sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: بين الجاذبية والتحليق

04 يوليو 2018
04 يوليو 2018

شريفة بنت علي التوبية -

كقارئة لكل أنواع الكتب والأدب، أصبحت أعرف الكاتب العربي وأميزه عن غيره، فهو الغارق في واقعه الجاذب لقارئه نحو العمق والغرق، وأعرف الكاتب الغربي أو العالمي المحلّق بأدبه وقرائه بعيداً حيث تكون الكواكب والنجوم، ربما هي الحياة كما أرادت له، وكما حاصرته ونتفت ريش أجنحته، فما عاد للطائر المكسور الجناح قدرة على التحليق ولو مجازاً، ورغم كل ذلك فالكاتب الذكي عليه أن ينقذ نفسه وقراءه من سطوة الواقع وقسوته، وعليه أن يعين القارئ على الخروج من بوتقة الواقع الملتهبة الحارقة، إلى حيث يكون الخيال حاضراً وجامحاً وغريباً وفنتازياً، فما جدوى الكتب إذ لم تساعدنا على الهروب من واقعنا وآلامنا ومصائبنا وإحباطاتنا. على الكاتب أن يكون طيباً وحنوناً على قرّائه الذين يقرأون له بشغف ويحبونه كما يحبون أنفسهم أو واحد من أبنائهم، فإذا كانت الفكرة وليدة الواقع وابنته الشرعية فعليه أن ينأى بها من سطوته وقهره، ويعيد تشكيلها وصياغتها بالطريقة التي يشاء، لأن الإغراق في الواقع قاتل ولا يضيف شيئاً إلى النص المكتوب، بل سيبدو مكررا ومعاداً حتى وإن كان بحجّة الاقتراب من القارئ وهمّه ومشكلاته اليومية، قد يكون ذلك مناسباً في كتابة الأعمدة الأسبوعية التي هدفها الأول القارئ وما يستجد في حياته من أحداث وقضايا، لكن الكتابة الأدبية الأخرى عليها أن تهب للكلمات أجنحة وللحروف روحا، وبالنسبة لي يعجبني أدب الأديب الياباني هاروكي موركامي، لأنه مغامر ومحلّق بخيال مجنون جامح، يأخذني من نفسي لمتعة لا أجدها سوى في كتبه وأدبه.

وبشكل عام فإن العربي مفتون بالجاذبية وليس بالتحليق، لذا يبقى الخيال في الأدب العربي بسيطاً وإن جنح، وإن اجتهد فليس سوى إعادة لتشكيل الكلمات وزخرفتها بلفظ أوتشبيه، وذلك أيضا ينطبق على السينما والدراما العربية والخليجية بالذات التي تغرق المشاهد في مشاكل اجتماعية بلا حلول تدفع به نحو الكآبة والبؤس، بخلاف السينما العالمية التي تحلّق بك في خيال يدفعك للتفكير ويشعرك بالمتعة، ويبعدك عن سجن واقعك لتخرج من قاعة السينما وأنت قادر على التفكير بشكل مختلف.

نحتاج إلى أدب مغامر، فإذا لم ينقذنا الأدب مما نحن فيه من غرق وموت فكيف بنا سنتغير؟!، فكم متعب أن نظل ندور داخل هذه الطاحونة بما فيها من سياسة ودين وأدب وفي أنماط محددة ومحفوظة ومكررة، وأن نكون مجرد ببغاوات تقلد وتعيد تدوير أفكارها ويُصفق لها لأنها قادرة على الترديد والحفظ بمهارة وجدارة.