أفكار وآراء

أمريكا .. والسير نحو الحرب التجارية !!

07 يوليو 2018
07 يوليو 2018

نيويورك تايمز - باول كروجمان -

هجوم الرئيس ترامب على شركاء أمريكا التجاريين يشبه بشكل ما هجومه على المهاجرين. في كلتا الحالتين تم تبرير الهجوم على أنه ردة فعل على «عمل الشر»، الذي لا يوجد إلا في مخيّلة الرئيس. بالطبع لا توجد موجة جريمة يرتكبها مهاجرون، كما لم تتم السيطرة على المدن الأمريكية بواسطة عصابة (مارا سالفا تروشا «ام.اس-13») الإرهابية الدولية، ولم يفرض الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية «مرعبة» على المنتجات الأمريكية (متوسط الرسوم ما زال في حدود 3 % فقط).

كما أن الأزمة التجارية مختلفة تماماً عن الأزمة الإنسانية على الحدود. الأطفال الذين يُنتزَعون من أولياء أمورهم لا يستطيعون الرد بالمثل. أما الحكومات الأجنبية الغاضبة، فبإمكانها الرد على الإجراءات الأمريكية.

للأسف كل المؤشرات تقول إن الرئيس ترامب ومستشاريه لا يدركون هذه الحقيقة. إنهم في حالة عدم معرفة تامة بما يتطورون إليه.

لو عُدنا للماضي القريب، ففي شهر مارس 2018، وبينما الولايات المتحدة تفرض رسوماً جمركية على واردات الحديد الصلب والألمونيوم -(نعم، فالدولة تبرر أفعالها بأنها إجراءات ضد كندا بذريعة حماية الأمن القومي)- قال كبير مستشاري البيت الأبيض (بيتر نافارو) في ردّ على سؤال حول ما يمكن أن تتخذه الحكومات الأجنبية من إجراءات مضادة، قال: «لا أعتقد أن أي دولة سترد بالمثل»، وبنى دعواه هذه على سلطة «اليد العليا» التي تمارسها أمريكا، مستطرداً ..«لأننا نستورد أكثر مما نصدر».

انظر ماذا حدث .. قبل عدة أيام فقط أعلنت كندا -وهي بالمناسبة دولة تستورد منّا بقدر ما تصدر لنا- أعلنت رسوماً مضادة ضد المنتجات الأمريكية البالغ قيمتها (12.6) مليار دولار! في نفس الوقت أعلن كل من الاتحاد الأوروبي والصين رسوماً مضادة. كما أن المكسيك، التي يقودها رئيس يساري، لا يُحتمل أن تكون متجاوبة مع تطلعات أمريكا. وحذّر الاتحاد الأوروبي من أنه قد يمضي إلى أبعد من ذلك إذا نفّذ الرئيس ترامب تهديده بفرض رسوم على المركبات (السيارات) الأوروبية، وهذه المرة من المحتمل أن يفرض الاتحاد الأوروبي رسوماً مضادة على صادرات الولايات المتحدة التي تصل قيمتها إلى ما يقارب (300) مليار دولار. من المهم أن يُفهم من هذه المواقف أننا لسنا أمام وضع طبيعي في مجال النزاعات التجارية.

قوانين التجارة العالمية، التي تأسست تحت قيادة أمريكا عام 1940 ونُفّذت بواسطة منظمة التجارة العالمية، تسمح فعليّاً ببعض المرونة. على سبيل المثال، الدول يسمح لها بفرض رسوم جمركية مؤقتة في مواجهة أي ارتفاعات كبيرة في الواردات، وهذا مثل ما حدث عام 2009 عندما فرضت إدارة الرئيس أوباما رسوماً على إطارات المركبات الواردة من الصين.

