الملف السياسي

المبادرة العربية والتسويات المثيرة للجدل !!

03 يوليو 2018
03 يوليو 2018

عوض بن سعيد باقوير  -

صحفــي ومحـــلل ســـياسي -

على ضوء الجولات المكوكية لمستشار الرئيس الأمريكي ترامب كوشنر والتحركات السياسية في منطقة الشرق الأوسط ، والتسريبات الأولى لما يسمى بصفقة القرن بدأت الضغوط تتوالى على السلطة الوطنية الفلسطينية والأردن بشكل خاص من خلال قبول تسوية سياسية تتضمنها تلك الصفقة من خلال تبادل الأراضي وبقاء الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية ، وإسقاط موضوع القدس واللاجئين وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح ، مع اختراع بلدات على أطراف القدس تكون بمثابة عاصمة للدولة الفلسطينية الوليدة ، مع بقاء الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية تحت الإدارة الأردنية .

الرفض الشعبي

وقبل الحديث عن المواقف السياسية الرسمية فإن الشعب الفلسطيني بشكل خاص قد عبر عن رفضه لتلك التسوية المشبوهة ، وهو الأمر الذي يجعل من الصفقة فاشلة وغير قابلة للتطبيق ، وحتى الموقف الرسمي العربي ، عبر عنه كوشنر والذي أشار إلى أن القادة العرب الذين التقى بهم يتحدثون عن دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. ومن هنا فإن صفقة القرن ولدت ميتة من خلال الإجحاف بثوابت الشعب الفلسطيني الخاصة بموضوع القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية وحق عودة اللاجئين لديارهم ، وأيضا إنهاء الاستيطان والانسحاب الكامل من الضفة الغربية .

هذه هي الثوابت الوطنية ولايمكن لأي رئيس عربي أن يوقع على صفقة القرن تحت أي ذرائع لأن الشعب الفلسطيني مصرّ على مشروعه الوطني وعلى استعادة حقوقه وإقامة دولته على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ، وهذا التصميم والنضال الفلسطيني ترفده قرارات عربية ودولية منها قرارات الشرعية الدولية باعتبار إسرائيل كيانا محتلا للأراضي الفلسطينية ، وثانيا هناك المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت العربية عام 2002 والتي تتحدث عن السلام العادل والشامل بين العرب والكيان الإسرائيلي من خلال إقامة الدولة الفلسطينية على أراضيها وهي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية وأيضا عودة اللاجئين وموضوع المياه .

والرفض الشعبي في أي صراع سياسي هو الذي يحسم الأمور ، والشعب الفلسطيني يناضل منذ 70 عاما ولا يمكن أن يفرط في ثوابته الوطنية مما يجعل محاولات واشنطن لرسم تسوية محددة لا تجدي مع ذلك الرفض الشعبي . وعلى ضوء تلك المحددات وهي الرفض الشعبي وقرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام ، سوف تبقى صفقة القرن مجرد محاولة يائسة كما حدث في مؤتمر كامب ديفيد في عهد الرئيس كلينتون وواي ريفر وغيرها من الجهود الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية .

الوضع العربي والصفقة

جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلطة في الولايات المتحدة الأمريكية ، والوضع العربي في أدنى مستوياته حيث الحروب الأهلية المدمرة في أكثر من بلد عربي ، خاصة سوريا واليمن وليبيا ، كما أن الضعف العربي والخلافات العربية-العربية في أعلى مستوياتها حيث الخلافات العربية والأوضاع الاقتصادية المتردية وغياب العدالة الاجتماعية والتراشق الإعلامي والتدني الأخلاقي في ذلك التراشق والأزمة الخليجية التي أضافت بعدا سلبيا جديدا للمشهد العربي مما جعل الرئيس ترامب وإدارته من صقور الجمهوريين يحاولون استغلال هذا المشهد العربي الضعيف والدفع بتسوية ، قد تنجح رسميا من خلال الإغراءات المادية وتبادل الأراضي تارة أو من خلال استغلال الخلافات العربية واستغلال الأزمات العربية كما حدث في أزمة الخليج في بدايتها تارة أخرى.

إذن الوضع العربي هو الذي شجع ترامب وبإيعاز من الكيان الإسرائيلي بأن الوقت أصبح مناسبا لتصفية القضية الفلسطينية والترويج لمشروع مارشال مصغر في الشرق الأوسط من خلال إعادة إعمار قطاع غزة كمدخل لتنفيذ تلك الصفقة المشبوهة ، بل ووصل الحد إلى استبعاد السلطة الوطنية من تحركات كوشنر ، رغم أن الموضوع هو فلسطيني ويهم الشعب الفلسطيني . ومن هنا فإن الثوابت الفلسطينية والعربية ستبقى ثابتة حيث لا يمكن لأي قائد عربي أن يغامر بمستقبله السياسي في ظل احتقان شعبي فلسطيني وعربي جراء الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وفي ظل انحياز أمريكي في مجلس الأمن ضد حقوق الشعب الفلسطيني

