tonis
tonis
أعمدة

تواصل :قهوة ليست للشرب!

10 يوليو 2018
10 يوليو 2018

تونس المحروقية -

hlaa202020 @ -

■ مشهد أول:

في الخامسة عشرة من عمرها كانت ترافق والدتها لمحل بيع الأواني المنزلية، وتتدخل في خيارات الشراء بشكل رأته والدتها مريباً ربما لأنها لم تعتده، كانت في كل مرة تختار شيئاً تقول لها ابنتها: “لا ماه ، هذا شكله ما بيطلع حلو لو صورناه في سناب شات، ما يبين كأنه مال أغنياء “ !

■ مشهد ثانٍ:

يرتاد مقاهي العلامات التجارية المعروفة ويلتقط جزءًا من كوب قهوته بشعار ذلك المقهى كي يظهر مكان وجوده ويعرف من يتابعه في “ انستجرام “ مستوى الأماكن التي تعود شرب قهوته فيها، لا ينسى أن يكتب اسم قهوته الأجنبية في الصورة وعبارة “ لا يكتمل مسائي إلا بها “ كدلالة على أن شرب هذه القهوة التي يصعب قراءة اسمها من عاداته اليومية!

■ مشهد ثالث:

في أحد المنازل الصغيرة جداً والبسيطة يلح على والده أن يغير أثاث غرفة المعيشة فقط كي تبدو وكأنها جزءًا من منزل فخم، يحاول أن يقنعه أن يشتري الأثاث بالتقسيط من أحد محلات الأثاث القريبة التي تمنح هذا الخيار، يقول: “ ما أريد أصدقائي يشوفوا في حسابي في سناب شات أن بيتنا شكله ما حلو، والله بيجلسوا يضحكوا علي في المدرسة لو عرفوا، على الأقل لما أصور ألقى مكان يبان فخم شوية في هذا البيت التعبان“

■ مشهد رابع:

تشتري حقائب وأساور يد وساعات بماركات معروفة غالية فقط كي تضع لقطات منها في كل صورها في وسائل التواصل الاجتماعي والتي عادة مع تكون مجتزأة ولا يظهر منها إلا حقائبها ويدها بما عليها بامتدادها إلى الكوع الذي يظهر بعد انسحاب كم العباية دون قصد!

جاءت وسائل التواصل الاجتماعي ببعض العادات التي تشكلت فيها أو انتقلت إليها من التعاملات المجتمعية الواقعية التي تعارف الناس عليها ولعبت هذه المنصات الإلكترونية دوراً في انتشارها بشكل أكبر واتخاذها أشكالاً متعددة ومن تلك العادات التي انتشرت بشكلٍ لافت عادة التباهي أو التفاخر بما يمتلكه الشخص من مال أو مقتنيات أو أسلوب الحياة الذي يعيش ضمن إطاره والذي يظهر غالباً وضعاً اقتصادياً هو أقرب للثراء والحياة المرفهة، إذ أضحى الشخص منا لا يحتاج أن يقول للناس صراحة: إن مستواي المالي جيد أو لدي هذه الأشياء الغالية أو أن بيتنا بالمواصفات الفلانية وفي المنطقة الفلانية الراقية، كما لا يحتاج أن يخبر عن خياراته المترفة في السفر ويعددها بل يمكنه فعل ذلك دون أن يظهر أن الأمر كان مقصوداً وذلك بتصوير لقطات من حياته اليومية التي تظهر جزءًا من أريكته المفضلة في المنزل أو سريره أو طاولة الطعام أو سيارته أو وجهة سفره ودرجة الرحلة السياحية أو مكان شرب قهوته أو تناول وجباته في المقاهي والمطاعم.

كل تلك اللقطات العابرة قد تكون مؤشرات على مستوى الحياة التي يعيشها الأشخاص، فطاولة الطعام تلك تعطي إشارة إلى أن هذا الشخص لديه منزل بطاولة طعام تبدو غالية وتلك الزاوية من المنزل تظهر بيتاً يبدو فخماً وقس على ذلك.

وهنا يواجه أولياء الأمور صعوبة في تعليم القناعة لأبنائهم في ظل كل هذا الكم من التفاخر والتباهي في هذه المنصات، فقد أصبح الأبناء مطلعين على الترف والرفاهية المنتشرة في أغلب الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي ويعتقدون أنهم لا ينبغي أن يظهروا بمظهر أقل من أغلب الموجودين في تلك العوالم وبالتالي يحاول بعض الأهالي أن يبعدونهم عن تلك المنصات وغالباً ما يفشلون في ذلك وبعدها يتكبدون ما يتكبدوه من مبالغ كي لا يسببوا لأبنائهم عقدا نفسية بسبب شعورهم أنهم أقل من غيرهم في المجتمع في حال عدم توفير ما يتطلبونه من مظاهر ثراء يقلدون فيها غيرهم، وهذا خيار ليس من السهل اتخاذه من قبل أولياء الأمور سواءً كان ذلك من زاوية تربوية أومادية.

وهنا تظهر فئة أخرى تتجاوز فئة المتباهين الذين يوجد لديهم فعلاً ما يفتخرون به، وهذه الفئة تتكون من الأشخاص الذين دفعتهم الرغبة إلى الظهور في مستوى اقتصادي أعلى من حقيقة وضعهم إلى تكبد الالتزامات المالية الثقيلة كي يظهروا ما لديهم في تلك المنصات، فهذا اشترى سيارة بأقساط عالية كي يصور أجزاء منها في انستجرام كل يوم وذلك استأجر منزلاً في منطقة بعينها كي يظهره في خانة الموقع في مختلف حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي وتلك تشتري ملابسها من محلات بعينها كي تظهر أناقتها الموقعة بعلامات تجارية معروفة في تلك المنصات.

قد يقول قائل: يوجد في المجتمع فعلاً من يكون تصويره لتلك اللقطات عفوياً ولا يهدف إلى التباهي بشيء، وهذا أمر صحيح فعلاً لكن عفوية مقاصدهم قد تتوه في زحمة المتباهين الذين يملأون تلك المنصات ويؤثرون على الآخرين بالرغبة في مجاراتهم في المستوى الاقتصادي الذي يظهرونه.

إن التفاخر المتفشي في منصات التواصل الاجتماعي يؤدي إلى التباغض بين أفراد المجتمع والحقد على من يبدون أنهم يعيشون فوق السحاب بينما غيرهم لا يجدون ما يشترون به حاجاتهم الأساسية كما قد يجعل متبعيه يفعلون الكثير كي يظهروا بمستوى اقتصادي لا يمثلهم وقد يصل بهم الحال لامتلاك أشياء لا يحتاجونها فقط كي يلتقطوا صورا معها، كمن يذهب كل مرة ليشتري القهوة من العلامة التجارية المعروفة ليلتقط لها صورة ثم يتركها تبرد على الطاولة دون أن يشرب منها ولو مقدار رشفة!