أفكار وآراء

السلطنة: الاستقرار السياسي والاستثمار الأجنبي

14 يوليو 2018
14 يوليو 2018

أحمد بن علي الصبحي -

«الاستقرار السياسي لأي دولة يعتبر من العوامل الرئيسية لجذب الاستثمارات الأجنبية إليها. السلطنة تتصدر دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأكثر استقرار سياسياً وأمنيا، مما يؤهلها لتكون مركز جذب مهم للاستثمارات الأجنبية».

تسعى السلطنة بكل جدية وثقة إلى تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على عائدات النفط المتذبذبة، ولقد كانت أزمة انخفاض أسعار النفط الأخيرة دليلا واضحا على خطورة الاعتماد على مصدر رئيسي واحد للدخل غير المتجدد. كما كانت تلك الأزمة، في الوقت نفسه دافعا كبيرا لتعزيز وتسريع استراتيجيات التنويع الاقتصادي وإيجاد مصادر مستدامة للدخل، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وفتح مجالات أوسع للاستثمار الأجنبي في السلطنة. ولسعي الحكومة الحثيث لإيجاد مصادر دخل أخرى بعيدا عن النفط، جاء البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي (تنفيذ) المنبثق من الخطة التنموية الخمسية التاسعة الحالية، ويهدف برنامج تنفيذ بشكل رئيسي إلى المساهمة في تحقيق رؤية السلطنة في التنويع الاقتصادي، ومعرفة التحديات والصعوبات التي تواجه المؤسسات الحكومية والخاصة في تحقيق هذه الرؤية.

يلعب الاستثمار الأجنبي دورا مهما في النمو الاقتصادي للدول ويدعم استراتيجيات التنويع الاقتصادي ويعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بالإضافة إلى رفع الناتج المحلي الإجمالي وإيجاد فرص العمل، ونقل التكنولوجيا. ووفقا لتقرير الاستثمار الدولي التنافسي الذي نشره البنك الدولي في أبريل من هذا العام ، أن السنوات العشرين الماضية شهدت تقدماً في معدلات نمو الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية لتتجاوز 20 ضعفاً عما قبلها، ما يمثل نحو 20 في المائة من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية. تمتلك السلطنة إمكانات استثمارية واعدة في العديد من القطاعات مثل الصناعات التحويلية والسياحة والثروة السمكية والخدمات اللوجستية والتعدين. كما توفر السلطنة مناخا استثماريا واعدا ومحفزات كبيرة لجذب وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية. يشير تقرير مناخ الاستثمار الذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية بان هناك العديد من المزايا للاستثمار في السلطنة، من تلك المزايا وفرة البنى الأساسية الحديثة، وإطار قانون العمل الحديث، والأخذ بفلسفة السوق الحرة، واحترام حقوق الملكية؛ ومنح إعفاءات ضريبية، وتوفر القوى العاملة العمانية المتعلمة والمدربة جيدا. كما يعتبر التقرير أن سلطنة عمان دولة آمنة ومستقرة، مع مدارس دولية متميزة، وتوفر مجموعة واسعة من السلع الاستهلاكية، وشبكة مواصلات مريحة ومتنامية، بالإضافة إلى موقع عمان الاستراتيجي، المطل على ممرات الملاحة البحرية التي تحظى بنصيب كبير من الحركة التجارية البحرية في العالم، مع سهولة الوصول والاتصال بينها وبين دول الخليج الأخرى ودول آسيا ودول القارة الأفريقية.

الاستثمار المطرد والطموح من جانب حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- في البنية الأساسية، بما في ذلك المناطق الحرة الصناعية، وإنشاء منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة، والموانئ والمطارات والطرق السريعة، وكذلك نظم الرعاية الصحية والتعليمية والمرافق الأخرى ساهم بشكل كبير في جذب الاستثمارات للسلطنة. كما تشير التقارير إلى تزايد الاستثمار الأجنبي في السلطنة مع اعتراف الشركات الدولية بالفرص المتنامية المتعلقة ببرنامج الاستثمار الهائل في البنية الأساسية في السلطنة.

يلعب الاستقرار السياسي دورًا أساسيًا في عملية التنمية الاقتصادية في أي بلد، كما يعتبر الاستقرار السياسي للدول هو من أهم العوامل الرئيسية لجذب الاستثمارات الأجنبية، ووجدت العديد من الدراسات والنظريات الاقتصادية أن عدم الاستقرار السياسي كان عاملاً ضاراً من شأنه أن يعرقل تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر ونمو الاقتصاد. لقد كان تسريع معدل النمو الاقتصادي في البلدان النامية هدفا مهما لجميع سياسات التنمية تقريبا التي نفذت على مدى العقود الماضية. وقد أظهرت التجربة أن هذا النمو في كثير من الأحيان غير مستدام ومن المحتمل أن يتوقف بسبب عدم الاستقرار السياسي، وعلى سبيل المثال كان ومازال عدم الاستقرار السياسي هو التحدي الأكبر للحكومات والشعوب الإفريقية. حيث تعرضت هذه القارة لموجات من عدم الاستقرار السياسي المتمثلة في الحركات الثورية والحروب الأهلية والعرقية والصراعات على موارد الثروة. كما أن عدم الاستقرار السياسي في السنوات الأخيرة في بعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ألحق ضرراً بالغاً بالاستثمارات الأجنبية في تلك الدول، حيث أشار تقرير للبنك الدولي في عام 2013، الى أن الاضطرابات السياسية قد ألقت بظلالها القاتمة على النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأن هناك تأثيراً قوياً وسلبياً للاضطرابات السياسية على مجمل تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة. ووجد أيضا أن الاستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات التحويلية غير النفطية كان أكثر حساسية إزاء انعدام الاستقرار السياسي من الاستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات الاستخراجية أو قطاعات السلع غير التجارية. في الوقت نفسه، أجرت ثلاث مؤسسات دولية دراسة حول معوقات الاستثمار في الدول العربية، وتصدر هذه المعوقات مسألة عدم الاستقرار السياسي لعزوف شركات عديدة عن الاستثمار في عدة دول عربية.

