أفكار وآراء

قمة ترامب - بوتين .. وماذا بعد؟

04 يوليو 2018
04 يوليو 2018

عبدالعزيز محمود -

بينما يستعد الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والروسي فيلاديمير بوتين لعقد أول قمة رسمية بينهما في العاصمة الفنلندية هلسنكي يوم ١٦ يوليو الجاري لتخفيف حدة التوتر في العلاقات الثنائية فإن الحقائق على الأرض تؤكد أن الخلافات الأمريكية - الروسية أكبر من أن يعالجها اجتماع واحد.

صحيح أن الرئيسين التقيا قبل ذلك مرتين، الأولى على هامش اجتماع مجموعة العشرين في هامبورج بألمانيا في يوليو عام 2017، والثانية خلال منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي أبيك في دانانج بفيتنام في نوفمبر الماضي، لكن لقاءهما المرتقب في هلسنكي يعد أول قمة مستقلة ليست على هامش اجتماع أو مؤتمر دولي.

وتأتي هذه القمة وسط تدهور غير مسبوق في العلاقات الأمريكية - الروسية بدأ بقصف حلف الناتو ليوغسلافيا السابقة في عام ١٩٩٩ واتهام موسكو لواشنطن بالوقوف وراء الثورات في جورجيا وأوكرانيا، وخلاف البلدين حول غزو العراق عام ٢٠٠٣، وازداد التدهور حدة مع التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا عام ٢٠١٤ ثم في سوريا عام ٢٠١٥، وضم شبه جزيرة القرم والتدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الأمريكية عام ٢٠١٦، وسط تبادل للعقوبات بين البلدين.

ويبدو أن اختيار هلسنكي مكانا لانعقاد القمة كان له دلالته، فالعاصمة الفنلندية شهدت قمة الرئيسين فورد وبريجينيف في عام ١٩٧٥ لوضع حد للحرب الباردة بين البلدين، كما شهدت قمة الرئيسين بوش الأب وجورباتشوف عام ١٩٩٠ لبحث أزمة الخليج الأولى، وقمة الرئيسين كلينتون ويلتسين عام ١٩٩٧ لمناقشة الحد من التسلح النووي.

المشكلة أن قمة ترامب بوتين تعقد في ظروف غير مواتية، على الأقل من وجهة عدد من الخبراء والمراقبين، فالتحقيقات حول التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الأمريكية تدخل مرحلة دقيقة، وانتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر القادم تقترب، وفي أوروبا تتزايد الانتقادات للمواقف الأمريكية، بسبب سياسات الرئيس الأمريكي التجارية، واهتمامه الواضح بالتقارب مع روسيا، ربما على حساب علاقاته بحلفاء الولايات المتحدة التاريخيين. ومن الوارد أن تلقي القمة بظلالها على قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي تعقد قبلها بأيام في العاصمة البلجيكية بروكسل، وتحديدا يومي١١ و١٢ يوليو الجاري، وسط مخاوف من تفاقم الخلاف بين ترامب وأعضاء الحلف الأوروبيين حول زيادة نفقاتهم الدفاعية في ميزانية الحلف. وهو ما يعني تكرار ما جرى في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى التي عقدت في كيبيك بكندا يومي ٨ و٩ يونيو الماضي، حين دعا ترامب إلى استعادة روسيا لعضويتها في المجموعة، مشيرا إلى أن شبه جزيرة القرم أراض روسية، وهو ما رفضه أعضاء المجموعة الآخرين.

كل المؤشرات تقريبا، تقول: إن ترامب بحاجة ماسة للقاء بوتين، ليس فقط لاحتواء الخلافات بين البلدين، ووقف سباق التسلح ومناقشة الأوضاع في إيران وسوريا وكوريا الشمالية، وتمديد معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية، وإنما أيضا للتأكيد على أنه لا يوجد لديه ما يخفيه بخصوص علاقته مع روسيا.

ولإنجاح تلك القمة فإنه - ترامب - يبدي استعدادًا لرفع جانب من العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا، رغم أن هذه الخطوة تتطلب موافقة الكونجرس، الذي يشترط حل النزاع أولا بين روسيا وأوكرانيا.

