أفكار وآراء

صيف عقاري ليس ساخنا

04 يوليو 2018
04 يوليو 2018

مصباح قطب -

[email protected] -

أعترف بأن الكتابة عن العقارات والمضاربات على العقار تكاد تكون موجيّة ، أي تمضي موجة وراء أخرى ، مع فاصل زمني معقول. ويحفل العالم الافتراضي والواقعي بكتابات لا حصر لها حول ذلك الأمر ، والمعروف أن بركان الكتابة عن العقارات انفجر بشكل خاص بعد الأزمة المالية والاقتصادية في نهاية 2007 - منتصف 2008 ، فلم يحدث في التاريخ الرأسمالي أن قادت العقارات إلى أزمة من هذا الحجم وحدها ، أو بمعنى ادق كمسبب رئيسي أو مسبب في المقدمة ومن ورائه طابور من العوامل الفرعية . والآن فإن الكتابة عن العقارات مستمرة ليس لأن الأزمة المالية إياها ما زالت تلقي بظلالها الكئيبة على عالمنا ، رغم التعافي الظاهر منها أو من أعراضها الأكبر ، ولكن لأن هناك أسبابا أخرى مستجدة وحرية بالتناول ، وبطبيعة الحال يختلف الأمر من بلد إلى آخر ، لكن هناك سمات عامة وعناصر مشتركة في التأثير على أسواق العقارات الإقليمية وربما العالمية .

فالاضطرابات في المنظومة التجارية العالمية والاشتباكات المعلنة بين إدارة ترامب وكل من الصين وأوربا وكندا ، ومن قبل الخلاف الأوربي الروسي ، ثم لاحقا محاولة التقارب بين روسيا وامريكا ( على حساب من ؟ ) ، وهزة مشكلة الهجرة في أمريكا ، بالإضافة إلى النزاعات والحروب ، كل ذلك أثرعلى تحركات كتل السيولة الدولية وعلى الاستثمار المباشر - ومنه العقاري - في منطقتنا وفي العالم . ويتم يوميا رصد كل تغيير يجري في هذا المجال وحساب كم من الأموال خرج من هذا البلد أو ذاك أو انسحب من هذه المنطقة أو تلك ، ويزيد من تعقيد الموقف بطبيعة الحال توجهات السياسة النقدية الأمريكية ورفع سعر الفائدة واستمرار صعود الدولار ما يدفع المستثمرين الكبار - أو معظمهم - إلى تفضيل الاستثمار في السوق الأمريكي ،آخذين في الاعتبار وجود عامل معاكس هو الخوف من الصعود المستمر للشعبوية فيأمريكا والتراجع المخيف في مكانة المؤسسات التي كان الظن أنها أقوى من أي رئيس أو إدارة !.

لكن الأقرب إلى الواقع والدقة هو ما نراه بأعيننا في بلادنا ، وفي بحوث وتحليلات عميقة وغير متحيزة ، ترصد ظاهرة الإفراط في “ البزنس” العقاري ما يهدد بموجة مضادة ، ولن يكون شكلها هذه المرة شكل الانفجار العادي لفقاعة ولكن الانهيار البطيء تدريجيا لسد عتيد . من المعتاد أن يقال إن الملكية العقارية فيبلد كمصر - ومثلها عدد من الدول العربية - ملكية فردية غير ممولة من البنوك ، وبالتالي لا خوف من حدوث انهيار مالي فاقتصادي إذا حدث كساد مباغت في ذلك السوق يؤدي إلى عدم قدرة المستثمرين على سداد ديونهم للبنوك ويشل عمل الأخيرة بالتبعية.

