الملف السياسي

قمة هلسنكي وملفات شائكة !!

16 يوليو 2018
16 يوليو 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفــي ومحـــلل ســـياسي -

القمة الأمريكية- الروسية التي عقدت بالأمس في مدينة هلسنكي في أقصى شمال أوروبا لا يتوقع أن تخترق كل الملفات الشائكة، كما أن عددا من الملفات الحساسة بين واشنطن وموسكو سوف تبقي رهن السرية لأسباب استراتيجية في ظل تخبط الإدارة الأمريكية والرئيس ترامب سواء مع الحلفاء الأوروبيين في قمة الناتو الأخيرة أو من خلال الحرب التجارية التي بدأت ملامحها أو من خلال القضايا المتوترة في عدد من بلدان الشرق الأوسط خاصة الملف السوري والإيراني وحتى موضوع أوكرانيا والأمن الأوروبي.

الملف الأهم

العلاقات الأمريكية /‏الروسية تمر بأزمات متعددة ولعل التحقيقات الواسعة التي يجريها المحقق مولر حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية والتي أدخلت البيت الأبيض في حرج كبير لن يكون على طاولة النقاش بين بوتين وترامب وذلك لضعف موقف الرئيس الأمريكي رغم الاتهامات التي وجهت مباشرة من المحقق مولر إلى عدد من ضباط الاستخبارات الروسية الذين كان لهم دور مباشر في الاختراقات الإلكترونية لبيانات لجنة الانتخابات للحزب الديموقراطي واختراق حسابات أكثر من نصف مليون ناخب .

إذن هذا الملف الشائك سيبقي مفتوحا لأسباب تتعلق بعدم اكتمال التحقيقات في واشنطن علاوة على أن الجانب الروسي نفي كل الادعاءات الأمريكية، ومن هنا فإن الملفات الأخرى سوف تكون حاضرة وعلى رأسها الملف السوري وموضوع إيران والصراع العربي-الإسرائيلي كما أن موضوع الأمن الأوروبي على ضوء نتائج قمة الناتو الأخيرة وزيادة ميزانية الدفاع للحلف ستكون من الملفات التي قد يحدث فيها اختراق نسبي خاصة موضوع إنهاء الصراع في سوريا في مقابل انسحاب القوات الإيرانية والعودة مجددا إلى نظام بشار الأسد .

الملف السوري

التواجد العسكري المحدود في سوريا لم يعد مفيدا للولايات المتحدة خاصة وأن روسيا أصبحت هي اللاعب الأول في سوريا منذ تدخلها المباشر في الحرب الأهلية في سوريا ومن خلال التنسيق مع السلطات السورية وكان التدخل الروسي مفصليا في أحداث الحرب وفي تغير خارطة الصراع المسلح، ومن هنا فإن قمة هلسنكي بين ترامب وبوتين قد تفضي إلى صفقة براجماتية تقضي بإنهاء الحرب في سوريا وانسحاب القوات الأجنبية من سوريا والعمل على الآليات السياسية من خلال مشروع جنيف وجهود الأمم المتحدة ومبعوثها دي ميستورا، وعلى ضوء هذه الصفقة المحتملة يتم الانتهاء من هذا الملف السوري الشائك خاصة وأن لإسرائيل مصلحة في انسحاب القوات الإيرانية القريبة من حدودها ولعل الاجتماع الأخير في موسكو بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتنياهو وبوتين قد تطرق إلى هذه المسالة وعلى ضوء ذلك فإن ترامب لا يريد المزيد من المصروفات المالية ويريد الانسحاب في إطار استراتيجيته التي تعتمد على الابتعاد عن الصراعات الإقليمية وحل بعضها إن أمكن على غرار الجهود المتواصلة لحل الموضوع الكوري الشمالي في أعقاب القمة الأمريكية-الكورية الشمالية .

العلاقات الثنائية

العلاقات الثنائية بين موسكو و واشنطن تكتنفها العديد من المشاكل ليس فقط فيما يخص موضوع التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 ولكن هناك قضايا أوكرانيا والأمن في أوروبا والتي سوف تكون حاضرة لإيحاد آليات لحلها ولعل موضوع جزيرة القرم محسوما بعد أن تم ضمها إلى روسيا الاتحادية كما أن موضوع الأمن في أوروبا يبقي أحد الموضوعات الشائكة في ظل تصاعد القوه العسكرية الروسية ومشاريع التسلح العملاقة التي كشف عنها مؤخرا الرئيس بوتين علاوة على ما تحظى به المنظومات الصاروخية الروسية اس 300 و اس 400 « من اهتمام متزايد .

