أفكار وآراء

ميركل وزيهوفر.. خلافات كامنة قابلة للتجدد !!

13 يوليو 2018
13 يوليو 2018

سمير عواد -

خرج الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير أخيرا عن صمته حيال النقاش الدائر منذ أسابيع في برلين، حول كيفية التغلب على أزمة اللاجئين، والتي تطورت إلى تفجير خلافات وحسابات قديمة بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي، وهورست زيهوفر، زعيم الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري وزير الداخلية، الذي يستغل منصبه ليساعد حزبه الحاكم في بافاريا، على تحقيق الفوز في الانتخابات المحلية في أكتوبر القادم خاصة وأن جميع الأحزاب الكبيرة التقليدية في ألمانيا، أصبحت تحسب حسابا لحزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، الذي أصبح ثالث أكبر حزب في ألمانيا. وتتعرض ميركل للاتهام منذ فترة بأنها مسؤولة عن صعود الشعبويين الألمان، بسبب قرارها في سبتمبر 2015 بفتح حدود ألمانيا أمام حوالي ثمانمائة ألف لاجئ، دخلوها بدون إبراز أوراق ثبوتية، كما حمّلوها مسؤولية وقوع جرائم قتل ارتكبها لاجئون. وفي هذه الأثناء تراجعت ميركل عن سياستها تجاه اللاجئين رغم أنها تتفادى الاعتراف بذلك، وتسعى لوقف تدفقهم إلى ألمانيا وأوروبا عن طريق إبرام اتفاقيات مع بعض الدول التي بوسعها منعهم من الوصول إلى أوروبا، وذلك على غرار الاتفاقية التي توصلت إليها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتنص على تقديم أوروبا أموالا طائلة مقابل منع اللاجئين من الهجرة بصورة غير شرعية إلى أوروبا. ويرى زيهوفر أنه يمكن التغلب على الأزمة من خلال، إبعاد اللاجئين المرفوضة طلباتهم باللجوء إلى ألمانيا، وإغلاق الحدود الألمانية أمام الوافدين منهم. لكن زيهوفر البافاري يريد الثأر من ميركل وتصفية حسابات قديمة عندما كانا معا في حكومة المستشار الألماني الراحل هيلموت كول، بمحاولة دفع ميركل الى أن تعترف علنا بأن سياستها تجاه اللاجئين واجهت الفشل.

ورغم أن ميركل وزيهوفر قد توصلا إلى «اتفاق» قبل أيام، وهو ما يوحي بأن الأزمة الداخلية انتهت، إلا أن الأزمة قد أثارت قلق قادة العالم، الذين اتصلوا بالرئيس الألماني -حسبما قال هو- معربين له عن أسفهم لانهماك ألمانيا في جدل بيزنطي وتجاهلها دورها في مسرح السياسة الدولية. وتجدر الإشارة إلى أن حل الأزمة قد أبقى على زيهوفر عضوا في حكومة ميركل، وإن كان هناك مراقبون في برلين يرون أنه -أي زيهوفر- لن تهدأ سكينته حتى يفوز حزبه في انتخابات أكتوبر القادم.

وبرأي قادة حزب «البديل من أجل ألمانيا»، فإن رفضه سياسة ميركل تجاه اللاجئين، هو الذي أدى إلى تسليط الأضواء على أزمة اللاجئين، وإجبار ميركل على البحث عن حل لوقف تدفقهم إلى ألمانيا وأوروبا. وقد ظهر في الأفق احتمال انهيار حكومة الائتلاف المسيحي -الاشتراكي في برلين، عندما هدد زيهوفر بانفصال قطبي الاتحاد المسيحي. وفشل الحزب الاشتراكي الألماني فشلا ذريعا في الاستفادة من الخلاف الحاد الذي نشب بين ميركل وزيهوفر، وبقي الفارق كبيرا بينه وبين الاتحاد المسيحي بينما يلاحقه حزب «البديل من أجل ألمانيا» بفارق بسيط. وسرت شائعات في برلين أن الاشتراكيين الألمان كانوا يتوقعون انهيار الحكومة، لكنهم كانوا يعرفون أن ذلك ليس في مصلحتهم. لذلك تمنوا لميركل النجاح في إنهاء الخلاف مع زيهوفر، لأنهم مثل ميركل وزيهوفر يخشون انتخابات مبكرة سيكون الرابح الكبير فيها هو حزب «البديل من أجل ألمانيا». ولذلك حذر الرئيس الألماني من عواقب استمرار النزاع بين ميركل وزيهوفر وحث الأحزاب الألمانية التقليدية الكبيرة على الاهتمام بمشكلات المواطنين.

