الاقتصادية

أحلام سكنــدر تعجـن 20 كيلوجــراما من الطحيـن يوميا

16 يوليو 2018
16 يوليو 2018

متخصصة في الخبز الظفاري -

طاقة - أحمد بن عامر المعشني:-

رغم الاتجاه نحو الحداثة واستخدام أدوات الحياة العصرية الذي أصبح سائدا في حياتنا المعاصرة إلا أن هناك من يعشق الأصالة والتمسك بالموروثات التي تتعلق بالهوية والخصوصية أو تلك التي كانت من إبداعات الإنسان العماني عبر الأزمنة صور عديدة ومتنوعة قد يجدها المرء في محافظات السلطنة، وحتى في نطاق المحافظة أو المنطقة الواحدة نجد هناك التنوع والتعدد في التمسك بالموروثات العمانية الخالدة.

ففي محافظة ظفار استوقفتني كثيرا تمسك مجموعة من نساء المحافظة بمهنة صناعة الخبز الظفاري المشهور وفق نفس الطرق والوسائل التقليدية التي كان الآباء والأجداد قد ابتدعوها لصناعة الخبز وذلك رغم منافسة المصانع الحديثة إلا أن جودة الماضي ما زالت هي الأفضل.

قبل اكتشاف التقنية الحديثة لصناعة الخبز .. ابتدع الأجداد آلية لصناعة الخبز تسمى في محافظة ظفار (التنور) وهي عبارة عن حفرة يبلغ عمقها مترا وقطرها مترا ونصف المتر وهي على شكل دائرة أسطوانية الشكل وتكون في الغالب في زاوية الحوش.

أحلام بنت سكندر (أم وهيب) وهي في الثلاثينات من عمرها من مدينة طاقة تعمل في إعداد الخبر الظفاري خاصة ما يعرف بخبز القالب وهي من أشهر نساء ولاية طاقة في جودت خبزها رغم عمرها القصير حيث يشهد معملها المتواضع في وسط مدينة طاقة القديمة إقبال منقطع النظير وحجوزات تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من شهرين خاصة في موسم الأعراس كما تعدى ذلك إلى خارج حدود السلطنة.

(جريدة عمان) زارتها في معملها وأجرت معها هذا الحوار حيث قالت أحلام تعلمت هذه المهنة من أمي وأخواتي الكبار والحمد لله أصبحت الحين أدير معملي لوحدي منذ أكثر من عشر سنوات وعن سبب شهرة خبزها القالب الذي هي متخصصة فيه قالت هذا من فضل ربي واجتهادي في إعداد الخلطات الخاصة بإعداد الخبز والتي تحتاج إلى مقادير دقيقة من السكر والزيت والحبة السوداء، كما أن عملية العجين تحتاج إلى مهارة جيدة، حيث إني أقوم بعجن نصف جونية من الدقيق يوميا أي ما يعادل 20 كيلوجراما.

وحول عملية تسويق إنتاجها من الخبز، قالت أحلام بنت سكندر لا يوجد لدي أي فائض من الخبز حتى أقوم بتسويقه لأنني أعمل ضمن طلبيات وحجوزات مسبقة من قبل زبائني على مدار العام، حيث أصبحت الأعراس في محافظة ظفار مستمرة طيلة العام بدلا من السابق حيث كانت تكثر الأعراس فقط في موسم الخريف بالإضافة إلى عيد الفطر وعيد الأضحى، وقالت في عيد الفطر الماضي: طلب مني أحد المواطنين في محافظة ظفار تجهيز كمية من الخبز بقيمة ألف ريال عماني.