المبادرة العربية

في ضوء القمة العربية الأخيرة بمدينة الظهران السعودية أبريل الماضي فقد تم التأكيد على المبادرة العربية كأساس للحل العادل والشامل للصراع العربي-الإسرائيلي ، وأن القدس الشرقية هي عاصمة للدولة الفلسطينية ومن هنا فإن أي صفقات أو تحركات مثيرة للجدل ، أو الضغط هنا وهناك لن تنجح ، وسوف يكون مصيرها الفشل ، في ضوء محاولات سابقة حاول عدد من الرؤساء الأمريكيين تسويقها من أبرزها محاولة إدارة الرئيس كلينتون بشكل خاص. ومن هنا فإن التسويق الأمريكي للصفقة أصبح مكشوفا ، وبالطبع فإن مصر والشعب المصري سوف يرفض اقتطاع أراضٍ من وطنه لصالح تلك الصفقة ، والتي ينبغي على الإعلام العربي تفنيدها لإيضاح أبعادها الحقيقية على المستويين العربي والدولي ، مع التأكيد على أن العرب يريدون السلام القائم على الحق والعدل ، والسلام لكافة شعوب المنطقة مع استعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في إطار حل الدولتين كما سبقت الإشارة إلى ذلك .

الضعف العربي هو الذي جعل الآخرين يتجرؤون على تسويق مثل تلك الصفقات الغامضة ، ولكن إرادة الشعوب لا تقهر، وكما يبدو أن الجولة الأولى لكوشنر ومعه منسق عملية السلام في المنطقة لم تنجح ، وهناك رفض شعبي كبير ، لها سواء في فلسطين أو في العالم العربي وهناك حملات إعلامية على شبكات التواصل الاجتماعي لمعارضة تلك الصفقة ومن يسوقها وسوف يكون الثمن باهظا إذا نجحت تلك التسوية .

الإعلام الإسرائيلي يسوق بأن هناك اتصالات إسرائيلية عربية على أعلى المستويات والهدف من ذالك التمهيد لتلك الصفقة حيث إن تلك الأخبار غير صحيحة ، ومن هنا فإن المعركة تبدو في هذه المرحلة إعلامية بدرجة كبيرة ، وعلى الإعلام العربي وخاصة وزراء الإعلام العرب أن يتبنوا استراتيجية مضادة لأية محاولة للانتقاص من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية في إطار حل الدولتين . وغير ذلك فإنه قد يغير الأوضاع في الشرق الأوسط بشكل دراماتيكي.

صحيح أن الضعف العربي الحالي قد يكون صعبا لمعارضة واشنطن ، ولكن الرفض الجماعي الشعبي والرسمي يعطي رسالة واضحة لواشنطن بأن مخطط الصفقة غير مقبول وأن البرلمانات العربية ترفض تلك التسوية ، ومن هنا فإن الاتحاد البرلماني العربي لابد أن يكون له موقف وكذالك النقابات العربية والمجتمع المدني حتى تكون هناك كتلة عربية داعمة لنضال الشعب الفلسطيني والذي لا يزال هو الرقم الصعب في أي تسوية للقضية الفلسطينية من خلال وقوفه المتواصل وتقديم التضحيات الكبيرة ضد الصلف الإسرائيلي والانحياز الأمريكي والعجز الدولي خاصة من الأمم المتحدة والذي أصبح دورها هامشيا في المشهد الإقليمي والدولي في السنوات الأخيرة .

إن مجلس الأمن أصبح مشلولا بسبب حق النقض -الفيتو- التي تستخدمه أمريكا بشكل متكرر بدليل أن مشروع القرار الأخير الخاص بالحماية الدولية للفلسطينيين في مجلس الأمن الدولي والذي أسقطه الفيتو الأمريكي. من جانب آخر فإن دول أمريكا اللاتينية أصبحت أكثر جرأه في انتقاد السلوك الأمريكي والهجوم على الكيان الإسرائيلي والتنديد بسلوكه الشائن ضد الشعب الفلسطيني وهي ظاهرة إيجابية ، لابد أن تستغل عربيا لصالح القضايا العربية . وفي المحصلة النهائية فإن أي تسوية سياسية لا تأخذ بعين الاعتبار الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني فسوف يكون مصيرها الفشل ، حتى لو كان العرب في أضعف حالاتهم وأن واقعهم سيئ ، لأن المقاربة تقول إن الشعوب هي التي سوف تحسم أمر أي تسوية خاصة القضية الفلسطينية ولن تستطيع أي قيادة المقامرة بقبول تسوية ظالمة لا تلبي تلك الحقوق الثابتة وهذا يفرض على العرب التأكيد على التمسك بالمبادرة العربية والتي لا تزال خيارا مطروحا على الطاولة كأساس موضوعي للسلام العادل والشامل وإنهاء الصراع في الشرق الأوسط .