1378827
1378827
إشراقات

صالح القنوبي: قلة الوازع الديني من أهم الأسباب المؤدية إلى سرعة إنهاء الحياة الزوجية

05 يوليو 2018
05 يوليو 2018

دعا المقبلين على الزواج لدورات في أحكام الزواج والطلاق.. (2) -

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني -

أكد الدكتور. صالح بن سعيد القنوبي على أن من أبرز أسباب الطلاق قلة الوازع الديني لدى البعض، فتجده لأتفه الأسباب يطلق امرأته أو يعتدي عليها أو يهجرها، وكذلك إن لم يوجد في الجانب الآخر ولم تكن المرأة ذات خلق ودين لا تعرف حقوق الزوج ولم تقدره قدره ولم تعرف له مكانته ولم تقم بخدمته الشرعية فستكون العشرة بينهما صعبة.. مشيرا إلى أن اهم الصفات التي يجب أن ينظر إليها أولياء الأمور في تزويج بناتهم الخلق والدين فهما مدعاة لحياة زوجية سعيدة. وهناك أسباب كثيرة تؤدي إلى الانفصال وإنهاء الحياة الزوجية تطرق إليها الشيخ في محاضرته نقرأها في هذا الجزء من هذه المحاضرة.

بدأ القنوبي محاضرته قائلا: تحدثنا في الحلقة الماضية عن معنى الطلاق وكيف كان في زمن الجاهلية وكيف نظم الإسلام موضوع الطلاق ورفع الآصار عن المرأة التي كانت تمتهن وأعطاها حقها وأعاد إليها كرامتها، ثم عرجنا إلى أنواع الطلاق لكي لا يقدم عليه الإنسان إلا وهو على بينة من أمره، وفي هذه الحلقة نواصل الحديث عن هذه الظاهرة، ولا شك أننا لا نستطيع أن نحوي هذا الموضوع ونعطيه حقه كاملا لأنه موضوع كبير جدا سواء كان موضوع الزواج أم الطلاق، ولكن هذه وقفات سريعة عند بعض الأمور المهمة جدا والتي هي بمثابة المفتاح الذي ينطلق من خلاله الإنسان لمعرفة الأحكام الشرعية في هذا الجانب، واليوم سوف نتحدث عن الأسباب، فما هي أسباب الطلاق؟ ثم نختم بذكر العلاج الرباني الذي ذكره الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم، والذي لو أخذ به الناس لقلت نسب الطلاق أو ربما انعدمت.

وأشار الى ان أسباب الطلاق لا يمكن ان تحصر في سبب أو سببين أو ثلاثة أو أربعة، فهناك أسباب كثيرة وتتفاوت هذه النسب بين سبب وسبب، فهناك أسباب قوية جدا في بعض المجتمعات وبعضها قليل على حسب أوضاع وثقافات الناس ومجتمعاتهم وأعرافهم، ويمكن أن نرجع جملة هذه الأسباب إلى أسباب تتعلق أحيانا بعدم التكافؤ بين الزوجين، أو تتعلق بأسباب مادية كأن يكون الزوج غير قادر على الإنفاق على الزوجة، وعلى الأولاد مما يؤدي به الحال بعد ذلك الى الطلاق ويرى أن ذلك هو الحل، وكذلك من الأسباب التي تتعلق بالطلاق السلوك الشخصي والاختلاف بين طباع الناس وسلوكهم، فهناك أصحاب السلوك الطيب والأخلاق العالية وآخرون من ذوي السلوك السيئ، كذلك اختلاف الطباع بين البشر فمنهم من ذوي الطبع الحاد والذي بسبب أتفه الأسباب في ثورة غضب يؤدي به إلى تطليق زوجته وتفرق أبنائه فيهدم اسرة كاملة بسبب ذلك.

وأضاف قائلا: أيها الاخوة يجب ان نعلم أولا ان الحياة الزوجية انما بنيت على المودة والرحمة كما ذكر الله -سبحانه وتعالى- في آيات الزواج، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون) فالمودة والرحمة هما الأساس الذي بني عليه الزواج، وينشأ عن ذلك الحب بين الزوجين والألفة والاندماج والتلاحم والتكامل، ولا شك ان شياطين الانس والجن يحاولون ان يوقعوا العداوة والبغضاء، كما ذكر الحق سبحانه وتعالى في ذلك: (فيتعلّمون منهما ما يفرّقون به بين المرء وزوجه) فالشياطين تفعل أفعالها من جانب وكذلك بعض أصدقاء السوء فهم أيضا شياطين، وأما شياطين الجن فقد جاء ذكرهم في الحديث النبوي الشريف أن إبليس يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا ، فيقول: ما صنعت شيئا، قال ثمّ يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتّى فرّقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت.

