أفكار وآراء

اللاجئون ...مأساة العالم المعاصر !!

29 يونيو 2018
29 يونيو 2018

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

لم يخرج العالم بعد من دائرة الجوع الجهنمية والتي تمثل وعن حق ضربا من ضروب عار العالم المعاصر، التي بدا وكأن هناك دربا مهلكا جديدا وفوهة قاتلة تنفتح على شعوب الأرض عنوانها اللاجئون والمهجرون عنوة وقسرا من بلادهم، هؤلاء الذين ألقت بهم قوارب الموت على سواحل العالم الغني المتقدم، العالم الثري الذي استطاع عبر الحصول على المواد الخام من الدول التي استعمرها سابقا أن يراكم ثروات ويقيم نهضات اقتصادية ومالية، وها هو يتسبب الآن في كوارث جديدة للفقراء من خلال خطط سياسية واقتصادية أدت إلى تيار اللاجئين الجدد إن جاز التعبير.

نهار الأربعاء 20 يونيو كان العالم يحتفل باليوم العالمي للاجئين، وفي الواقع لم يكن الأمر احتفالا بالمعنى الإيجابي، بل جل المراد منه الإشارة إلى هذا الخطر الداهم والذي يكاد يحول استقرار كثير من بقاع وأصقاع العالم إلى مناطق قابلة للانفجار، لا سيما وأن تيار الهجرة وما يستجلبه من لاجئين بات اليوم مدعاة لحروب ومناوشات كان العالم في غنى عنها.

عشية يوم اللاجئين العالمي كان التقرير السنوي للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يكشف عن أرقام مخيفة للاجئين حول العالم أولئك الذين بلغوا أكثر من 68 مليون لاجئ حول العالم أي بزيادة قدرها أربعة ونصف في المائة عن العام السابق.

ولعل علامة الاستفهام الجدير بالتوقف أمامها ما الذي جرى ودفع تلك الملايين في طريق اللجوء الخارجي، أي سعيا نحو دول العالم المشاطئية كما الحال في ذاك البؤس الذي جرى لبعض الدول العربية مثل العراق وسوريا وليبيا، وأما اللجوء الداخلي، كما يجري في الكثير جدا من دول إفريقيا، أما عن آسيا فحدث ولا حرج عن أزمة الروهينجا في ميانمار ومحاولات الضحايا هناك اللجوء إلى مناطق خالية من النزاعات في أقرب نقطة جغرافية داخلية متصلة بقطاعهم الجغرافي.

مؤلم جدا على النفس أن تظهر بيانات الأمم المتحدة أن 70% من اللاجئين في العالم قد فروا من خمس دول فقط هي سوريا وأفغانستان وجنوب السودان وميانمار والصومال، وهى دول عربية وإسلامية، ولم نسمع بالمرة عن لاجئين من دولة أوروبية، فقد عرف الأوروبيون كيف لهم أن يحتضنوا ذويهم في أوروبا الشرقية قبل عقدين من الزمن.

يعن لنا أن نتساءل من هو اللاجئ بداية الأمر؟

عرف القانون الدولي في اتفاقية عام 1951 اللاجئ: بأنه الشخص الذي يطلب اللجوء والإقامة من بلد آخر غير بلده، لأسباب كثيرة منها الحرب، والفقر والإرهاب.

وإما أن يكون اللجوء إنسانيا وهو الأكثر شيوعا في العالم وينجم عن الحروب أو النزاعات العرقية أو الأثنية.

كما يكون اللجوء سياسيا وذلك نتيجة خطورة على الشخص طالب اللجوء من قبل بلده، بسبب مواقفه السياسية من الحكومة أو السلطات في بلده.

والشاهد أن الاحتفال باليوم العالمي لللاجئين قد بدأ عام 2001، رغم أنه في ذلك الوقت لم تكن الأزمة قد انفجرت على هذا النحو الذي نراه الآن وبعد سنوات الضباب العربي من جهة، ومن جهة ثانية من جراء الحروب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على عدد من دول العالم بحجة محاربة الإرهاب ومطاردة الإرهابيين.

