أفكار وآراء

مستقبل التعاون العربي الصيني

14 يوليو 2018
14 يوليو 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

أبدت كل من جمهورية الصين الشعبية والدول العربية أهمية كبيرة لمنتدى التعاون الصيني العربي الذي عقد الأسبوع الماضي ببكين سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، وذلك بحضور بعض رؤساء الدول العربية ووزراء خارجيتها. وجاء هذا المنتدى في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات العربية الصينية دفعة جديدة من التعاون والتنسيق في الكثير من المواقف التي تهم الطرفين، حيث يبدي كل طرف جهوداً متواصلة لرفع مستوى التبادل التجاري وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية. ولا غرو في ذلك بأن أصبح كل بيت عربي تتوافر به اليوم صناعة صينية نتيجة للتقدم الكبير الذي شهدته الصين في منتجاتها وسلعها وتنوعها في السنوات الماضية.

كما جاء هذا المنتدى في وقت يشهد فيه العالم ما بات يعرف “بالحرب التجارية” القائمة بين الصين والولايات المتحدة والتي تزداد وتيرة اشتعالها بصورة أكبر لتحرق دولا أخرى في العالم نتيجة للقرارات التي يتخذها الرئيس الأمريكي ترامب دون مراعاة للاتفاقيات والمعاهدات والمنظمات الدولية التي تنظم هذه العلاقات. إن عددا من المسؤولين الصينيين والعرب أبدو اهتمامهم بهذا المنتدى، حيث أكد المدير التنفيذي لرابطة جمعيات الصداقة العربية الصينية الدكتور علي يوسف أحمد مؤخرا في تصريح عن أهمية المنتدى الذي خرج بوثيقة مهمة للسير عليها خلال العقود المقبلة، مؤكدا أن كلا من الصين والدول العربية تمتلك إمكانات هائلة وموارد ضخمة وخبرات تراكمية ستساهم إيجابا في تحقيق مصالح الشعبين والعمل معا من أجل تحقيق مبادرة الحزام والطريق وبناء المستقبل المشترك بين الطرفين.

فلقد كانت مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقها الرئيس الصيني “شى جين بينغ” في العام 2013 أهمية كبيرة في تشكيل الآلية التي تعززت من خلالها هذه الأنشطة والعلاقات. وقد تضمن طرح الرئيس الصيني مبادرتين للبناء المشترك لـ “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” و”طريق الحرير البحري للقرن الـ21” والذي يشار إليهما بالاختصار “بالحزام والطريق”، حيث تعكس هذه المبادرة تفكير الصين في الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية للعالم أجمع، وفهمها في اتجاهات تطورها، وكذلك تجسّد الحكمة الصينية والتجربة الصينية والصوت الصيني. فهذه المبادرة تهدف في نهاية المطاف إلى تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأجمع. وأن جميع الدول العربية تبدي اهتمامها للمساعي الصينية في تحقيق هذه المبادرة في إطار مواقفها الإيجابية والواضحة والمساندة للقضايا العربية ودورها السياسي بحفظ السلام في العالم، ودعوتها في تحقيق التنمية الشاملة في الدول العربية من خلال تقديم الدعم المالي لبعض الدول العربية لإصلاح أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية. ومن هذا المنطلق جاء إعلان الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في المنتدى الأخير عن عزمه تقديم قروض لبعض الدول العربية بقيمة 20 مليار دولار لتحقيق التنمية الاقتصادية فيها، مؤكدا أن هذه القروض المتعهد بها تأتي ضمن خطط الصين لتقوية حضورها في مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولتأسيس شراكة استراتيجية للتعاون الشامل والتنمية المشتركة والتوجه نحو المستقبل، وتعزيز فرص العمل داخل المجتمعات العربية، وتحقيق نمو في الاقتصاد القائم على الإنتاج. فقد سبق للصين أن قامت بضخ 14.53 مليار دولار أمريكي من الاستثمارات المباشرة في 53 دولة على طول “الحزام والطريق” في العام 2016 لتمثل 8.5% من إجمالي استثماراتها الخارجية في الفترة ذاتها.

إن العلاقات العربية الصينية شهدت خلال العقدين الماضين تطورات إيجابية عديدة على مستوى جميع القطاعات الاقتصادية والثقافية. فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والصين ليصل إلى 230 مليار دولار في عام 2017، مما يجعل الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية بعد الاتحاد الأوروبي. كما أن “إعلان بكين” للمنتدى الأخير تناول جميع تلك التفاعلات والأنشطة بين الطرفين والتي تهدف إلى الاستفادة من البرنامج التنفيذي للمنتدى بين عامي 2018 و2020، والإعلان التنفيذي العربي الصيني الخاص بمبادرة “الحزام والطريق”. ومن الجازم بأن هذا الإعلان سوف يشكل قوة دفع جديدة لمسار العلاقات المتنامية بين الصين والدول العربية، خاصة وأن العلاقات الصينية مع بعض الدول كالسلطنة هي علاقات تاريخية راسخة تعود لآلاف السنين وتتجدد مع كل مبادرة جديدة.