وقال في محاضرته: اذا أتينا الى بعض أسباب الطلاق وهي كثيرة لكن نعرج على بعض منها، وأبدأ بأهم سبب وهو قلة الوازع الديني، لأنه اذا فقد الوازع الديني من قلب الانسان فلا تسأل عنه كيف يعامل زوجته، وكيف يعامل أولاده، فاذا وجد تقوى الله وانغرس الايمان في قلب الانسان فانه سيتقي الله، والرجل الخير الصالح لا يظلم المرأة ولا يهينها ان احبها اكرمها وان لم يحبها لم يهنها، فهذا هو الكريم.. اتباعا لقوله سبحانه وتعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)، ولذلك فقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة المقبلين على الزواج قائلا: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، فلو وجد الجمال مع المرأة ووجد المال ووجد الحسب والنسب ولم يوجد الدين، فلا خير فيها، ومما يؤسف له في وقتنا الحالي هو عندما يتقدم الخطاب لأولياء الأمور لخطبة بناتهم يسألون عن تفاصيل كثيرة إلا الدين فلربما لم يسأل عنه، فإذن الوازع الديني هو عامل مهم جدا، فان لم يوجد هذا الوازع في الشاب فسيكون لأتفه الأسباب يظلم المرأة او يعتدي عليها او يهجرها، وكذلك في الجانب الاخر ان لم تكن المرأة ذات خلق ودين ولم تعرف حقوق الزوج ولم تقدره قدره ولم تعرف له مكانته ولم تقم بخدمته الشرعية فستكون العشرة بينهما صعبة.

وبيّن المحاضر ان هناك سببا آخر جدا مهم وهو تراكم الديون على الشاب المقبل على الزواج وبالتالي يعجز عن النفقة بسبب غلاء المهور التي تصل إلى آلاف مؤلفة والاشتراطات الأخرى كقاعة الافراح الباهظة الثمن واشتراط الرحلات وغيرها من هذه الأمور من اجل المباهاة فيبقى الزوج في معاناة مالية وهناك من القصص الكثيرة التي حدثت في هذا الجانب، ولربما اضطره ان يستدين من البنوك ليوفي ما انفقه في ذلك ويظل حبيس تلك البنوك لسنوات عجاف، فحري بالشباب للاعتبار بهذه القصص وعلى أولياء الأمور ألا يبالغوا في المهور، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أقلهن مهرا اكثرهن بركة) فحري بولي الامر ان يفرح عندما يأتيه الخاطب ليعف ابنته من الوقوع في الفتن في هذا الزمن من حيث نعلم ومن حيث لا نعلم، فلماذا يملي على الخاطب الاشتراطات التعجيزية حتى يثقل كاهله، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لأحد الصحابة: التمس ولو خاتما من حديد. وقد زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- احد الصحابة كذلك بما عنده من القرآن، حيث قال: زوجتك إياها بما عندك من القرآن، أي على ان يعلمها بعض ما يحفظه من القرآن الكريم. ولو نظرنا الى واقع شبابنا المعاصر لنراهم يرزحون أمام وطأة الديون، وهناك إحصائية توضح المبالغ الخيالية التي اقبل عليها الشباب للاقتراض من البنوك ليوفوا تلك الالتزامات ولربما اصبح معدما يتكفف الناس، وكما اسلفت سابقا ان ذلك مرجعه الى الوازع الديني، فلو وجد الوازع الديني والانسان يتقي الله، لجعل الله من امره يسرا، وجعل له مخرجا من كل هذه الأمور، لذلك فنحن نؤكد ونعيد بأنه على المقبلين على الزواج ان يتعلموا احكام الزواج وأحكام الطلاق من خلال الدخول في دورة في هذا الجانب او ان يقرأوا الاحكام الشرعية في الحياة الزوجية، فالأمور اصبحت ميسرة من خلال الفتاوى ومن خلال الكتيبات ومواقع اليوتيوب وان يعرفوا طبيعة المرأة التي تختلف عن طبيعة الرجل وهن كذلك يجب عليهن ان تعرفن هذا الشيء، فالمقبل على الزواج عليه ان يعلم طبيعة المرأة وماذا تحب وماذا تكره فهذا فن يجب ان يعلم وان يدرس. فعلى كل طرف ان يراعي الطرف الآخر فالزوجة عليها ان تخفف عن الزوج، فما تعلم ما الذي يواجهه خارج البيت من ضغوطات ومن أمور الحياة، ومن مصاريف ومن ديون، فلا تغضبه وانما عليها ان تهدئ من روعه وان تسلي عنه، واذا كان شيء من الحوار فليكن حوارا هادئا وبتفهم، وكذلك العكس، فالمرأة تتعرض لكثير من الضغوطات في حياتها وخاصة انها يعترض حياتها بعض الأحوال النفسية بسبب الدورة الشهرية والنفاس والحمل وغير ذلك، فيجب على الزوج ان يراعي كل ذلك عند المرأة ويتفهم طبيعتها.