ولعله من مصادفات القدر التي تثير السخرية أنه في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بذلك اليوم، كانت الولايات المتحدة الأمريكية الدولة رقم واحد حول العالم في المطالبة بإحقاق حقوق الإنسان، تقدم على فعل مضاد للحق الطبيعي للاجئين، أي الاحتماء بالجار والاستنجاد به ....ما الذي حدث على وجه الدقة ؟

ما جرى هو انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والذي حل محل مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

ولعل دافع أمريكا في هذا الانسحاب كان استباقيا، ذلك أن إدارة دونالد ترامب أدركت أن العالم برمته سيتحدث عن الفعل الغريب المتصل باللاجئين على الحدود بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين المكسيك، والفعل هو فصل أطفال اللاجئين عن ذويهم وأهاليهم مرة وربما إلى الأبد، وغالبا ما سيتم إرجاع الأهالي إلى المناطق التي جاؤوا منها، إلى أن يقضي النظام القضائي الأمريكي في حال ومآل هؤلاء الأطفال.

النموذج الأمريكي للتعاطي مع اللاجئين على هذا النحو يجيء في وقت تكاد فيه الأزمة تشتعل في الداخل الألماني بسبب إصرار وزير الداخلية الألماني الجديد «هورست زيهوفر» على فرض خطة أمنية شديدة التعقيد والقسوة على حدود ولاية بافاريا على نحو مستقل، الأمر الذي لم تقبل به المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» ويبدو أن ميركل تفقد يوما تلو الآخر أجزاء من شعبيتها، بسبب أنها فتحت الأبواب واسعة أمام اللاجئين لا سيما أولئك الذين عرفوا طريقهم إلى ألمانيا من الشرق الأوسط تحديدا.

هل ولدت أزمة اللاجئين حالة من حالات الانفجار الداخلي غير المرغوب؟

الشاهد أن الناظر لغالبية الدول الأوروبية اليوم يدرك أن هناك بالفعل أزمة يقف وراءها المعارضون للحكومات في الدول المستضيفة للاجئين وبخاصة السوريين، إذ يطالب هؤلاء بترحيل كل من دخل الدول الأوروبية بحجة أن الحرب قد انتهت، ونحن نستمع إلى هذه النغمة بنوع خاص وبصوت عال في ألمانيا أكثر من أي دولة أوروبية أخرى.

ولعل المتابع لمنحى الانتخابات التشريعية في أوروبا في العامين الماضيين يوقن تماما بأن اللاجئين كانوا طرفا وبطريق غير مباشر في النتائج المثيرة للقلق التي حصدها أنصار اليمين الأوروبي المتطرف والوسط منهم، بعد أن حققوا انتصارات واضحة على تيارات اليسار الأوروبي التقليدي.

ففي ألمانيا حصل الشعبويون على نحو مائة مقعد في البرلمان الألماني «البوندستاج».

الأمر ذاته حدث في إيطاليا حيث فاز تيار «النجوم الخمسة بنسبة كبيرة من الأصوات مكنتهم بصورة أو بأخرى من الإمساك بزمام الكثير من الأمور، وقد صارت قضية اللاجئين والمهاجرين في إيطاليا اليوم واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل، لا سيما في ضوء المواقف المعروفة لمثل تلك التيارات والتي تنادي عادة بطرد المهاجرين الذين قدر لهم الوصول سالمين إلى الشواطئ الأوروبية، عطفا على إغلاق الشواطئ الأوروبية أمام أي قوارب تحمل مهاجرين جددا، حتى وإن كان الخيار الوحيد أمامهم هو أن يبتلعهم البحر.

ولأن غالبية اللاجئين والمهجرين عنوة وقسرا من بلادهم من المسلمين فقد طفا على السطح بُعدٌ آخر أعاد إحياء مشاهد تاريخية من حقب مظلمة، بمعنى أن نظرة فريق اليمين الأوروبي المتطرف والمتشدد اليوم إلى هؤلاء اللاجئين باتت مختلطة عمدا غالبا بالنظر إليهم بوصفهم مسلمين يريدون الاستيلاء على القارة، ووجد هناك من يذكي نيران فترات القرون الوسطى التي عرفت الحروب الدينية بين الشرق والغرب، ولهذا لم يكن مثيرا أو غريبا أن ترتفع أصوات أولئك الذين يقولون بأن ازدياد أعداد اللاجئين يعني بصورة مباشرة «أسلمة أوروبا» ومن ثم تغيير ثقافة شعوبها وتقاليدهم وعاداتهم، وفي نهاية المطاف الاستيلاء على أراضيهم ولتضحى أوروبا في نهاية المشهد قارة للمسلمين.