التقرير العالمي للتنافسية الاستثمارية 2017/‏‏2018، أوضح في دراسة شملت 750 مديرا تنفيذيا بشركات استثمارية متعددة الجنسيات بشأن الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية، أن الاستقرار السياسي والأمن إلى جانب استقرار البيئة القانونية والتنظيمية هي من الخصائص الرئيسة لأي بلد والتي يدرسها المديرون التنفيذيون في الشركات متعددة الجنسيات قبل أن يخصصوا رأس المال لمشروع جديد. كما يرى الخبير الاقتصادي الأول في الاقتصاد الكلي والتجارة والاستثمار في مجموعة البنك الدولي، أنه «يجب على الحكومات أن تخفف من القيود على مناخ الاستثمار من خلال تأمين بيئة مناسبة للأعمال مدعومة بحماية قانونية من الأخطار السياسية، حتى يمكن للمستثمرين الأجانب الشعور بالأمان».

في السلطنة، نجد أن العديد من المؤشرات والتقارير الصادرة عن مؤسسات ومراكز البحوث الاستراتيجية الدولية والمنظمات العالمية، تشير إلى أن السلطنة تتميز عن غيرها من دول المنطقة بمناخ الأمن والاستقرار السياسي، حيث حصلت السلطنة مؤخراً على مراكز متقدمة عربيا ودولياً في عدة مؤشرات، هذه المؤشرات تساهم بشكل كبير في إيجاد الثقة لجذب وتشجيع الاستثمارات الأجنبية في السلطنة، ومن تلك المؤشرات المتقدمة التي حصلت عليها السلطنة: مؤشر بدء ممارسة الأعمال التجارية، والمؤشر الفرعي لحكم القانون، ومؤشر ركيزة المؤسسات، ومؤشر البيئة السياسية ومؤشر البيئة الاقتصادية. كما حصلت السلطنة على مراتب متقدمة عربيا ودوليا أيضا في كل من مؤشر الاستقرار السياسي، وغياب العنف، ومؤشر البيئة التنظيمية ومؤشر الإنفاق على التعليم، ومؤشر رأس المال البشري، ومؤشر سهولة دفع الضرائب، بالإضافة إلى مؤشر الابتكار العالمي، ومؤشر الأمن السيبراني العالمي.

تقرير مؤشر السلام العالمي لعام 2018 أيضا صنف السلطنة ضمن قائمة الدول التي تتمتع بدرجة عالية من السلم، حيث حصلت السلطنة على المركز الأول عربياً في مؤشر انعدام الصراع الداخلي والخارجي، وعلى المركز الرابع عربياً في مؤشر الأمن والسلم المجتمعي، وعلى المركز الخامس عربياً في مؤشر السلام العالمي. كما أن خريطة المخاطر السياسية والاقتصادية لعام2017 التي تصدر عن مؤسسة مارش العالمية أشارت كذلك إلى أن السلطنة تمتلك بيئة استثمارية جاذبة. وهذه الخريطة تدرس مؤشر المخاطر الاقتصادية والسياسية لدول العالم، وهي مؤشر يعتمد عليه رجال الأعمال الأجانب وصناديق الاستثمار العالمية للدفع باستثماراتهم في الدول الأجنبية، حيث إن فهم المخاطر السياسية والاقتصادية مطلب ضروري ومهم للشركات الكبيرة لاتخاذ الإجراءات المناسبة للمحافظة على الاستقرار المالي. كل هذه المؤشرات المتقدمة تجعل من السلطنة واحة آمنة ومستقرة للاستثمار الأجنبي.

إن الاستقرار السياسي يؤدي الى التنمية الاقتصادية الشاملة في الدول، كما أن التنمية الاقتصادية بحد ذاتها تؤدي في النهاية إلى إيجاد دولة قوية مستقرة في جميع المجالات. السلطنة بما لديها من إمكانات فريدة في الموارد الطبيعية الهائلة، والموارد البشرية المتعلمة، والموقع الجغرافي المميز، والاستقرار السياسي الفريد من نوعه في المنطقة والبنى الأساسية الحديثة يجعلها محطة جذب رئيسية للاستثمارات الأجنبية، والتي يجب أن تُستغل هذه الإمكانيات على النحو الأمثل لتحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي للسلطنة.