1380829
1380829
إشراقات

خطبة الجمعة تحث على الإيثار وتحذر من الشح والأنانية وتدعو إلى مد يد الخير إلى الغير

05 يوليو 2018
05 يوليو 2018

أحب الناس إلى الله أنفعهم وفاعل الخير وصانع المعروف لا يخزيهما الله أبدا -

العمل التطوعي جزء لا يتجزأ من عقيدة المسلم وتعـليم الناس الخير من أجل العبادات التي يتعدى نفعها إلى الآخرين -

تدعو خطبة الجمعة لهذا اليوم إلى أهم الصفات الإنسانية التي دعا إليها الإسلام الحنيف ألا وهي صفة الإيثار، مؤكدة أن ذلك يدعو إلى المودة والوئام، والترابط والانسجام، وهي من صفات المؤمنين، وخصـلة من خصال المتـقين، وسبيل الفوز والفلاح، وتحذر من الشح والأنانية، وعدم مد يد الخير إلى الغير، حيث إن أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، وأن فاعل الخير وصانع المعروف لا يخزيهما الله أبدا، وهما بعملهما ذلك يدركان درجة الصائم القائم.

وتؤكد أن من أجلّ العبادات التي يتعدى نفعها إلى الآخرين تعـليم الناس الخير، فالله وملائكته وأهـل السماوات والأرض يصلون على معلم الناس الخير، كما تدعو إلى العمل مع الفرق التطوعية لأن فيه سعي لتقديم الخير إلى الغير، وهو جزء لا يتجزأ من عقيدة المسلم.. وهنا نص الخطبة كاملا التي جاءت تحت عنوان (خير الخــلق أنــفعهم لــلخلق):

الحمد لله يحب المحسن من عباده، ويضاعف له أجره وثوابه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، كان أنفع الخلق للخلق، فاقتدى به أهـل الخير والصدق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم إحـقاق الحق.

أما بعد، فاتقوا الله - يا عباد الله - فـ(لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد)، واعلموا - أيها الناس - أن نعم الله عليـنا لا تحصى، وآلاءه لا تعد ولا تسـتقصى، فاذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصـبحـتم بنعـمته إخوانا، فـ((لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، إنها ألفة انبثقت منها أخوة شاملة فكانت المودة والوئام، والترابط والانسجام، وكانت الدعوة إلى الإيثار، وهذا ما كان عليه مجـتمع الذين وصفهم الله بقوله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، نعم، فالشح نابع من الأنانية، بل هو صفة تنافي دعوة الإسلام إلى مد يد الخير إلى الغير، ذلك أن فعـل الخير وكف الشر صفة من صفات المؤمنين، وخصـلة من خصال المتـقين، بل هو سبيل الفوز والفلاح، يقول رب العالمين، وهو أصدق القائلين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، ففعـل الخير للغير قربة يتقرب بها إلى الرب المعبود؛ شريطة أن يكون هذا العمل خالصا لوجه الله الكريم، (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، ، إن مد يد العون للعالمين سجية من سجايا النبيين، (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)، فهذا موسى - عليه السلام - لما (وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)..

معاشر المسلمين:

خير الناس أنفعهم للناس، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله له في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. إن أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمـشي مع أخي المسلم في حاجة له أحب إلي من أن أعـتكف في المسجد شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظا، ولو شاء الله أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، كل يوم تطـلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، تعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمـشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة. هكذا ورد عن النبي المختار صلى الله عليه وسلم وهكذا على المسلم أن يتخلق بها، ليكون من الذين قال الله فيهم: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ).

إخوة الإيمان:

يقول الله عز وجل: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فالله تعالى عنده خزائن الخير، يثيب على الخير القليل الأجر العظيم، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر، وفي الأثر أن ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء))، لذلك ففاعل الخير وصانع المعروف لا يخزيهما الله أبدا، فرسول الهدى صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه جبريل عليه السلام في غار حراء رجع إلى أهـله فزعا، فقالت له خديجة - رضي الله عنها -: ((والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضـيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر))؛ بل إن فاعل الخير ليدرك بعمله درجة الصائم القائم، فعن أنس قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السـفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، فنزلنا منزلا في يوم حار، فسقط الصائمون، وقام المفطرون فضربوا الأبـنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذهب المفطرون اليوم بالأجر)). إن مد يد العون وتقديم الخير للغير يتأكد في زماننا هذا أكثر من أي زمن مضى؛ حيث مصالح الخلق متشابكة، وقضاء حوائجهم موقوف على جهات من شأنها القيام على خدمة الناس، فما أجمل أن يتذكر أولئك العاملون في جهات خدمية يرتادها الناس أن خدمة العباد في تخليص معاملاتهم، وتيسير أمورهم، وتسهيل إجراءاتهم من أجل الطاعات وأعظم القربات التي ينال بها العبد أعـلى الدرجات؛ كيف لا؟! وخير الخلق أنفعهم للخلق.

فاتقوا الله - عباد الله-، وكونوا بالحق إخوانا، وعلى الخير أعوانا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.


الحمد لله وكفـى، ونشهد أن لا إله إلا الله نعم المولى، ونشهد أن سيدنا محمدا النبي المصطفـى، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحـبه أهـل الصـدق والوفـاء.

أما بعد، فيا عباد الله:

إن العمل مع الفرق التطوعية ومن يسعى لتقديم الخير إلى الغير، جزء لا يتجزأ من عقيدة المسلم، كيف لا؟! والخلق عيال الله، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من اسـتطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل))، فطوبى لعبد آتاه الله مالا فكفل به يتيما، أو زوج به شابا أعـزب، أو قضى به دين غريم، أو أعان محـتاجا، أو بنى به مدرسة أو مركزا علمـيا أو مكتبة عامرة. طوبى لمن آتاه الله مالا فأنشأ به مشروعا ضخما، ضم فيه عددا من أبـناء المجـتمع الباحثين عن عمل، فسترهم وأعفهم عن السؤال، أو أنشأ معهدا تدريبيا يدرس فيه أبـناء المجـتمع فنون العلم الحديث، فيا أصحاب الأموال هذا هو حظكم من المال، «يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبـليت، أو تصدقت فأمضيت»، وما سوى ذلك فذاهب عنه وتاركه للناس. ويا من آتاه الله علما في أمر من أمور الدين أو الدنيا، هل تعـلم أن من أجل العبادات التي يتعدى نفعها إلى الآخرين تعـليم الناس الخير؟! فالله وملائكته وأهـل السماوات والأرض يصلون على معلم الناس الخير .

فاتقوا الله - عباد الله -، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).