في هذا الإطار على القارئ المحقق والمدقق أن يتساءل كيف يمكن لمثل هذه الروايات أن تؤثر على حياة اللاجئين وهل يمكن بحال من الأحوال أن يتم قبولهم في مجتمعات ممتلئة برؤى وتوجهات عنصرية على هذا النحو ؟

في الأعوام الأخيرة كان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان يرصد ظاهرة تنامي العنف والتمييز ضد طالبي اللجوء والمهاجرين واللاجئين بشكل مطّرد منذ العام 2015.

ويوما تلو الآخر تزداد حوادث العنف التي يتعرض لها اللاجئون إلى الحد الذي باتت تأخذ فيه طابعا ممنهجا ومدعوما من أحزاب اليمين بعينها، وهو ما يضعف قدرة اللاجئين والمهاجرين على الاندماج الفعلي في مجتمعات تعاملهم على أنهم خطر يخشى بقاؤه.

هل باتت هناك حتمية تاريخية ما تجاه اتفاق عالمي بشأن اللاجئين؟

ربما هذا ما أشار إليه الأمين العالم للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريس» مؤكدا ضرورة إعادة إرساء سلامة النظام الدولي لحماية اللاجئين في جميع أنحاء العالم، وكشف مؤخرا أنه سيتم خلال هذا العام عرض «اتفاق عالمي بشأن اللاجئين» على الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث سيتضمن هذا الميثاق سبل المضي قدما وإقرارا بالمساهمات التي يقدمها اللاجئون إلى المجتمعات التي تستضيفهم.

على أنه وسط الظلام المحيط بوضع اللاجئين في أوروبا بنوع خاص تبقى هناك أصوات. وكما يقال لا تجثُ ولم تجث حتى الساعة وأغلب الظن أنها لن تجثوَ لبث الكراهية تجاه الآخر.

من بين تلك الأصوات يأتي صوت البابا فرنسيس بابا الفاتيكان والذي تحدث طويلا جدا في محاولات دؤوبة ومستمرة من قبله لإيقاظ أصوات الأوروبيين قادة وشعوبا موجها رسالة مفادها أن المهاجرين لا يشكلون تهديدا، وأنه يجب حماية حقوقهم.

يؤكد البابا أن موضوع الهجرة ليس مجرد شيء يتعلق برقم، وإنما بأشخاص، فكل واحد منهم لديه تاريخ وثقافة ومشاعر وتطلعات خاصة به ... ويرى البابا أن هؤلاء هم إخواننا وأخواتنا، وأنهم بحاجة إلى حماية مستمرة بغض النظر عن وضعهم كمهاجرين.

ما الذي يمكن للمرء أن ينتهي إليه في قضية حيوية تشغل العالم في هذا التوقيت ؟

المؤكد أن أخطاء السياسة والسياسيين ولّدت الكثير من ردات الفعل ومن المخازي ومن الانفجارات التي أحدثت حركة غير مسبوقة في تاريخ الهجرات واللاجئين، فعلى الرغم من أن الهجرة قائمة منذ زمن بعيد إلا أنها لم تأخذ مثل هذا الشكل الذي نراه الآن.

مهما يكن من أمر فإنه لا يمكن التشكيك بمن يهجر أرضه بسبب الجوع أو البحث عن العدالة، وتركه تحت رحمة الأمواج ... أوروبا خاصة والعالم عامة .. الجميع مدعو لتجنب سطحية العيش، وبذل النفس من أجل تعزيز حقوق الأخوة في الإنسانية شاءت الظروف أن يكونوا وقودا لتلك الظاهرة المهلكة.