أفكار وآراء

إفريقيا .. من الصراعات إلى السلام!!

04 يوليو 2018
04 يوليو 2018

عوض بن سعيد باقوير/ صحفي ومحلل سياسي -

القارة السمراء التي تعد ذات إمكانات طبيعية وبشرية هائلة ومواقع بحرية وثاني قارات العالم مساحة إذ تقدر مساحتها بنحو 30 مليون كيلومتر مربع وهي تأتي بعد قارة آسيا ذات المساحة الأكبر عالميا، والتي تصل إلى نحو 44 مليون كيلومتر مربع، علاوة على إطلالة إفريقيا على محيطات ومضايق استراتيجية مهمة حيث وجود المحيط الأطلسي والمحيط الهندي علاوة على البحر المتوسط ووجود مضيق باب المندب على البحر الأحمر وقناة السويس ذات الأهمية الكبيرة للملاحة والتجارة الدولية وكذلك مضيق جبل طارق الذي يربط بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.

ومنذ عقود الاستقلال للدول الوطنية في إفريقيا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، دخلت هذه الدول من خلال نخبها السياسية في صراعات وحروب أهلية مسلحة لا يزال بعضها متواصلا، كما دخلت في حروب حدودية مع بعضها البعض، مما جعل إفريقيا تخسر موارد طبيعية وبشرية كبيرة، جعل من القارة خلال العقود الخمسة الأخيرة تعاني من الثالوث المخيف، الفقر والمرض والجهل، خاصة إفريقيا السمراء وبالذات دول جنوب الصحراء والساحل، ولعل من أشهر تلك الحروب، الحرب العرقية التي جرت قبل سنوات بين رواندا وبوروندي والتي راح ضحيتها أكثر من مليون إنسان.

ملامح السلام

وأمام هذا المشهد الإفريقي المأساوي خاصة المشكلات التي تعاني منها الدول الإفريقية بدأت ملامح السلام تطل من بعضها، من خلال اتفاق السلام في دولة جنوب السودان بين حكومة جوبا، التي يترأسها سيلفا كير، وبين نائبه السابق وقائد المعارضة «رياك مشار»، والذي شغل منصب نائب الرئيس في إعقاب انفصال دولة الجنوب عن السودان عام 2011 ومن خلال تشكيل أول حكومة في العاصمة جوبا.

والنموذج الثاني لملامح السلام هو التوافق الأثيوبي-الأريتيري من خلال الاجتماع الأخير، الذي عقد في أديس أبابا قبل أيام، بين رئيس الحكومة الأثيوبية «أبي أحمد» وبين الرئيس الأريتري فورقي، ولا شك أن هذا التطور في مجال إحلال السلام يفتح الطريق لإيجاد حلول لعدد من النزاعات في إفريقيا.

ولعل الصومال نموذج واضح في هذا السياق الصعب والباحث عن السلام، ومن هنا فإن أمام القادة الأفارقة فرصة نحو تحقيق السلام الشامل في إفريقيا، وهذا ما أكدته القمة الإفريقية الأخيرة التي عقدت هذا الأسبوع في العاصمة الموريتانية نواكشوط، من خلال أهمية أن تنطلق إفريقيا نحو آفاق التنمية الشاملة والتحديث والحكم الرشيد وإنهاء الصراعات والحروب من خلال إقامة السوق الإفريقية الكبرى ومن خلال تعزيز الاستثمار وبناء الثقة بين الدول الإفريقية وبعضها، ومن هنا فإن نموذج جنوب السودان وأثيوبيا وأريتريا، يمكن أن يطبق على بقية الأزمات الإفريقية ويكفي إفريقيا صراعات والتي حرمت شعوب القارة من الاستفادة من تلك الثروات الكامنة خاصة النفط والغاز والذهب والماس بحيث يستغل من قبل الشركات الغربية.

إن خيار السلام في إفريقيا هو الخيار الوحيد أمام هذه القارة العملاقة مساحة وسكانا وإمكانات طبيعية وبشرية، ولعل مشكلة إفريقيا الأزلية هي الحكم الرشيد، فقضايا الشفافية وانتشار الفساد وضعف الممارسة الديمقراطية، هي من العوامل التي كرّست تلك الصراعات، علاوة على استمرار الانقلابات العسكرية بين الحين والآخر، وهذا ما جعل دول القارة تعيش سنوات صراع محتدمة وحروبا مدمرة، ضاعت من خلالها تلك المقدرات وأصبحت كثير من دول القارة أسيرة للقروض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتخلف.

قمة نواكشوط

إن دول الاتحاد الإفريقي، ومن خلال قمة نواكشوط قبل أيام، تدرك أن العالم يشهد طفرة في مجال التنمية والتحديث، وأن دول جنوب شرق آسيا هي نموذج كبير في هذا الإطار، ومن هنا فإن إطلاق منطقة التجارة الكبرى في إفريقيا، يعد خطوة مهمة، خاصة أنها تسهم في تعزيز انتقال رؤوس الأموال وإيجاد التشريعات الجاذبة للاستثمار، ودعم التجارة بين الدول الإفريقية، وهناك بدايات قوية خاصة من قبل الصين وتركيا وعدد من الدول الغربية لتكثيف الاهتمام بإفريقيا، غير أن هذا التوجه الاقتصادي الإيجابي، يحتاج إلى مناخ السلام والتوافق بين الدول الإفريقية ليتمكن من تحقيق أهدافه.

