صحافة

فلسطين: مضامين سياسية خبيثة بعناوين إنسانية نبيلة

04 يوليو 2018
04 يوليو 2018

في زاوية آراء كتب الدكتور مصطفى اللداوي مقالا بعنوان: ​​​​مضامين سياسية خبيثة بعناوين إنسانية نبيلة، جاء فيه:

تنشط الدبلوماسية الدولية: الأمريكية والأوروبية واليابانية، وتلك التابعة لمؤسسات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومعهم ممثلو مؤسسات المجتمع المدني والهيئات الدولية في البحث عن حلول إنسانية، ومشاريع اقتصادية، وأفكار إبداعية لإغاثة وتشغيل فلسطينيي قطاع غزة خاصة، وتنشيط مشاريعهم الحياتية، وتحريك عجلة اقتصادهم الصغير المعطلة، وإيجاد فرص عمل لهم، وخلق آفاق جديدة أمامهم، فضلا عن إعادة إعمار القطاع الذي خربته الحروب الإسرائيلية الثلاثة في السنوات العشر الأخيرة عليه التي دمرت أغلبه، وقضت على البنية الأساسية له، وتسببت في قتل وإصابة الآلاف من أبنائه الذين يعيشون في حصار شديد مضى عليه أكثر من أحد عشر عاما، وما زال. تنظر الإدارة الأمريكية، ومعها شركاؤها الأوروبيون، وإلى جانبهم قطاع كبير من المسؤولين الإسرائيليين من المستويات القيادية العليا في الجيش والمخابرات والحكومة إلى الأوضاع العامة في قطاع غزة بعين الخطورة والقلق، ويرون أن استمرار حصار قطاع غزة ومعاناة أهله، والتضييق عليهم، ومنعهم من العمل والسفر والعلاج وحرية التنقل والحركة سيؤدي إلى تفجير أزماته كلها في وجه الاحتلال، وما المسيرة الوطنية الكبرى التي انطلق بها سكان قطاع غزة إلا أحد أشكال الانفجار السكاني المضغوط باتجاه الاحتلال الذي يعدونه المسؤول الأول والرئيس عن كل ما يقع عليهم ويحدث لهم.

وفي ظل الأزمة الإنسانية التي يعاني منها سكان قطاع غزة يريد الإسرائيليون بالتعاون مع الإدارة الأمريكية الأكثر ولاء والأشد إخلاصا لهم التأسيس لمستقبل آمن للكيان الصهيوني في أرض فلسطين التاريخية التي يطلقون عليها أرض (يهودا والسامرة)، فهي بزعمهم أرض ممالك بني إسرائيل البائدة، وأرض أنبيائهم وملوكهم القدامى، تكون فيها دولة (إسرائيل) يهودية الديانة، إسرائيلية الهوية، عضوا طبيعيا في الإقليم، لها حقوقها وعليها واجباتها، تلتزم تجاههم بالأمن ويلتزمون تجاهها بالأمن والاستقرار، والتعهد بعدم تهديد وجودها أو زعزعة استقرارها.

وفي المقابل تسعى الإدارة الأمريكية بالتعاون مع المجتمع الدولي، وموافقة دول الجوار كرها أو طوعا إلى خلق كيان جديد للفلسطينيين، تكون غزة عاصمته، وأرض القطاع لُبه وقلبه، وجزء من صحراء سيناء امتداده وأطرافه، وفيه يقيم الفلسطينيون، وإليه يعود اللاجئون، وفيه يحققون حلمهم بدولة ووطن، وعاصمة وعلم، ولكن دون جيش أو سلاح، بسيادة منقوصة وحامية ضعيفة. حتى ينجح هذا المشروع التصفوي التآمري ويكتب له البقاء، ويكثر المؤمنون به والمؤيدون له، والمتأملون فيه والواثقون به، وهو الذي به تُصفى القضية الفلسطينية وتنتهي، وتطوي صفحاتها ويتبدد أملها، وبه يصبح الكيان دولة ضمن الإقليم، وجارا في المنطقة، وشريكا في المستقبل، وطرفا في الأحلاف والاتفاقيات؛ فكان لابد من السعي إلى خلق آفاق مستقبلية آمنة وواعدة للشعب الفلسطيني تتمثل في مشاريع اقتصادية كبيرة، وإنشاءات عمرانية ضخمة، ومخططات مستقبلية كثيرة تشمل مناحي الحياة جميعا، يعِدُون فيها الفلسطينيين بالرفاهية والرخاء، والنعمة والحرية والصحة والسلامة، ينسون خلالها معاناتهم السابقة وآلامهم المزمنة، ويتجاوزون بها إلى المستقبل الممدود والأفق والواسع والعالم المفتوح.

ولتأكيد هذه النيات تكثر الشائعات والأخبار المقصودة والعفوية المبنية على معلومات أو بموجب اجتهادات، عن مولدات للكهرباء ضخمة، تعمل بعضها بالطاقة الشمسية وأخرى بالغاز، تكفي لسد احتياجات قطاع غزة، وعن محطات تحلية لمياه البحر، وعن تسهيلات في السفر عبر معابر القطاع المختلفة، وعن فتح دائم لمعبر رفح الحدودي مع مصر، وعن تشغيل ميناء غزة وربطه بجزيرة صناعية على بعد عدة أميال من شواطئ قطاع غزة تمكن القطاع من تبادل السلع على اختلافها ضمن شروط وتعهدات أمنية دولية صارمة مع العالم الخارجي.

فضلا عن شائعات كثيرة عن فتح المجال للأيدي العاملة الفلسطينية للعودة إلى سوق العمل الإسرائيلية بأعداد كبيرة وحقوق مضمونة، وغيرها من مشاريع بناء معامل ومصانع ومراكز إنتاج تكون قادرة على تحريك الاقتصاد المحلي، وتشغيل أعداد كبيرة من سكان قطاع غزة، وغيرها من المشاريع التي تشبه الأحلام وتسيل اللعاب، وتعد بمستقبل رغيد لا فقر فيه ولا فاقة، ولا حصار فيه ولا حاجة.

لكن عيون المخططين والرعاة، والمبعوثين والموفدين- وفي المقدمة منهم الفريق الأمريكي الذي يرأسه صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنير ومعه جيسون غرينبلات وديفيد فريدمان- على الكيان الإسرائيلي ومصالحه، إذ يتطلعون إلى مستقبله واستقراره، ويرون أن الفرصة سانحة لتشريع كيانه، وتكريس وجوده في منطقة الشرق الأوسط، فالتاريخ لا يجود دائما بمثل هذه الظروف العربية والفلسطينية السيئة التي تخدم مشروعهم، وتساعد على تنفيذ مخططاتهم، وتحويل أحلامهم القديمة التي كانت مستحيلة إلى واقع ملموس ومقبول، وهذه المرة برعاية دولية من أعظم دولة في العالم، وبمباركة عربية من أكبر الدول وأهمها سياسيا ودينيا وأغناها ماليا. إذا هي ليست إنسانية منهم، ولا هي نخوة ونبل وشهامة فيهم، ولا هي أخلاق وشيم ومبادئ، ولا هي إحساس بمظلومية الفلسطينيين ومعاناتهم، أو ندم على ما بدر منهم تجاههم، وما جرى من حرمان لهم نتيجة حصارهم وسياستهم البغيضة ضدهم.