أفكار وآراء

تصنيف الدول العربية في الفساد

30 يونيو 2018
30 يونيو 2018

حيدر بن عبد الرضا اللواتي -

[email protected] -

ما زالت معظم الدول العربية لم تحصل على 50 نقطة في مؤشرات إدراك الفساد وفق بيانات تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2017. فقد حصلت 19 دولة عربية من 21 دولة على أقل من 50 نقطة في هذا المؤشر، ومنها السلطنة التي حصلت على 44 مقابل 45 نقطة في عام 2016 و47 نقطة في عام 2012. وبذلك احتلت السلطنة المرتبة 68 عالمياً، فيما جاءت السعودية في المرتبة 57 عالمياً بحصولها على 49 نقطة لعام 2017 مقارنة مع 46 في تقرير 2016، في حين جاءت الكويت في المرتبة 85 عالمياً وحصلت على 39 نقطة في التقرير. أما البحرين فقد جاءت في المرتبة 103 عالمياً في مؤشر مدركات الفساد، وحصلت على 36 نقطة. وبالنسبة لبقية الدول العربية كما أشار تقرير منظمة الشفافية الدولية التي تتخذ من برلين بألمانيا الاتحادية مقرا لها .

وبالنسبة لبقية الدول العربية فقد تراجع ترتيب معظم الدول العربية التي تعاني من الحروب والويلات والفساد الاقتصادي والمالي والاجتماعي وغيرها من أنواع الفساد الأخرى بصورة كبيرة. ووفقا للتقرير فان المنطقة العربية تعاني من الصراعات العنيفة وتتبع الأنظمة الدكتاتورية، الأمر الذي يساعد على تفشي الفساد، بجانب استمرارها في ممارسة الاعتداءات على حرية التعبير وحرية الصحافة وانتهاك قوانين المجتمع المدني، الأمر الذي يجسد مستويات الفساد في القطاع العام.

وكما هو معروف فإن منظمة الشفافية الدولية تعتبر من المنظمات الدولية غير الحكومية وتُعنى بمتابعة الفساد في العالم ومنها الفساد السياسي. وتنشر سنويا تقريرها حول الفساد في العالم، حيث أطلقت المنظمة مؤشر مدركات الفساد لأول مرة في عام 1995 ليصبح أحد أهم إصدارات منظمة الشفافية الدولية، وأبرز المؤشرات العالمية لتقييم انتشار الفساد في القطاع العام. ونتيجة لذلك أصبحت دول العالم تُعنى بهذه المؤشرات وتعمل على تحسين أوضاعها وتتبنى مزيدا من الإصلاحات للقضاء على الفساد. وقد عمدت عدة دول خلال السنوات الماضية إلى تحسين ملحوظ في درجة مؤشرها، ولكن ما زالت هناك دول في المنطقة العربية وخارجها تعاني من معدلات الفساد نتيجة لفساد المنظمات والهيئات الحكومية، وتعاني من أقل قدر من الحماية للصحافة والمنظمات غير الحكومية، بجانب سلوك الأفراد المرتبط بالفساد كالرشوة واختلاس المال العام، واستغلال السلطة لمصالح شخصية، والمحسوبية في مؤسسات العمل والخدمة المدنية وغيرها من المصالح الشخصية الأخرى.

وتقول المنظمة في هذا الصدد إن مؤشرات الفساد لعام 2017 تظهر أن غالبية البلدان تحرز تقدماً ضئيلاً أو معدوماً في القضاء على الفساد، موضحة أن الصحفيين والناشطين في البلدان الفاسدة يتعرضون للمخاطرة بحياتهم كل يوم في محاولة للتحدث عن الفساد ومخاطره. ويضم مؤشر الفساد العالمي 180 بلداً من حيث مستويات مختلف أنواع الفساد، حيث تحصل المنظمة على معلوماتها من عدة مصادر من القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني بجانب الأجهزة والوسائل الإعلامية الرسمية وغير الرسمية.

ويوضح التقرير السنوي للمنظمة أن غالبية الدول العربية لا تُظهر أي تغيير كبير في مؤشر عام 2017 مشيرا إلى أن عدة دول عربية مثل الأردن ولبنان وتونس اتخذت خطوات صغيرة وإيجابية نحو محاربة الفساد وزيادة الشفافية والنزاهة، بجانب لبنان الذي حقق بعض الخطوات الصغيرة في عام 2017 مع إقرار قانون الوصول إلى المعلومات. كما تتابع المنظمة التغييرات والتطورات التي تحصل في الحكم الرشيد لموارد الدول العربية كالنفط والغاز والمعادن وغيرها من القطاعات غير النفطية، ومدى الاهتمام الذي توليه المجالس والهيئات الرقابية التي تشرف على هذه القطاعات واتخاذها للقرارات التي تخدم صالح الاقتصادات الوطنية، وإجراءات المحاكم تجاه الفاسدين.

