Tunis-New
Tunis-New
أعمدة

رسائل إجبارية للجميع !!

03 يوليو 2018
03 يوليو 2018

تونس المحروقية  -

hlaa202020 @ -

جاءت الهواتف الذكية وأغرقت حياتنا بمختلف التطبيقات التي تهدف إلى تعزيز التواصل بين أفراد المجتمع وذلك بطرق سهلة ليجد الفرد نفسه - بعامل تكرار الاستخدام- قد أدمنها بعد أن عاش سنوات طويلة قبلها دون أن يفكر في أنه قد يحتاج يوما للتواصل مع أحبائه والمقربين منه بمثل هذه الوسائل. من جملة هذه التطبيقات المخصصة للتواصل يعد تطبيق «الواتس أب» واحدا من أهم تلك التطبيقات التي أوجدت في عام 2009 وأحدثت نقلة نوعية في مستوى ودرجة التواصل بين البشر في مختلف دول العالم، إذ يتصف هذا التطبيق بإمكانية التراسل والاتصال المجاني في وجود الاتصال بشبكة الإنترنت. شعر الناس بالسعادة من إمكانية تواصلهم مجاناً بعد أن كانوا مضطرين لدفع رسوم مالية كقيمة للرسالة النصية الواحدة المحددة بحروف معينة، إذ أن رسائل «الواتس أب» لا تحدد بعدد من حروف الرسالة، لهذا يمكنك أن تواصل كتابة رسالتك الطويلة جداً ما دامت أصابع يدك لم تبدأ في إيلامك ودفعك للتوقف! لكن تلك السعادة التي شعر بها الناس لم تدم طويلاً، إذ بدأت تظهر بعض التصرفات غير المسؤولة من البعض والتي بدورها تضايق العديد من مستخدمي هذا التطبيق، فمثلاً مجموعات الواتس أب « الجروبات» التي تجد نفسك قد تم إشراكك فيها دون أن يتم استئذانك في كثير من الأحيان فمرة هي مجموعة أفراد أسرتك وأخرى هي لأبناء عمك وثالثة لأبناء خالك وغيرها لكل أعضاء المجموعات السابقة وكذلك مجموعة جماعة المسجد -إن كنت رجلاً- أو للأمهات في المدرسة الفلانية إن كنت امرأة ولن ينساك مكان عملك من بعض المجموعات الخاصة ببعض المشاريع أو حتى مع مديرك وموظفي الدائرة التي تنتمي لها، ومجموعة زملائك وأصدقائك ومن التقيت بهم في دورة عابرة لم تتجاوز مدتها 5 أيام ، ومجموعة المستفيدين من «الدكان» الموجود في الحارة ومجموعات لا نهاية لها، وكل مجموعة تتوقع منك أن تتفاعل وأن ترد وأن تكون عضواً فاعلاً في المجموعة وإلا فلا ينبغي أن تستغرب إن تم اتهامك بالتعالي وأنك تتعمد عدم الرد لتظهر حجم انشغالك وكأنك الوحيد الذي يعمل وغيرك متفرغ لحكايات «الواتس أب ». ستجد في عالم «الواتس أب» مجموعات لها هدف واضح مثل المناقشات الجادة المتعلقة بالعمل أو التخصص أو اهتمامات معينة تربطك بأعضاء بالمجموعة، وهنا عادة ما تكون النقاشات مثرية وذات قيمة لجميع الأعضاء، لكن مجموعات «واتس أب » الأصدقاء والأهل والزملاء والعلاقات القريبة وتلك البعيدة جداً ستشاهد فيها مفارقات تستحق الدراسة، فبعض الأعضاء لا يتوقفون عن إرسال الرسائل في مختلف المجالات ولا تعرف لهم مواعيد صحو ولا نوم لكثرة تدفق رسائلهم في كل وقت، بعضهم وربما تكون أنت منهم ممن لا يتفاعلون ويكتفون