إن ذلك السيناريو صحيح إلى حد بعيد ، وشهدناه أكثر من مرة ، ولكن حدث تحول متدرج منذ سنوات إلى المشاريع الكبيرة الممولة من مقدمات من الحاجزين ومن أموال البنوك معا ، وبدورهم فإن حاجزين ممن يرغبون في أن يجربوا حظهم في المضاربة العقارية ، وهم كثر ، استدانوا من البنوك في حالات كثيرة أي لم يشتروا من مدخراتهم ، وان كان الحصر والتمييز صعبا . لدينا هنا في تلك الحالة علامة خطر خاصة مع التباطؤ الواضح في حركة الشراء والتداول ..خطر الأضرار بالأفراد والشركات العقارية والبنوك معا وبنسب لكل منهم . وفيكل بلد ارتفع فيه سعر الفائدة كمصر كان هناك عامل إضافي محرك للتباطؤ هو إيداع الأموال في البنوك للفوز بالفائدة المرتفعة والتي لن تدوم إذ ستتراجع ريثما يهبط التضخم . لكن الملاحظ أيضا هو أن نوعا من التطور الاقتصادي في المنطقة يتحقق ، وهو تطور فيه قدر من العقلانية وان كانت آثاره على الجماهير المحدودة الدخل قاسية أو مريرة ، وهو سيوجد من الضغوط والأدوات ما يكفيلكى يجعل العوائد في القطاعات المختلفة تتقارب حتى لا يظل للاستثمار العقاري كل تلك الهيمنة وكل هذه الجاذبية في شد المدخرات من جانب وتجميدها من جانب آخر بغلق الوحدات أو العمارات وانتظار ارتفاعات اكبر. وظني أيضا أن الحديث عن تطوير نظم الضرائب العقارية في العالم العربي سيعلو بقوة في الفترة المقبلة. فما يتم تحصيله من هذه الضريبة هزلي ولا يقارن إطلاقا بحجم الثروة العقارية التي يجب أن تخضع للضريبة كما لا يقارن بما يتم تحصيله في الدول المتقدمة . وإذا تم بالفعل عمل نظام قانوني قوي ومتماسك لهذه الضريبة وتطوير كبير في الجهاز الضريبي المعني فسيحدث تحول كبير جدا بتقديري في عملية وطبيعة الاستثمار العقاري في منطقتنا ،وسنصل يوما أو آخر إلى ما هو موجود في الغرب والذي بمقتضاه لا تخلو الوحدات العقارية إلا لساعات أو ايام ليحتلها ساكن جديد باستمرار ، فركن الوحدات أو تسقيعها بالمفردة المصرية ، سيسبب خسارة واضحة للمالك بسبب ما يدفعه من ضريبة عقارية ليست بالقليلة بعد أن يتم إصلاح المنظومة كما قلنا .

وقد ثار جدل شديد في مصر مؤخرا بعد إعلان أسعار الوحدات في العاصمة الإدارية الجديدة وفي مدينة العلمين الجديدة . ورأى كثيرون أن الأسعار مرتفعة وان ذلك سيشعل السوق في الوقت الذي كان يجب فيه على الحكومة وهي التي تتولى إنشاء المدينتين ، أن تقود عملية تبريد الاسعار في الاسواق . لكن الإعلان عن الأسعار المرتفعة فجر مناقشات عاصفة حول العقارت وأوليات المشاريع ومعدلات الربح في هذا القطاع وكيف يمكن عمل توزيع عادل للأموال المتاحة بين مختلف صنوف الاستثمار حتى يحدث نمو حقيقي . في تلك الأثناء طالب مستثمرون عقاريون بمنح من يشتري عقارا الجنسية المصرية لتشجيع تصدير العقارات والمنافسة مع الدول القريبة التي تقدم تسهيلات لتشجيع المستثمرين على شراء وحدات سكنية أو على الإقامة وشراء قصور أو فيلات أو شقق فاخرة في البلد المعنى . وقال من قال إن فكرة تصدير العقارات تحتاج إلى مراجعة شديدة مشيرا إلى أن بيع عقار لمواطن أجنبي سيعمل ويقيم لفترة طويلة في مصر شيء إيجابي ، أما البيع لمضارب عقاري فنتائجه على الاقتصاد بالسالب ، ذلك أن حجم الأرباح التي يتم تحويلها للخارج عند إعادة بيع الأراضي أو الوحدات ، أضخم بكثير من الأموال التي تم إدخالها إلى مصر بغرض الشراء في أول مرة .

لكل ما تقدم لا اظن ان الصيف العقاري الحالي سيكون ساخنا كما اعتدات الصحف أن تقول عن كل صيف . ورغم إدراكي انه يوجد مستثمرون عقاريون يرفضون القول بوجود تباطؤ بل ويصدرون بيانات كثيرة حول احتمال ارتفاع الأسعار وانهم بدورهم سيحاولون ان يجعلوا الارتفاع ليس كبيرا خدمة للمشترين ،الا أن الواضح أن الأمور ليست كذلك ، وفي كل الحالات نتمنى ان نتعافى سريعا من نمط الاستثمار العقاري الراهن في منطقتنا بغض النظرعما اذا كانت الاسعار ستهوي أو ترتفع وذلك حتى تتوجه كتل اكبر من المدخرات إلى قطاعات الاستثمار الأخرى وعلى رأسها الصناعة والزراعة والخدمات التصديرية.