ورغم الجهود المتبعة من قبل المؤسسات المعنية في الدول العربية تجاه محاربة الفساد، فان الفساد – وفق بيانات المنظمة- لا يزال قائماً في هذه البلدان وفي جميع أنحاء المنطقة. وترى المنظمة أن النتائج السلبية في المؤشر تعكس الفساد السياسي الذي يدمر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، مشيرة إلى أن الأنظمة السياسية في بعض تلك الدول تدار من قبل النخب الحاكمة التي تسيء استغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب ملايين المواطنين المحرومين، الأمر الذي يتطلب الفصل بين السلطات، وضرورة إيجاد مؤسسات عامة قوية، واتباع آليات شفافة ومحاسبة قوية، بجانب تطبيق قوانين ولوائح مكافحة الفساد لتكون أكثر تشدداً في الإصلاح السياسي والمؤسسي الحقيقي، وإعطاء مساحة أكبر لمؤسسات المجتمع المدني التي تراجع دورها منذ الأحداث التي شهدتها الدول العربية في عام 2011. وقد نتج عن ذلك تزايد الحملات على المعارضة السياسية، وعلى حريات التعبير ووسائل الإعلام المستقلة ومنظمات المجتمع المدني، مشيرة إلى أن الفساد يزدهر في البيئات التي يقل فيها قول الحقيقة وتعتبر مهمة شاقة ومحفوفة بالمخاطر. وأوردت المنظمة أسماء عدة دول عربية في المنطقة وخارجها ممن صعدت من هجماتها وقيودها على حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، وحلت مؤسسات المعارضة السياسية الرئيسية وسجن أصحابها، وإلغاء جنسيات أبنائها الذين انتقدوا الحكومات، وأخضعوا المجتمع المدني ونشطاء مكافحة الفساد إلى حظر السفر والاستجواب التعسفي، الأمر الذي يؤدي إلى تصدر تلك الدول وبسرعة مؤشر الفساد، ناهيك عن قيام بعض الحكومات العربية بالرد وبقبضة من حديد على دعوة الناس إلى الكرامة والعدالة الاجتماعية ووضع حد للفساد وإساءة استخدام السلطة.

ومن هذا المنطلق تبدي الحكومات في العالم اهتماما كبيرا لهذه القضايا في الوقت الذي تتابع فيه مؤسسة الشفافية الدولية هذه المؤشرات التي تقدم نظرة عامة حول المستويات المتصورة للفساد في القطاع العام في بلد ما. وهذا الأمر لا يعكس الصورة الكاملة والمتنوعة للفساد، لأن هناك دولا تعمل على إيجاد الإدارة الجيدة والفعالة لديها، وتعمل على تحسين أنظمتها المالية في عمليات المشتريات العامة والمناقصات والبيع، وتحسين إمكانية الوصول إلى الخدمات العامة والبنية الأساسية، إلا أنها تفرض قيوداً شديدة على الحريات المدنية والعامة، وتقمع أي شكل من أشكال المعارضة السياسية أو النقد الموجه للمؤسسات الحاكمة. وتؤكد المنظمة بأن الأبحاث المكثفة التي أجرتها في هذا الصدد توضح أن الحد من الفساد على المدى الطويل يتطلب المشاركة الكاملة والنشطة للمجتمع المدني والإعلام.

إن نتائج الفساد في الدول العربية التي تعاني من الحروب والصراعات كانت سيئة جدا من حيث المؤشرات، وتشمل كل العراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن التي تعاني كلها من ضعف المؤسسات العامة والنزاعات الداخلية وعدم الاستقرار، الأمر الذي يسمح بتفشي الفساد، وتآكل جميع أشكال الحكم الرشيد. وهذا الأمر يتطلب العمل بإرادة سياسية جادة وحقيقية للتغيير وإصلاح المؤسسات الفاسدة سياسياً من خلال قيام الحكومات العربية باتخاذ إجراءات طويلة الأجل لإنشاء مؤسسات شفافة وخاضعة للمساءلة، وملاحقة المخالفين والمؤسسات الفاسدة، والسماح بمشاركة المواطنين في المجالس المحلية ومؤسسات المجتمع المدني بالتحدث وكشف الفاسدين، وتعزيز مشاركة أعضاء هذه المؤسسات وحماية النشطاء والصحفيين من أي ممارسات سلطوية حتى يتمكنوا من فضح ومكافحة الفساد. وبدون هذه الإصلاحات الجادة والهامة، سوف يستمر الفساد في الازدهار والنمو، الأمر الذي سيزيد من تفاقم المشاكل والسرقات والعمل من أسفل الطاولة، بجانب حدوث عدم استقرار سياسي واقتصادي في المنطقة وإعاقة العمل التنموي والإصلاحي. إن المؤشر الأخير لمؤسسة الشفافية وبناء على ما ورد فيه من المعلومات تبعث على القلق، حيث تؤكد المنظمة أنه على الرغم من مساعي محاربة الفساد في مختلف أنحاء العالم، إلا أن جهود معظم الدول تبقى متعثرة.