وعلى الجانب الآخر يرحب الرئيس الروسي بوتين، بتطبيع العلاقات بين البلدين، لكنه يرى أن رفع العقوبات أو جانب منها خطوة يجب أن تقوم بها واشنطن لإثبات حسن النية.

وبينما تستمر المشاورات في هذا الاتجاه يحاول بوتين الحصول على تنازلات من ترامب تصب في خدمة المشروع الروسي الذي يستهدف إنهاء الهيمنة الأمريكية الأحادية على العالم وكسر التحالف الغربي ودعم نفوذ موسكو في البلقان ودول البلطيق والشرق الأوسط.

ومن الواضح أن توجهات الرئيس الأمريكي تساعد في هذا الاتجاه، فهو لا يخفي إعجابه بسياسات بوتين، ولا يعتبر روسيا تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، ويرى أن الوقت قد حان لتقارب أمريكي - روسي في مختلف المجالات، وهي مواقف تتعارض بكل تأكيد مع توجهات الكونجرس والبنتاجون والخارجية والمجتمع الاستخباراتي، والتي تعتبر أن روسيا ما زالت تشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، يستوجب الاستمرار في سياسة فرض العقوبات، وعدم الاعتراف بشرعية ضم شبه جزيرة القرم، وتزويد أوكرانيا بأسلحة دفاعية، ونشر قوات أمريكية في دول البلطيق لحمايتها من أي هجوم روسي محتمل. هذا التعارض في السياسة الأمريكية أثار قلقا متزايدا لدى حلفاء واشنطن، الذين يرون أن توجهات ترامب الرامية إلى عزل الولايات المتحدة عن العالم، سوف تخلف فراغا استراتيجيا، لن يستفيد منه إلا روسيا والصين، كما أن تقاربه مع كل من موسكو وبكين وبيونج يانج، يأتي في الوقت الذي يتصادم فيه مع حلفائه الأوروبيين حول التجارة وحلف الناتو والاتفاق النووي مع إيران والتغير المناخي، بل ويشترط لاستمرار بلاده في الدفاع عنهم أن يقدموا مزيدا من الأموال.

ويخشى هؤلاء الحلفاء أن يقوم ترامب عقب لقائه المرتقب مع بوتين بإلغاء مشاركة بلاده في مناورات حلف الناتو في بولندا ودول البلطيق، مثلما ألغى مناورات مشتركة مع كوريا الجنوبية عقب لقائه مع كيم جونج أون زعيم كوريا الشمالية في سنغافورة الشهر الماضي.

والتخوف الأكبر أن يقوم بتقليص مساهمة بلاده في حلف شمال الأطلسي في حال استمر الخلاف مع دول الحلف حول زيادة ميزانياتها الدفاعية إلى ما يوازي ٢٪ من الناتج المحلي الإجمالي لكل منها.

وفي ظل هذه الأجواء المشحونة كان من الطبيعي أن يرحب حلف شمال الأطلسي بقمة ترامب - بوتين، والحوار المفتوح بين واشنطن وموسكو، فالحلف لا يريد إغضاب ترامب، ولا يرغب في اندلاع حرب باردة جديدة، تؤثر بالسلب على التعاون الأوروبي - الروسي في قطاعي التجارة والطاقة، لكن نجاح القمة الأمريكية - الروسية يظل محل شك، نظرًا لصعوبة التوصل إلى توافق بشأن القضايا محل الخلاف وفي مقدمتها العلاقة مع إيران وتركيا وفنزويلا والأوضاع في سوريا وأوكرانيا وخطة ترامب للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين والمعروفة إعلاميا باسم (صفقة القرن)، بالإضافة إلى المنافسة الحادة بين البلدين على إمداد أوروبا بالطاقة، وتمسك روسيا بالتعاون مع السعودية لتصحيح أسعار النفط، وتضررها من حرب التجارة التي أشعلها ترامب، باعتبارها من أهم الدول المنتجة للصلب والألمنيوم.

على أي حال، ربما تكون قمة ترامب - بوتين فرصة لتخفيف حدة التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، بل والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك، ودعم الأمن والسلم الدوليين، لكن من غير الوارد أن تحقق نتائج كبيرة، فالخلافات الأمريكية - الروسية يتطلب حلها سلسلة طويلة ومعقدة من المفاوضات.