أفكار وآراء

واشنطن – موسكو... إلى أين تتجه العلاقات بينهما ؟!

06 يوليو 2018
06 يوليو 2018

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

ما الذي يجري بين موسكو وواشنطن في الأيام الأخيرة لا سيما بعد زيارات عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى روسيا ، وفي وقت مواكب كانت المفاجأة التي تمثلت في زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون إلى موسكو ولقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ؟

قبل الخوض في إبعاد التطورات الحديثة بين البلدين ربما يجدر بنا التذكير بأن انتكاسة كبيرة أصابت العلاقات الأمريكية الروسية منذ انتخابات الرئاسة الأخيرة ، حيث الجدل حول تدخل روسيا في تلك الانتخابات لصالح ترامب .

خلال استقباله لمستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون قال الرئيس الروسي بوتين :« يؤسفني أن العلاقات الروسية الأمريكية ليست في افضل حال» . وأضاف ..« لقد تحدثت عن ذلك علانية مرارا وأود أن أكرر ذلك في الاجتماع معكم . اعتقد ان ذلك الى حد كبير نتيجة للصراع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة ».

يبدو هنا من الواضح ان بوتين يرفض فكرة ادانة بلاده بالتدخل في الحملة الانتخابية الرئاسية ، ويعزي تدهور العلاقات بين البلدين إلى حالة الصراع والاحتراب السياسي الدائر بين الأمريكيين وبعضهم البعض ، ولا يلتفت إلى الأصوات الزاعقة في الداخل الأمريكي الرافضة لوجود بوتين نفسه على سلم الهرم الرئاسي الروسي .

توقع الجميع انه مع دخول ترامب البيت الابيض فان زمنا جديدا من الوئام سيحل بين موسكو وواشنطن سيما وان هذا كان توجه المرشح ترامب ،خلال حملته الانتخابية ، لكن على العكس من ذلك تماما ، سارت العلاقات في اتجاه آخر ، وهذه قصة طويلة ربما يكون احد اهم اسبابها وجود من لهم مصالح في إذكاء نيران الصراع مع موسكو لصالح جماعة المجمع الصناعي العسكري .

على ان علامة الاستفهام في العلاقة الامريكية الروسية تتصل بشكل رئيسي بالزيارة التي قام بها بولتون لموسكو وهل هو الرجل المثالي لمثل تلك المهمة ؟

تبدو المهمة التي ذهب بولتون من اجلها مهمة حمائم ، غير انه معروف بتصنيفه ضمن دائرة الصقور ، فالرجل محسوب على جماعة المحافظين الجدد ، وانصار التيار اليميني المغرق في عدائه لروسيا والساعي إلى صبغ القرن الحادي والعشرين بصبغة أمريكية مطلقة ، ما يعني ضرورة انزياح روسيا من المشهد الأممي من جهة ، وقطع الطريق على صعودها إلى آفاق القطبية العالمية مرة ثانية .

حين اخطأ واخفق الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عبر اتباعه سياسة « القيادة من خلف الكواليس »، استطاع نظيره بوتين ان يملأ الفجوات التي خلفتها تلك السياسات الأمريكية ، ما جعل الروس صانعي سياسات في العالم وليسوا مشاركين في تدبير أمور الكوكب الازرق وكفى .

هل ذهب بولتون الى موسكو حاملا نوعا من انواع الحلول الوسط للعديد من القضايا الدولية المتازمة في الوقت الحاضر بين موسكو وواشنطن ؟

من المعروف ان هناك تقاطعات ونزاعات امريكية روسية حول العديد من الملفات الساخنة حول العالم ، ولعل الشرق الاوسط بنوع خاص له نصيب الاسد منها ، ومن الواضح لاي مراقب وجود ما يشبه لعبة عض الاطراف ، فكل دولة تمسك بزمام الاخرى في منطقة جغرافية ما ، وتمارس تاثيراتهاعلى الاخرى.

على سبيل المثال اشكالية الملف السوري بنوع خاص ، ففيه نرى الجانب الروسي هو صاحب اليد العليا دون ادنى شك ، فعبر التواجد الروسي العسكري في سوريا عادت موسكو كمركز قوة في الشرق الاوسط وتوارت امريكا بنوع واضح جدا ، ومن هنا باتت روسيا صاحبة الكلمة العليا في ملف قوي وحساس .

لم تكتف روسيا بهذا بل انها حولت البحر الابيض المتوسط الى منطقة نفوذ لها عبر اعادة انتشار قطعها البحرية فيه ، وباتت مرحبا بها من قبل عدد من دول المنطقة ، ما يعني للأمريكيين عودة إلى زمن الحرب الباردة والتي كان فيها الشرق الاوسط يلعب دورا فاعلا بنوع خاص .

في المقابل نجد واشنطن تمارس ضغوطات واضحة على روسيا ، بعضها قريب جدا من حدودها ، كما الحال في اوكرانيا ، فالولايات المتحدة الامريكية وحتى الساعة ترفض الاعتراف بضم روسيا شبه جزيرة القرم اليها ، وتستغل هذه القضية للضغط على الجانب الروسي أدبيا وسياسيا ، إلى جانب الضغوطات والعقوبات الاقتصادية الامريكية و الاوروبية . لكن من الواضح جدا أن بوتين رتب أوراقه جيدا ، استعدادا لأي مفاوضات بين الطرفين في قادم الايام .

من بين الملفات التي تتشابك فيها الارادات الامريكية الروسية فيما خص الازمة السورية يأتي ملف الجولان ، المرتفعات السورية المحتلة من قبل اسرائيل منذ حرب الخامس من يونيو 1967 ، ومستقبلها ، خاصة وان إسرائيل تسعى لاعتراف أمريكي بضمها اليها ، فهل يمكن أن تكون هناك بشكل أو باخر صفقة ما بين موسكو وواشنطن ، بمعنى الجولان لإسرائيل مقابل القرم لروسيا ؟ .