تجهيز التنور

وتقول عن المراحل التي يمر بها إعداد وتجهيز (التنور): إن العملية تبدأ أولا بحفر حفرة عميقة ثم إحضار كمية من التراب الأحمر التي كانت بيوت ظفار تبنى به وهو تراب يتحمل شدة الحرارة ويوضع هذا التراب (الطين) في الماء لمدة يومين حتى يتشبع ثم يعجن هذا الخليط باليد ويشمط به جوانب (التنور) من الداخل ويترك بعد ذلك لمدة ثلاثة أيام حتى يجف وبعدها يتم وضع كمية من الأخشاب اليابسة في (التنور) ويوقد فيها بالنار وهذه عملية تتطلب نوعا من التخصص في الحرفة ولا تستطيع جميع النساء إتقانها لصعوبتها ودقتها الحرفية وفي الغالب ما يستعان بنساء محددات خصيصا لهذه العملية. وأشارت أم وهيب إلى أن هناك اختلافا كبيرا بين الأمس واليوم.. فكلا المرحلتين لهما ظروفهما ومعطياتهما الخاصة بهما وفق حدود المكان والزمان.. فلم تعد معطيات الأمس هي نفسها معطيات اليوم وهذا شيء طبيعي إذا نظرنا لتطور المجتمعات البشرية.. فقد كان (التنور) قديما يحتكر صناعة الخبز في المحافظة، وتتم العملية بأن يحضر الزبون مسبقا الدقيق والزيت والسكر ثم النساء بتحضير وتجهيز الخبز مقابل أجرة قيمتها عشرة ريالات عن كل جونية دقيق، أما في الوقت الحاضر فإن العملية بشقيها التحضيري والإنتاجي تتم بواسطة القائمات على العمل ثم يقمن بأنفسهن بتسويق الخبز عبر منافذ معروفة.

الجودة في الأيادي العمانية

وعن أنواع الخبز وأسعاره تقول أحلام: هناك نوعان من الخبز الظفاري هما القالب والثخين وكل له سعره، فبعد ارتفاع الأسعار مؤخرا في جميع السلع أصبحت أربع حبات من القالب بريال واحد، أما أربع حبات من الخبز الثخين فيبلغ سعرها ريالين.

وتضيف أحلام قائلة: لقد حاولت المصانع الحديثة أن تنتج الخبز الظفاري ولكن إنتاجها لم يكن بنفس الجودة والنوعية لأن الخبز الظفاري يتطلب نوعا من الحرفة والإتقان المتميز الذي لا يتوفر إلا في النساء الظفاريات والتي تعلمن جيدا أسرار هذه المهنة.

وعن الأوقات التي يزيد فيه الطلب على هذا الخبز قالت: إن أحسن الأوقات في الذي يكثر فيه الطلب على الخبز هو في موسم الخريف وذلك لكثرة السياح وتوافد المواطنين من مختلف أنحاء السلطنة وكذلك كثرة المناسبات في الأعراس فيزيد الطلب بكثرة لأن هذه النوعية من الخبز تصبح مرافقا للحلوة العمانية.

صعوبة العمل

وحول صعوبة العمل في هذا المجال والذي لا يرحم صاحبه من لفيح النار الملتهبة والتعرض للحرق من وقت لآخر، وما يرافقه من أعمال بدنية قاسية مثل العجين وغير ذلك كان جوابها أن لقمة العيش لا تعرف الطريق السهل أو الكلل وأكدت في الوقت نفسه عن تصميمها في الاستمرار في هذا العمل رغم صعوبته.

وفي ختام هذا الحوار، قالت أحلام بنت سكندر أتمنى أن يكون هناك سوق شعبي في ولاية طاقة للنساء لعرض منتجاتهن من الخبز وغير ذلك من المنتجات النسوية مثل المجامر والبخور والحرف التقليدية الأخرى التي تشتهر بها الولاية بدل العرض الحالي الذي يتم على قارعة الطريق المزدحمة، والذي يعرض منتجاتهن للضياع خاصة في حالة تساقط الأمطار أو هبوب الرياح الشديدة وكذلك صعوبة الشراء من قبل الزبون لعدم معرفته بالموقع أو لصعوبة الوصول إليه.