ومنذ الانتخابات العامة في ألمانيا التي تمت بتاريخ 24 سبتمبر 2017، أصيبت السياسة الألمانية بحالة من الركود. ففي البداية استغرقت ميركل أكثر من ثلاثة أشهر حتى توصلت إلى تشكيل حكومتها الرابعة. ثم اندلع النزاع بينها وبين حليفها البافاري، واضطرت ميركل إلى وقف نشاطها على الصعيد الدولي، بما في ذلك مواجهة سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المثيرة للجدل، وكذلك الخشية من اندلاع حرب تجارية عالمية، وتردي العلاقات الأطلسية، والجهود الأوروبية لإنقاذ الاتفاقية النووية مع إيران، والتي تحولت، برغم أهميتها السياسية، الى قضايا جانبية على الساحة الألمانية، لأن زيهوفر كان يهدد بنهاية العهد السياسي لميركل. وعندما طلب بعض المعلقين الألمان أن تقوم ميركل بإعفاء زيهوفر من منصبه كوزير للداخلية، رد بقوله: «كنت أنا السبب في حصولها- ميركل- على منصبها، ولن أسمح لها أن تطردني من منصبي»، وهو ما يشير الى عمق الخلافات بين الجانبين، وذلك قبل التوصل الى توافق بينهما قبل أيام حول موضوع اللاجئين.

وفي هذه الأثناء شعر الأوروبيون بقلق حقيقي من انهيار الحكومة الألمانية في مرحلة تتطلب تضامن دول الاتحاد الأوروبي في مواجهة ترامب، وعواقب انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لاسيما وأن ألمانيا تلعب منذ سنوات دور القائد الخفي للاتحاد الأوروبي، لكن ميركل لم تعد «سيدة أوروبا» التي ليس هناك من ينافسها، وإنما باتت ميركل «الجريحة» التي أوضح نزاعها مع زيهوفر أنها قد تفقد منصبها متى رغب زيهوفر البافاري بذلك، آخذا بعين الاعتبار أن انفصال الاتحاد المسيحي سوف يقوي حزب «البديل من أجل ألمانيا» في ولاية بافاريا المحافظة وسيحرم حزبه من الفوز بالانتخابات القادمة، حيث أكدت عمليات استقراء الرأي أن نزاعه العلني مع ميركل أسفر عن فقدانه شعبيته لدى الناخبين في ألمانيا والذين ما زالوا يؤيدون ميركل رغم غضبهم من سياستها تجاه اللاجئين. وخلال النزاع بين ميركل وزيهوفر، تدخل ترامب في الشؤون الداخلية لألمانيا وكتب في تغريدة «الشعب الألماني أصبح يرفض سياسة ميركل تجاه اللاجئين»، وذلك لسبب يتعلق بمحاولته إقناع الشعب الأمريكي بقبول قراره منع دخول مواطنين من عدة بلدان إسلامية إلى الأراضي الأمريكية. وكانت صور المواطنين الألمان وهم يستقبلون اللاجئين في محطات القطار ويقدمون لهم الماء والطعام ولعب الأطفال، قد أكسبت الألمان تعاطفا من مختلف أنحاء العالم. غير أن الشعبويين في ألمانيا وأوروبا، استطاعوا في فترة قصيرة، تغيير الجو العام وانقلب التأييد إلى رفض قاطع ، حيث تسعى أوروبا إلى إغلاق حدودها أمام اللاجئين. أما ميركل فإنها تواجه في ولايتها الرابعة تحديات لم يسبق وأن واجهتها طيلة سنوات الولايات السابقة، ولا يهدد منصبها اليوم أكثر من زيهوفر البافاري الذي أصبحت تحسب له ألف حساب، ذلك أن النزاع الأخير بينهما ليس الأول، وبالتأكيد ليس الأخير.