بوقف التنبيهات التي تصلهم عند وصول رسالة من مجموعة معينة مستمتعون بمشاهدة الأرقام المتزايدة للرسائل وعدم التفكير في الاطلاع عليها، البعض الآخر يتقمص دور المصلح الاجتماعي الذي ينتقد كل رسالة وينصح بعدم تداول مثل هذه الرسائل لأسباب هو يقدرها وقد لا يشرحها ويكتفي بقول “ مازين ترسلوا رسائل مثل هذه “ وهناك المتخصص في إرسال الأخبار غير الصحيحة مع التأكيد في كل مرة على أنها موثوقة وفي كل مرة يتبين عدم صحة معلومات رسائله لكنه لا يتوقف أبداً عن مواصلة الإرسال، وهناك من تشعر أنه موجود كي ينبه البقية أن لا يقوموا بإرسال رسائل تم إرسالها في المجموعة من قبل، وقد تسأل نفسك : من أين له بهذه الذاكرة التي تعينه على تذكر كل الرسائل وهي تتدفق في كل ثانية كمطر ؟ إن قررت أن ترفض كل طلب لإدخالك في المجموعات فهذا لن يعفيك من الرسائل الجماعية غير المرغوبة والتي قد تأتي في أوقات متأخرة من الليل أو وقت مبكر من الصباح والتي لا تفهم أسباب إرسال صاحبها لها في ذلك التوقيت، مع أن محتوى الرسالة لا يعدو أكثر من مقطع كوميدي أو معلومات عامة أو إشاعة لقصة لم تحدث إلا في خيال من كتبها أو صورة فيها دعاء، كما ستغرقك رسائل “ جمعة مباركة” كما لو أن مرسليها يشعرون أن يوم الجمعة سيكون ناقصاً بدونها، ستقرر بين حين وآخر أن تتخلص من هذا التطبيق بإلغائه لكنك ستعيد تثبيته بعد فترة قصيرة لأن المحيطين بك سيدفعونك لذلك. سترى عروض المنتجات تصلك في واتس أب هاتفك بتكرار ممل فقط لأن ابن عمك أو بنت خالتك أو ابن جيرانك أو زميلك في الجامعة أو العمل قرروا أن يفتحوا مشروعاً تجارياً لهم وبالتالي أنت ملزم أن تحتمل إغراق هاتفك بجديد تلك المنتجات حتى لو لم يكن لديك ميول أو رغبة في ذلك منتج ذلك المشروع ، لكنهم يتوقعون منك أن تنشر رسائلهم دعماً لهم ! ستسأل نفسك : هل كل من يمتلك رقم هاتفك أصبح من حقه أن يضعك في قائمته للرسائل الجماعية حتى لو كان حجم معرفتك به لا تتعدى العمل أو موضوعا تجاريا انتهى بتسليم المنتج أو الخدمة ؟ ستسأل نفسك أيضا : هل أحتاج إلى أن أقوم بحظر واتس أب كل رقم هاتف أضيفه لقائمة الأرقام في هاتفي؟ ستصل لقناعة أن مجانية الرسائل بعد اشتراكك في النت تجعل البشر يغرقونك رغماً عنك بكل ما يودون مشاركته معك حتى لو تبين لهم بالدليل القاطع أنك غير مهتم بما يقولون لكن بما أن لديهم رقمك فذلك يمنحهم بحسبهم صلاحية العبور لحياتك وإزعاجك بما قد لا يضيف لك. إن تطبيق الواتس أب من التطبيقات المفيدة جداً لو تم استخدامها كما أريد لها من تواصل لا يزعج ولا يغرق هواتف الآخرين بمعلومات وفيديوهات يتضح تماماً لمرسلها أن الطرف الآخر لا يفتحها ، وحتى يعي بعض أفراد المجتمع ذلك ستظل تتحمل رسائلهم الإجبارية التي يرسلونها ولا ترد عليها ولا يعني ذلك لهم شيئاً فيواصلون الإرسال !