مساهما في تعزيزها أو مقزما من دورها، متعاضدا معها إلى مستوى العلاقة العضوية، أو متصادما معها إلى درجة جعلها مطية لتحقيق مصلحة ما فقط.

وفي كل هذه المناخات تبقى للوظيفة مشكلة واحدة، وأحسبها رئيسية إلى حد بعيد، وهي أن الوظيفة ليس هناك من يدافع عنها، فللموظف أن يعلي سقفها ويوهبها الحيوات الكثيرة، وإما أن يسقطها في بئر لا قرار له، للموظف أن يلبسها تاج التميز، وله أن يركلها بعيدا، ويكفيه منها، أن يعبر من خلالها إلى تحقيق مصالحه الآنية فقط، وأن تظل له أبدا مجرد قنطرة عبور إلى الضفة الأخرى من النهر، وفي الحياة غايات كثيرة تحتاج إلى وسائل للوصول إليها وتحقيقها، وأقرب وسيلة هي الوظيفة، إن نظرنا إليها من المنظور المادي الصرف، وإلا هي مساحة للخير والنماء، وهي محطة آمنة من محطات الوطن، التي يعول عليها في احتضان هذا الجمع الغفير من الناس، لتحقيق أمنهم الاجتماعي والنفسي، ربما في حالات نادرة قد ينتصر لها القانون، فهي حقيقة مشروعة من خلال القانون، ولكن مشكلة هذا القانون يحتاج إلى من يؤمن بأهميته في حماية الوظيفة، وبالتالي متى تعذر هذا الإيمان عند هذا الموظف، أو ذاك، تبقى الوظيفة في مأزق الهزيمة، وهو عمرها الممتد.

من خلال تجربة امتدت لثلاثين عاما تقريبا، متنقلا بين ردهات هذه الوظيفة، وجدتها أكثر للمنافسة، وليست للصداقة، وهذا التقييم ليس احتمالا فوق ما تحتمل الوظيفة، فهذه هي الحقيقة، وهذه بصراحة لا يجب أن تكون محط أنظار للصداقات؛ لأن في ذلك مضرتها، أكثر من تفعيل دورها، فتضارب المصالح بين ردهات الوظيفة، هو أحد الإخفاقات التي تعاني منها، لأن هناك نوعا من الصداقة بين مجموعة من المنتسبين إليها، ويعود إليه جل هذه الإخفاقات، والمنافسة المقصودة هنا ليست تلك القائمة على الحقد، وعلى الحسد، وعلى حفر الحفر تحت أجنحة الظلام في المكاتب، وعلى الوسوسة، وعلى الغيبة والنميمة، وإنما المنافسة الشريفة القائمة على: الإبداع والابتكار، والتضحية، والشفافية، وخدمة الآخرين الذين يرون في الوظيفة تحقيقا لطلباتهم ومصالحهم المشروعة.

يذكر أحدهم، أنه تنقل طوال سنوات عديدة من عمره الوظيفي ما بين خمس مؤسسات بين عامة وخاصة، ولم يجد في واحدة منها ما يدعو إلى الأمان، وإلى الرضا، وإلى العمل فقط لأجل الوظيفة ومتطلباتها، وإنما وجد التحزبات، والتنافس غير الشريف، والوشايات، والمناوشات بالغمز واللمز، والصراعات، وإن بدت الأسنان البيضاء مع كل لقاء، فذلك مظهر يؤكد أن هذه الأسنان حادة وخطيرة، وقادرة على قضم أصلب القناعات، ومن أعجب المواقف أن تذكر للمسؤول مناقب ومحاسن موظف استقال، أو تقاعد، هل هو نوع من الـ«تأبين» بينما ليس يسيرا ذلك عندما يكون على رأس وظيفته، خوف تبوئه منصبا أعلى، أو مكافأة أفضل.

كل الصداقات في الوظيفة مرهونة بالمصالح المتبادلة بين مجموعة الموظفين، ويرتفع سقف هذا التبادل مع تراتبية المسؤول، والمنافسة القائمة تظل مرهونة بمن يصل أولا إلى رضا المسؤول، إما بما يحقق الدور المنوط إلى الموظف من امتهانه في وظيفة ما، فيظل ذلك مسألة نسبية بين جموع الموظفين، ورحم الله من استطاع من أن يسل نفسه من إشكاليات كثيرة تحتويها الوظيفة، ويظل نقيا.