mohameed
mohameed
أعمدة

قَلْهات.. حاضرة البلاد العُمانية الأولى

07 يوليو 2018
07 يوليو 2018

د. محمد عبدالله القدحات -

في الاجتماع الثاني والأربعين للجنة التراث العالمي المنعقد في مملكة البحرين تم إدراج مدينة قَلْهات عاصمة عُمان الأولى ضمن التراث العالمي. بادرة طيبة تستحقها قَلْهات المدينة بما تحويه من تفاصيل معمارية خالدة، بدأت معالمها تظهر للعيان بعد جهود استمرت قرابة العشرة سنوات من التنقيب من لدن بعثات عالمية ووطنية، تدل تلك المكتشفات على الرقي الحضاري الذي وصلت إليه المدينة عبر عصورها المختلفة.

قَلْهات بفتح القاف وسكون اللام هكذا ضبطها ابن دريد، وإلى مثل ذلك ذهب ابن بطوطة في ضبط اسم المدينة، وهو الخبير في هذا المجال، وكان قد زارها واستقر بها مدة من الزمن. لم تسعفنا المصادر حول سبب التسمية؛ فالنص الوحيد الذي أورده ابن المجاور لا يمكن الركون إليه حول سبب التسمية حيث قال: إن مالك بن فهم من شدة حرصه على تنشيط التجارة في بلده كان يقف على الساحل، فأي مركب يراه يقلع في البحر ينادي أصحابه: قل هات. أي قل لهم في دخول البلد، يعني لأهل المركب، فسمي البلد قَلْهات.

قَلْهات من أقدم المدن والموانئ العُمانية، تقع على حافة جرف بحري يبعد عن مدينة صور عاصمة المنطقة الشرقية بحوالي 25 كم باتجاه الشمال الغربي، وتبعد عن مسقط العاصمة بنحو 150 كم إلى الجنوب الشرقي

تكمن أهمية هذه المدينة في أنها أول عاصمة للبلاد العُمانية بمفهومها الجغرافي آنذاك، وكان ذلك قبل ظهور الإسلام بعدة قرون عندما اتخذها مالك بن فهم الأزدي عاصمة لحكمه بعد هجرته بقبيلته من بلاد اليمن إثر انهيار سدِّ مأرب، ومنها انطلقت قواته لتحرير البلاد من السيطرة الفارسية الجاثمة منذ أمد. لكن تراجعت مكانة المدينة عما كانت عليه بعد اتخاذ مدينة صحار عاصمة لعُمان، وقد استمر الأمر حتى أواسط القرن الرابع الهجري/‏‏ الثاني عشر الميلادي، حيث عادت الحياة تدب في أوساط قَلْهات من جديد بعد الخراب الذي حلّ بصحار على أيدي القرامطة، فعادت لتلعب الدور الاقتصادي والسياسي الذي كانت عليه منذ قرون.

وقد ظلت قَلْهات مركزاً تجارياً مهماً حتى القرن السابع الهجريِ/‏‏ الثالث عشر الميلادي وهذا ما أكده الرحالة الإيطالي ماركو بولو الذي زار عُمان في طريق عودته من بلاد المغول، وقد ذكر المدينة باسم قلاياتي، وأشار إلى المدينة في أخبار رحلاته ووصف ميناءها الكبير، الذي يستقبل السفن التجارية القادمة من الهند بسب أهمية موقعه كميناء تجاري وسيط لنقل مختلف البضائع والسلع.

وبعد خمسين عاما على زيارة ماركو بولو كانت زيارة الرحالة المغربي ابن بطوطة للمدينة، والذي أظهر انبهاره لما رأه من تطور كانت تشهده قَلْهات لا سيما في الجانب التجاري «أهلها أصحاب تجارة تعتمد كلياً على التعامل مع السفن التجارية القادمة من الهند»، كما أظهر إعجابه بتنظيم السوق فيها «يوجد في قَلْهات أسواق ممتازة». وكان أكثر ما لفت انتباهه مسجدها الجامع والذي وصفه بقوله «ولها مسجد من أحسن المساجد حيطانه بالقاشانيّ وهو شبه الزلّيج، وهو مرتفع ينظر منه إلى البحر والمرسى، وهو من عمارة الصّالحة بيبي مريم، ومعنى بيبي عندهم الحرّة».

كان عام 1508م وبالا على قَلْهات، فقد تعرضت لأبشع عملية تدمير متعمد على أيدي قوات الاحتلال البرتغالي، فبعد محاصرتها من البحر أمر قائد الأسطول البرتغالي «البوكيرك» بدك المدينة بالمدفعية، فاحترقت ودمرت الكثير من معالمها، وفي مذكرات البوكيرك ـ التي كتبها حفيده ـ وصف يدل على الهمجية التي تعامل بها البرتغاليون مع المدينة وأهلها، لكنه ـ من غير قصد منه ـ حفظ لنا وصفاً لبعض معالم المدينة التاريخية كالمسجد الجامع وبعضاً من تفاصيله المعمارية، التي تدل على الطراز المعماري المتميز خلال تلك الفترة من عمر المدينة.

وكانت قَلْهات قد تعرضت من قبل إلى زلزال عنيف كان له أثره السلبي في عمارتها. لقد غيبت عوادي الزمن قلهات، فاندثرت تحت الركام إلى أن بدأت البعثات الأثرية في التنقيب في المكان. كانت بدايات الاهتمام بالمدينة قد تمثلت بجهود قسم الآثار في جامعة السلطان قابوس فقد قام سنة 1997م وتحت إشراف كل من معاوية إبراهيم وعلي الماحي، بمسح أثري للمدينة، كجزء من مشروع المسح الأثري للمنطقة الواقعة بين مسقط وصور.

توالى الاهتمام بالمكان حيث بدأت وزارة التراث والثقافة بمشروع آثاري موسع بالتعاون مع فريق فرنسي بإدارة اكسل روجيل (Axelle Rougeulle)، فقام الفريق بإجراء مسوحات أثرية بين عامي 2007-2010م.

وقد أثمرت الجهود السابقة في الوصول إلى نتائج مهمة جداً، والتي من خلالها يمكن كتابة جوانب مهمة من تاريخ المدينة المادي، حيث استطاعوا رسم المخطط العام للمدينة الأثرية وتقسيماتها الداخلية من حيث البوابات والحارات والشوارع إضافة للمساجد لا سيما الجامع الكبير، وبدأت فرق الترميم بإعادة تأهيل تلك المدينة، والتي يتوقع في نهاية أعمالها أن نرى قَلْهات حاضرة سياحية وأثرية تستقطب السياح فضلا عن الباحثين في التاريخ والآثار.

ـ مراجع المقال: رحلة ابن بطوطة؛ رحلات ماركو بولو؛ جمهرة اللغة لابن دريد؛ صفة بلاد اليمن لابن المجاور؛ باقر، قلهات في التاريخ.

Rougeulle A. 2010. The Qalhāt Project

■ قسم التاريخ

جامعة السلطان قابوس