إن تنامي مبيعات السلاح الروسي لدول العالم المختلفة يثير قلق الولايات المتحدة من الناحية الاقتصادية لأن ذلك يعني زيادة حصة مبيعات الأسلحة لدول الشرق الأوسط خاصة الدول العربية وتركيا ومن هنا فإن ملف العلاقات الثنائية سوف يبقي حاضرا في قمة هلسنكي ولعل التحسن في العلاقات بين البلدين ولو في حده الأدنى يعد أمرا مهما لاستقرار العالم من ناحية وأيضا لدور واشنطن وموسكو في احتواء الصراعات الإقليمية سواء في سوريا أو ليبيا أو اليمن وأيضا موضوع سباق التسلح النووي والذي يعد من الملفات الحساسة وفي ظل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران

الملف الإيراني

الملف الإيراني سوف يحظى بالاهتمام نظرا لخطورة هذا الملف على الصعيدين الاستراتيجي والاقتصادي وفي ظل نبرة أمريكية معادية لإيران فيما يخص النفط والعقوبات على إيران والتصريحات المتبادلة بين طهران وواشنطن ومن هنا فإن الآلية التي سوف تحكم النقاش حول موضوع إيران أن هناك علاقات جيدة بين روسيا و إيران وهناك مصالح متنامية على الصعيد الاقتصادي ودورهما المشترك في سوريا ومن هنا فإنه من الصعب على الرئيس ترامب أن يخترق هذا الملف خلال القمة أو إقناع الرئيس بوتين بوجهة النظر الأمريكية

إن التوجهات الأمريكية الأخيرة تجاه عدد من القضايا الإقليمية أصبحت غير مقبولة حتى من قبل حلفاء واشنطن الأوروبيين ومن هنا فإن موضوع إيران أصبح موضوعا متشعبا ومعقدا خاصة في ظل تمسك الجانب الأوروبي بالاتفاق النووي مع إيران ومن هنا فإن الرئيس الأمريكي قد يحصل على شيء فيما يخص الموقف الروسي تجاه إيران خاصة وأن هناك كتلة اقتصادية كبيرة تتشكل من قبل الصين وروسيا وتركيا وإيران وعدد من دول آسيا الوسطى التي كانت مرتبطة مع الاتحاد السوفيتي السابق ولها علاقاتها المميزة مع روسيا الاتحادية .

وعلى ضوء المحددات الأساسية للملف الإيراني فإن حدوث اختراق كبير لصالح الولايات المتحدة لن يحدث فالرئيس بوتين لا يمكن أن يضحي بالمصالح الروسية مع إيران وعلى ضوء ذلك يبقي الملف السوري هو الأكثر مقاربة إيجابية للطرفين في قمة هلسنكي وقد يحتفظ الجانبين ببعض التفاهمات سرا كما يحدث أحيانا لأسباب استراتيجية وأيضا معرفة ردود الدول الأخرى والتي لا يمكن تجاهل دورها الإقليمي خاصة الصين وأيضا أوروبا .

سقف التوقعات

الرئيس ترامب خلال تصريحاته الأخيرة في لندن لا يريد رفع سقف التوقعات وهذا يعني انه يدرك حجم الخلاف مع روسيا والتي من الصعب اختراقها خلال القمة ومع ذلك فان القمة في حد ذاتها إيجابية حتي علي صعيد كسر التوجس والشك بين قيادتي البلدين ومن خلال التحركات الروسية والأمريكية سواء في مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة فان الصدام الدبلوماسي سوف يستمر عند مناقشة عدد من القضايا خاصة الموضوع الفلسطيني أو حتي موضوع سوريا والجميع شاهد قرارات الفيتو في مجلس الأمن عند احتدام ذلك الصراع الدبلوماسي.

إن قمة هلسنكي لن تخرج بتفاهمات كبيرة على الأرجح وقد يستثني من ذلك الملف السوري والتحسن النسبي في العلاقات الثنائية إلى حد ما ومن هنا فان الأمور سوف تتضح بشكل اكبر من خلال البيان المشترك، أو من خلال تصريحات صحفية من قبل ترامب وبوتين ومن خلال ردود الفعل علي قمة هلسنكي والذي يتابعها العالم بكل اهتمام وترقب في ظل صراعات وملفات شائكة يعيشها العالم خاصة المنطقة العربية وفي ظل مشاريع مشبوهة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية. والسؤال الأهم ماهو موقف العرب من كل هذه التحركات الدولية سواء من خلال قمة هلسنكي أو التحركات الدبلوماسية في اكثر من قارة ؟