إن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في المنتدى له أهمية كبيرة وتأثيره على المستوى البعيد في دعم وقيادة العلاقات الصينية ـ العربية نحو آفاق جديدة تستفيد منها الشعوب الدول العربية والصينية معا. فهذا الخطاب يعتبر الثالث من نوعه لهذا الرئيس الذي سبق له أن ألقى خطابه الأول في الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني ـ العربي ببكين عام 2014، فيما كان الخطاب الثاني له بمقر جامعة الدول العربية عام 2016، الأمر الذي يعكس اهتمام الصين الكبير والدعم القوي لتعزيز العلاقات الصينية ـ العربية وإقامة منتدى التعاون الصيني ـ العربي. فالخطاب الأخير يؤكد أيضا حرص القيادة الصينية وتصميمها على رفع مستوى العلاقات بين الجانبين إلى مستوى أعلى، بالإضافة إلى تخطيط وتعزيز التعاون الجماعي وتطوير العلاقات القائمة حاليا إلى مستويات أكبر من خلال المتابعة والاهتمام لتشمل جميع القطاعات، بحيث يستفيد منها العرب من التطورات التكنولوجية والمعرفية والهندسية التي تشهدها الصين في كثير من الحقول، خاصة وأن هناك احتياجات لجميع الأطراف العربية بالاستفادة من تلك التطورات بما ذلك الجهود الصينية المبذولة لتحقيق السلام والتنمية في الشرق الأوسط. ولا شك أن هذا التعاون سيؤدي لاحقا إلى عمل مستقبلي وإيجاد نوع جديد من العلاقات الدولية، وتعزيز المشاركة المجتمعية، بالإضافة إلى تفعيل القضايا الدولية والإقليمية وأولها القصية الفلسطينية.

إن الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني ـ العربي واعتماد الوثيقة الختامية لإعلان بكين وخطة العمل خلال الفترة 2018-2020، أصبحت اليوم تغطي أكثر من اثني عشر مجالا للتعاون، بالاضافة إلى العمل فيما يتعلق بوضع خارطة طريق واضحة لبناء “الحزام والطريق” مستقبلا. فيما أكدت الدول العربية من جانبها اهتمامها بهذه المبادرة كونها تساعد جهود العرب الرامية إلى تحقيق التنمية الشاملة وإقامة البنى التحتية الضرورية. فمنتدى التعاون العربي الصيني أصبح اليوم واحدا من أهم آليات التواصل بين الصين والعالم العربي، خاصة وأن الطرف العربي أبدى الكثير من اهتمامه في إيجاد التعاون في مجالات التقنية والتكنولوجيا والطاقة البديلة لحاجة الدول العربية لمثل هذه المشروعات الحيوية.

إن التعاون العربي الصيني من شأنه تحقيق المزيد من المشاورات السياسية والاقتصادية بين الطرفين بالاضافة إلى إيجاد التنسيق حول القضايا والأزمات الراهنة بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأن الارضية بين الطرفين تحتاج إلى مزيد من التعاون والاستمرارية للوصول إلى الغايات المنشودة، مع العمل سويا للقضاء على الاوضاع المتوترة وغير المستقرة في الوطن العربي نتيجة لاستمرار الهجمة الصهيونية على فلسطين المحتلة، والتحديات الناجمة من هذا الصراع في المنطقة لمدة قرن مضى. فالصين تمثل قوة سياسية في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن بجانب قوتها الاقتصادية نتيجة لتفوقها في الكثير من الصناعات والمنتجات. كما من المتوقع أن تمثل الصين القوة الاقتصادية العظمى والأولى في العالم في غضون عقدين أو ثلاثة عقود مقبلة لتزيح الولايات المتحدة عن هذا الموقع. ولهذا تبدي جميع دول العالم حرصها على إيجاد العلاقات والتعاون مع الصين وتعزيز الاتفاقيات الثنائية معها في مختلف المجالات، بالإضافة إلى تجسيد الشراكة الحقيقية معها، والعمل عبر “الحزام والطريق” ليساهم في تحقيق المزيد من الالتحام المطلوب مع الصين التي تتمتع بالعديد من الموارد والمزايا المالية وإمكانيات السوق.