احد اكبر الملفات المفتوحة للمقايضة بين الامريكيين والروس مؤخرا يأتي الملف الإيراني ، فبعد انسحاب امريكا – ترامب من الاتفاقية النووية تستطيع روسيا ان تؤدي خدمات جليلة للايرانيين علميا واقتصاديا ، ما يمكن ان يعد شكلا من اشكال الصراع مع الامريكيين ، وذلك حال تضييق الآخيرين الخناق الاقتصادي على الروس ، عطفا على ان موسكو يمكنها تزويد القوات المسلحة الايرانية باحدث ما لديها في ترسانتها الصاروخية مثل صواريخ ( اس 400) القادرة على اصطياد احدث الطائرات الامريكية ما يجعل طهران وبقية المدن الايرانية عصية على التعرض لهجمات من قبل اسرائيل او الولايات المتحدة .

ملف آخر يكاد ينفجر بين موسكو وواشنطن ، وهو ملف القطب الشمالي ، فمن المعروف أن هناك صراعا قويا يشتد في الأوقات الراهنة بين الجانبين بسبب محاولة كل طرف بسط نفوذه على مساحات اكبر بالقوة العسكرية ، والطرفان يسعيان الى الاستفادة القصوى من الثروات المعدنية الموجودة في باطن القطب الشمالي ، خاصة الغاز والنفط .

في هذا الاطار وقبل زيارة بولتون الى موسكو كان وزير الدفاع الامريكي جيمس ماتيس يصرح بأنه يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية نقل اللعبة في القطب الشمالي الى مستوى جديد وعلى وجه الخصوص زيادة خفر السواحل ، مشير الى أنه توجد حراسة مائية في المنطقة يمكن ان تكون جزءا من هذه التغيرات ، وقبل تصريحات ماتيس كان خبراء عسكريون امريكيون يؤكدون على ان الولايات المتحدة الامريكية تدرس طرقا لاحتواء روسيا في القطب الشمالي .

لم يكن بولتون وحده الذي مضى في طريق موسكو مؤخرا بل ذهب قبله عدد من اعضاء مجلس الشيوخ الامريكي ضمن زيارات برلمانية متبادلة ، لكن هذه الزيارة تحديدا جاءت في توقيت مهم وفاعل يسبق اللقاء الذي طال انتظاره بين ترامب وبوتين والذي سيعقد في العاصمة الفنلندية هلسنكي في الايام القادمة .. لكن السؤال الذي شغل الروس لأي سبب حضر هؤلاء الآن ؟

يذهب غالبية المحللين السياسيين الروس الى القول إنه اذا كان الامريكيون قادمين اولا لفهم روسيا وعلاقاتنا بصورة أعمق وافضل ، وثانيا على نحو ما لاستئناف الحوار البرلماني ، حينها سوف يتحقق كل شيء .

أما إذا جاءوا إلينا لتعليمنا ، والقول لنا ان روسيا غير محقة وكيف يعتزم الكونجرس الأمريكي التعامل معها ، فان الزيارة ستصبح بلا معنى ، ولن يجدي الحوار من حيث المبدأ.

ولعله من المؤكد ان الحاجة الى لقاء بوتين – ترامب مردها الرئيسي هو تقليل احتمالات المواجهات العسكرية بين الدولتين ، فقد اظهر الروس في الاشهر الاخيرة ترسانة غير عادية من الاسلحة الحديثة ، الفرط صوتية ، والعابرة للقارات من الصواريخ المتطورة ، وفي المقابل بدا الامريكيون اعادة تشغيل برنامج حرب النجوم او حرب الكواكب الذي كان الرئيس الامريكي الراحل رونالد ريجان قد أسسه عام 1983 .

قد يكون لقاء بوتين مع ترامب طريقا لتهدئة المخاوف الامريكية باكثر منها حاجة روسية فقد خلص خبراء البنتاجون مؤخرا الى ان الجيش الامريكي لن يتمكن من وقف زحف الجيش الروسي اذا قرر غزو بولندا ... لكن لماذا بولندا ولماذا مثل هذه التوقعات من الامريكيين ؟

الاجابة واضحة لان الجانب الامريكي لا يزال ماضيا قدما في مشروع نشر الدرع الصاروخية على القرب من الحدود الروسية ، وهو الامر الذي لم ولن تقبله موسكو في الحال او الاستقبال .

منذ بضعة ايام نشرت صحيفة الواشنطن بوست الامريكية تقريرا عن المواجهات العسكرية التي يمكن ان تحدث بين الروس وبين قوات الناتو في اوروبا بالقول :« سيكون لدى روسيا الوقت الكافي للاستيلاء على دول البلطيق خلال قيام الجيش بملء 17 استمارة ضرورية لنقل قوات الناتو من المانيا الى بولندا ، ومن بين المشاكل الاخرى التي ستواجه القوات الامريكية الطرق الضيقة وتدهور وضع مرافق البنية التحتية للنقل في منطقة العمليات والجسور غير القادرة على حمل ثقل الدبابات الامريكية ، وسيصطدم الجيش حتما بالبيروقراطية الاوروبية وقد يصل الامر الى التحقق من جوازات سفر العسكريين الامريكيين ».

الخلاصة ...هل استطاع الصقر بولتون لعب دور الحمائم مع بوتين لتخفيف التوتر بين الجانبين وللاعداد للقمة الامريكية – الروسية في هلسنكي ؟