لكن الجديد هنا الحجم الكبير والدوافع وراء الرسوم التي تفرضها إدارة الرئيس ترامب. هذه الإجراءات التي تتخذها إدارة ترامب تصل لدرجة رفض قوانين اللعبة التي صنعناها. الاتحاد الأوروبي في تحذيره أشار بشكل غير مباشر إلى أن الإجراءات الأمريكية «تتجاهل القانون الدولي». من المؤكد أن موقع (أكسيوس) الإخباري قال إن إدارة الرئيس ترامب أعدّت مشروع قانون قد يؤدي فعلياً لمغادرتنا منظمة التجارة العالمية. الولايات المتحدة حالياً تتصرف بسلوكيات قد تُؤدي بسهولة لانهيار النظام التجاري بأكمله وتُفضي إلى هبوط حاد في معدّل التجارة الدولية.

مع ذلك يبدو أن ترامب يعتقد بأن العالم كله سينحني طاعة للقوة الاقتصادية الأمريكية ولقدرته على عقد الصفقات، حيث قال ذات مرة لقناة (فوكس نيوز): كل يوم تتصل دولة قائلة «لنعقد صفقة».

نعم، وأيضاً أعلن أن رئيس الشركة الأمريكية للحديد الصلب اتصل هاتفياً ليخبره أن الشركة ستفتتح ست منشآت جديدة. هذا الكلام غير صحيح، ويبدو أنه لم تكن هناك محادثة من هذا النوع.

وعليه، فإننا في طريقنا لحرب تجارية، ومن الصعب التكهّن بما ستؤول إليه. باختصار الحكومات الأجنبية لن تعطي ترامب ما يريد حرفياً، ذلك لأنه يطلب من هذه الدول الكف عن أشياء لا تقوم بها أصلاً.

كيف سيؤثر كل هذا على الاقتصاد الأمريكي؟ سيتضرر المصدّرون بالطبع، والتصدير يدعم (10) ملايين وظيفة. بعض الصناعات التي تتنافس مع الواردات قد تضيف وظائف إضافية، لكنها لن تكون نفس الوظائف في نفس الأماكن.

لا شك أن الحرب التجارية ستتسبب في تسريح واسع للقوى العاملة.

ومن اللافت للنظر بشكل خاص الآن هو أنه حتى الصناعات التي يدّعي ترامب مساعدتها تعترض هي نفسها على سياساته طالبة منه التراجع. شركة (جنرال موتورز) قالت إن الرسوم التلقائية «قد تؤدي لانخفاض الاستثمار وقلة الوظائف وتدنّي أجور العاملين». من جانب آخر، حثّ (اتحاد مصنّعي الماكينات والمعدات) الإدارة الأمريكية على التراجع معلناً أن الإجراءات الأحادية العقيمة ستؤدي في نهاية المطاف إلى «تآكل الوظائف والنمو» بينما لن تفعل أي شيء لحماية الأمن القومي الأمريكي.

ما هو الشيء الذي تفهمه هذه الصناعات ولا تفهمه مؤسسة (ترامب وشركته)؟ .. هناك حقيقتان: الأولى أن الاقتصادات الدولية ليست لعبة يربح فيها كل من توافرت لديه فوائض مكاسب تجارية. والحقيقة الثانية أن إرباك سلاسل الإمداد التجاري الدولية سيؤذي كل الأطراف.

لكن كما قلت آنفاً لا يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية تستوعب أيا من هذه الحقائق. أي إدارة أخرى ستفكّر في الإجراءات المضادة الأجنبية وفي احتجاجات الجهات الصناعية، وفي أنباء فقد الوظائف بسبب الرسوم الجمركية، وعليه ستفهم الإدارة المفترضة أنها سلكت الطريق الخطأ. أما الإدارة الأمريكية الحالية، فهيهات!

بسبب القيمة البديهية التي تحملها الإجراءات الأمريكية الجديدة، لا أعتقد أن أيا من المؤسسات الصناعية، ولا معظم المستثمرين يأخذون التهديد بحرب تجارية مأخذ الجد، فهذه الجهات تتصرّف وكأن العقلاء سيتدخّلون لوقف هذا الانزلاق، قبل فوات الأوان.

لكن يبدو أنه ليس هناك عقلاء في هذه الإدارة -على حد قول الصحيفة- التي في الأساس تصنع السياسة بالنوبات المزاجية. إن حرباً تجارية شاملة تؤذن بالوقوع. في الواقع لربما أنها بدأت سلفاً.