وأشار الى ان من تلك الأسباب ايضا المفضية الى الطلاق الكره وعدم الرغبة في الارتباط، فيتولد الكره عادة من ابتعاد الرجل عن زوجته فترات طويلة لربما لكثرة الأسفار ومع ذلك فهو لا يشعرها بالحب والوئام عندما يأتي ويفهمها ان ذلك بسبب طبيعة عمله، بل يكون كذلك حتى عندما يكون داخل الوطن فيأتي بمقارنات بين زوجته وبين نساء أخريات ربما ليس لها من مبرر حقيقي غير نفسه الحقيرة الدنيئة التي جعلته يحتقر هذه الزوجة الكريمة المعززة في بيتها الصائنة لعرضه والحافظة والمربية لابنائه، فينتهي به الامر لتطليق تلك الزوجة دون ذنب، وكذلك من الأسباب الفارق الكبير أحيانا في العمر، حيث يتزوج الطاعن في السن من تصغره عمرا بكثير وهو غير قادر على تلبية احتياجاتها العاطفية، وكذلك الفارق في الثقافة او في المستوى المادي بين الزوجين خاصة من قبل الزوجة العاملة التي تحصل على راتب وبالتالي تصر على ان يلبي لها الزوج كل احتياجاتها، حتى الكماليات منها، وهو في ظروف مادية لا تسمح له بتلبية تلك الرغبات، كذلك من الأسباب المؤدية الى الطلاق الظروف الصحية المتدهورة لأحد الزوجين، فلو كانت الزوجة مريضة على سبيل المثال فيتذمر بعض الأزواج من ذلك، وينسى ان الحياة الزوجية بنيت على المودة والرحمة، فكم له من الأجر لو قام بعلاج زوجته وعلى سلامتها وعلى صحتها، خاصة ان كانت لا تمانع من ان يتزوج زوجها بأخرى اذا كان مرضها يعيق مطالب الحياة الزوجية، فلماذا يطلقها، فكم للزوج من الاجر لو قام بواجبه تجاهها وذكر المعروف الذي قامت به نحوه عندما كانت بكامل صحتها، وكذلك العكس لو كان الرجل مريضا فليس للزوجة ان تتخلى عنه، وعدم مراعاة ذلك بين الزوجين هو سبب آخر من الأسباب المؤدية الى الطلاق.

