Randa-New
Randa-New
أعمدة

عطر: نحن لا نتقن العيش

04 يوليو 2018
04 يوليو 2018

رندة صادق -

[email protected] -

في الحياة هناك خبرة تتكون كحالة انطباعية، لكل العثرات التي تواجهنا ولكل الألم الذي يعتصر قلوبنا ويشتت عقولنا. طواحين الهواء تبالغ في إغرائنا لنقاتل المجهول، بسيوف من خشب، فلا تسيل إلا دماؤنا، مخلوقات من جهل تتلمس النور في عتمة كونية، لا نشكل فيها إلا ذرات متناثرة تتبدل بعمر محسوب من المهد الى اللحد.

عقل لا ينتج إلا الخوف من المستقبل، محاصر بكل ما نجهله عن حقيقة وجودنا والهدف منه، خاصة أنَنا لا نرى إلا من خلال ثقوب صغيرة تمكن أجدادنا من فتحها ليطلوا على ذلك المجهول ويضعوا لنا تصورا ضيقا عن الحياة.

هي رحلة بدأت مع سيدنا آدم عليه السلام وأمنا حواء وما زالت مستمرة رحلة حيوات شكلت سلسلة الوجود الإنساني بكل تناقضاته.

الحب كان أول درس تعرفنا عليه من خلال حب سيدنا آدم لأمنا حواء، أما الدرس الأصعب فكان قدرة الإنسان على قتل أخيه الإنسان بدافع الغيرة وإيثار الذات فكانت الجريمة الأولى في تاريخ البشرية، جريمة فاقت معايير القتل من أجل البقاء على قيد الحياة، وجعلتنا ندرك أن الحب والخير ليسا الحقيقة الكاملة لوجودنا، لأننا كائنات ضعيفة هشة يفترسها الغضب فتفترس ذاتها بلا هوادة، لذا قتل قابيل أخاه هابيل ومن هنا جاء الدرس الأصعب الذي يعلمنا أن الإنسان من التراب والى التراب يعود فلا تغرنه الحياة ببريق ألوانها، ولا بمديد سنواتها، فنحن في رحلة لا شوارع دائرية في خارطتها ولا تسير إلا باتجاه واحد.

الحياة لم تتوقف عن تكريس مفاهيم القبح فينا، فبالإضافة الى قدرتنا على القتل نمت قدراتنا على الاحتيال والسرقة وتدمير كل شيء جميل حولنا.

خلال هذه الرحلة أنجز الإنسان الكثير من الأمور العلمية التي غيرت حياته البدائية وأدخلته عالم المدنية والحضارات العريقة التي صنعت التاريخ والاختراعات، انَه العلم الذي رتب لنا الحياة وسرق فطرتنا الى درجة أنَه سلخنا من أمنا الأرض مما أفقدنا الطاقة الإيجابية التي تنشأ من عناصر التحامنا بهذا الكون الواسع، فتضاعفت الغمامة السوداء التي غلفت وعينا فبدأت حواسنا تفقد قوتها، لقد كان الإنسان بمراحله الأولى قادر على التواصل من خلال التخاطر وبلا لغة واحدة تجمعه إلا ذاك الإحساس الذي يوجهه، ولكن تمكن العقل من الزحف البطيء ليفرض منطقه على سيرورة وتطور قدراته التفاعلية. من يقرأ الحقائق ويحللها، يخرج بمحصلة أنَه كان لا بد أن يكون وجودنا تاريخ من النزاعات والحروب، من أجل البقاء والفوز بخيرات الأرض والاستيلاء على أهم عناصرها التي تمنح القوة والسلطة أي مصادر الطاقة حيث بات الخوف من فقدانها الهاجس الأول الذي دفع العلماء الى تطوير آلية القتل، من القتل بالأسلحة البيضاء الى الأسلحة الآلية الدقيقة ومن ثم الحرب الكيماوية والجرثومية وأخيرا بحرب متوازية التهديد ترتكز على الأسلحة الكيماوية والإلكترونية، كل هذا افقدنا لذة الحياة خاصة أن الإنسان شوه البيئة وغير من قانون التوازن البيئي، مما هدد البقاء الإنساني ومع هذا مازال مستمرا في التدمير الذاتي وقتل كل الأشياء الجميلة من حوله أو تشويهها. من المؤكد أننا لم نتقن العيش ولم نصنع الحياة إلا وكانت المعادلة صراع يولد صراع وقتل يولد قتل، وتاهت منا إنسانيتنا مما فتح في خاصرة أحلامنا وسلامنا الداخلي جرح ينزف تتحكم به أهواء قادة العالم الذين تمكنوا من تقسيمه الى سادة وعبيد تحت مفهوم عالم متحضر دوره قيادة العالم وعالم متخلف استهلاكي غير منتج يعاني من صراعاته الطائفية يفقد هويته من لغة ودين وحضارة بعد احتلاله من جيوش السوشيل الميديا الذين أفزرتها العولمة .في جوهر الأمر القاتل والمقتول لم يتقنا العيش وضاعت منهما الحياة ..