إن هناك قرارات حيوية صدرت عن القمة الإفريقية في نواكشوط، كما أن اتفاق السلام في جنوب السودان، وتنفيذ بنوده، وكذلك حل القضايا الحدودية العالقة بين أثيوبيا وأريتريا، والتي مر عليها عدة عقود، يمكن أن يحفز بقية الدول الإفريقية لحل نزاعاتها وإيجاد تعاون أكبر يساعد على انطلاقة إفريقيا بقوة نحو البناء والتحديث واستغلال تلك الإمكانات الكبيرة فيها.

إن منظمة الاتحاد الإفريقي هي أكثر حيوية وفعالية مقارنة مع جامعة الدول العربية، ومع ذلك فإن إفريقيا تحتاج إلى إعادة التفكير في أوضاعها، ولا بد للقادة الأفارقة أن يعيدوا وضع إفريقيا إلى قارة ذات طبيعية تنافسية وإعادة الأمل لملايين من الشباب الإفريقي.

ومن هنا فإن الطاقات البشرية يجب أن تستغل من خلال إنهاء الصراعات، وبعد ذلك تهيئة الاقتصاد الإفريقي لمرحلة أكثر تخطيطا واستغلالا للثروات، وإيجاد مناخ ملائم للحكم الرشيد، وإعطاء الشباب الفرصة للعمل الوطني، وأن يستلهم الجيل الحالي تضحيات الآباء المؤسسين إبان حقبة الاستعمار القاسية، ويظل نموذج المناضل الجنوب إفريقي «نيلسون مانديلا» هو النموذج المعبر عن إلى الروح الإفريقية الوثابة والقادرة على تحقيق أهدافها. لقد تخلصت جنوب إفريقيا من أقسى أنواع الاستعمار والتمييز العنصري في التاريخ، ولا يضارعه سوى الاحتلال الإسرائيلي العنصري للأراضي الفلسطينية، وعندما شعر شعب جنوب إفريقيا بأن الوطن للجميع أصبحت جنوب إفريقيا هي الأفضل على مستوى إفريقيا صناعيا وتنمويا وحتى في مجال تداول السلطة. إن إفريقيا أمامها فرصة تاريخية في هذه المرحلة لتتخلص من كثير من حروبها وصراعاتها، والتي لم تجلب لها سوى المشاكل الاقتصادية، وأصبحت شعوبها تعاني الأمرين خلال العقود الأخيرة، ومن هنا فإن الخروج من هذا الوضع المرير هو اتباع نموذج جنوب إفريقيا، وأيضا النظر إلي دول آسيا والتي تعد الأقل إمكانات من إفريقيا، حيث انطلاقة دول كفيتنام وكبوديا ولاوس والتي عانت الأمرين من حروب طاحنة فرضت عليها من الدول الاستعمارية الطامعة في ثرواتها.

وبعد أن نجحت في طرد المحتل، ورغم الثمن الباهظ إلا أنها انطلقت نحو التطور والتحديث من خلال نماذج النمور الآسيوية والتي اعتبرت نماذج ينبغي الاقتداء بها كما فعلت الأخيرة من خلال النموذج المهم وهو تجربة اليابان.

التحرر من الماضي

إفريقيا على موعد مع المستقبل ومع انطلاقة نحو إيجاد دول مستقرة، تنطلق من خلال التركيز على التنمية والتحديث حيث عانت القارة خلال الخمسين عاما الماضية، من كوارث وحروب وتوتر بين المجتمعات الإفريقية على الصعيد العرقي، كما حدث بين قبائل الهوتو والتوتسي في غرب إفريقيا، علاوة على وجود بعض الجماعات الإرهابية في شمال نيجيريا وفي مالي وتشاد، مما تسبب في عدم الاستقرار والتدخل الأجنبي في تلك الدول، ومن هنا فإن الاتجاه نحو التنمية الشاملة وإيجاد فرص العمل وتحقيق الاستقرار، سيغلق الطريق أمام أي مبررات لاستمرار تلك الجماعات الإرهابية المتشددة في جنوب الصحراء.

إن التحرر الإفريقي من عقد الماضي أمر مهم، ولكن ذلك مرتبط بظهور سلوك مختلف من جانب القيادات الإفريقية، وبأن يكون نهج السلام، وحل كل الصراعات من خلال الحوار والطرق السلمية، هو المقدمة الأساسية نحو بناء إفريقيا الجديدة لأن ذلك هو الاتجاه الصحيح، ثم التخلص من العصبيات القبلية والصراعات العرقية، التي سببت الكثير من الآلام للمجتمعات الإفريقية.

إن دول إفريقيا السمراء بها من الإمكانات الكثير ومن خلال منهجية جديدة في السلوك السياسي فإن القارة سوف تشهد انطلاقة حقيقية نحو تعزيز السلام، وبالتالي نحو إفريقيا الجديدة الخالية من الفقر والمرض والجهل، وأن تتبوأ هذه القارة العملاقة مساحة وسكانا وثروات طبيعية وبشرية، المكانة التي تستحقها بين أمم العالم وهذا الأمر يمكن تحقيقه عمليا، وما دول جنوب شرق آسيا والتي عانت هي الأخرى من الصراعات والحروب لسنوات طويلة إلا نموذج واقعي يمكن أن يحدث في إفريقيا، كما أن وجود المستثمرين في إفريقيا هو مؤشر على إدراكهم بأن القارة واعدة وأن بها من الإمكانات من الفرص ما يجعل مستقبلها مشرقا.

إن قرار هذا التحول الاستراتيجي للقارة الإفريقية هو بيد النخبة الإفريقية ومن المجتمع المدني ومن كل القوى المؤثرة في إفريقيا، فهل تتحقق هذه النقلة وهذا الحلم لملايين الأفارقة؟ نتمنى ذلك.