وقال: ومن أهم الأسباب أيضا التي تؤدي الى الطلاق تحريض الأهل، سواء كان ذلك من قبل الأم او الأب او الإخوة او الأخوات الذين يمارسون ضغوطا على الزوج بان يطلق هذه المرأة خاصة اذا كانت لا تعاب في دين ولا في خلق، فلماذا يتسلط الأهل ويجبرون الزوج على تطليق هذه الزوجة المسكينة، فهنا لابد ان تكون للرجل شخصيته فلا يستجيب للضغوطات التي تمارس ضده دون داع، لأنه من تزوج تلك المرأة وليس الأهل، وعند زواجه منها هو الذي أُخذت عليه العهود والمواثيق وليس الأهل، ان يرفع عنها الإساءة وان يكرمها وان يعاشرها بالمعروف، فلا يجوز بسبب خلاف عائلي في البيت تكون الزوجة هي الضحية، مشيرا الى ان هناك الكثير من الأسباب المضحكة أحيانا والتافهة في بعض الأحيان عندما تخطئ الزوجة خطأ معفوا عنه يحدث بسببه الطلاق.. فأين ذلك من أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يخدم اهله وكان يحلب شاته ويرقع ثوبه ويخصف نعله. وكذلك من الأسباب الأخرى لحدوث الطلاق انشغال الزوج بالأعمال وعدم اهتمامه بأسرته، فتكون الأعباء على الزوجة الصابرة على تلك الأحوال دون مراعاة لها. وبين الأسباب أيضا السلوك غير المستقيم لكلا الطرفين، فأحيانا تقع الخيانات نتيجة السهرات التي غالبا ما تأتي بالخيانات الزوجية ومعاقرة المسكرات ومن الأسباب أيضا الداعية الى الطلاق التقصير في أمور المنزل وتربية الأبناء، فبعض الأزواج لا ينفق على البيت ويترك ذلك على والده أو على المحسنين، ومن الأسباب الأخرى كذلك عدم الانجاب، او انجاب البنات فيؤدي ذلك عند البعض الى ان يطلق زوجته، دون إدراك ان ذلك ليس بيد المرأة، فالحق -سبحانه وتعالى- يقول: (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ). فلا ينبغي للزوج ان يظلم المرأة ولربما يكون العيب في بعض الأحيان في الرجل، فعليه ان يفحص ويعالج ويأخذ بالأسباب فاليوم الطب قد تقدم والعلم تقدم كذلك وهناك وسائل تعين على الانجاب فيمكن للزوج ان يساعد زوجته لا ان يطلقها، وهناك أيضا البديل فإذا كان الانسان مقتدرا عليه ان يتزوج زوجة وأخرى دون ان يطلق زوجته، من أجل أبنائه ومراعاة لهم، مؤكدا ان إقدام البعض على الطلاق بسبب إنجاب الاناث هو صنيع أهل الجاهلية فهو لم يرض بما قسمه الله له، كذلك من الأسباب المفضية الى الطلاق ارتباط المرأة بالوظيفة فهناك من الأزواج ممن لم يرض ان تعمل زوجته كموظفة فيخيرها بين أمرين: إما هي وإما وظيفتها، ولم يجعل لها خيارا آخر، دون النظر والتفهم في طبيعة هذا العمل، ولو كان ذلك العمل لا يتعارض مع طبيعة المرأة وفيه خير للأمة.

واختتم القنوبي محاضرته بذكر سبب مهم يفضي الى الطلاق وهو إدمان كثير من الأزواج المسكرات واصفا إياه بانه الطامة الكبرى والذي يقع فيه فإنه يقع في مزلق خطير فهو بذلك لا شك انه يدمر حياته ويدمر أسرته وزوجته وأولاده، فمن دأبه السهر طوال الليل على الشيشة وتعاطي انواع المخدرات كالهيروين والحقن وغيرها فيرجع الى منزله وهو مهلوس فكيف سيدير هذا المهلوس اسرته ويربي ابناءه وهو لا يستطيع ان يدير امره، مؤكدا ان هناك قصة وقعت وهي ان رجلا جيء به إلى المحكمة وكان سببا في وفاة زوجته وهو اشد الندم بعد ذلك ولكن بعد فوات الأوان، فكان يأتي الى بيته وهو بحالة سكر فيؤذي امرأته، وفي ذات ليلة قام بضرب زوجته ضربا مبرحا ويشدها من شعرها امام الأبناء ويجرها في البيت وهي صابرة متحملة هو يلطم بها في الجدران من مكان الى مكان وألقاها على الباب جثة هامدة، مفارقة الحياة والابناء كذلك أصيبوا بالذعر وأصيبوا بحالة نفسية صعبة جراء ذلك المشهد الذي رأوه من ابيهم، وهناك قصص مأساوية شبيهة، بسبب تعاطي تلك المخدرات التي لا ترحم.. فإذن هذه جملة من أسباب الطلاق التي تحدث في المجتمعات وأنا لا ابالغ ان قلت ان ظاهرة الطلاق في المجتمع مرتفعة ليس في بلادنا فحسب بل في معظم بلاد العالم خاصة البلاد العربية والإسلامية حتى وصفت بعض الإحصائيات ان هناك حالة طلاق في كل ثلاث ساعات في بعض الدول العربية، ومن هنا تقع المفاسد، نسأل الله تعالى المعافاة ولشبابنا التفقه في دين الله -عز وجل- فالإنسان عندما يتفقه في دين الله يقف عند حدود الله -سبحانه وتعالى- فلا يفعل الا ما امره القرآن وينتهي عما نهاه عنه.