أفكار وآراء

صـراع قـوي علـى خلافــة مـيـركــل !

29 يونيو 2018
29 يونيو 2018

سمير عواد -

يواجه الاتحاد المسيحي، الذي يضم الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري الذي يتزعمه وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، في أسوأ مرحلة عرفها منذ تأسيسه، وتتجه الأمور إلى حدوث انفصال بين الحزبين الشقيقين. وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ الاتحاد المسيحي الذي يحكم ألمانيا للولاية الرابعة بالشراكة مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ولم يكن قد مر ثلاثة أشهر على تشكيل ميركل حكومتها الرابعة، منح زيهوفر، المستشارة الألمانية مهلة للتوصل إلى حل أوروبي لأزمة اللاجئين حتى نهاية شهر يونيو الجاري، وهدد بانفصال حزبه الحاكم في ولاية بافاريا عن الاتحاد المسيحي، وهي خطوة سوف تؤدي برأي المراقبين إلى انهيار حكومة ميركل وبالتالي نهاية عهدها الذي بدأ في نوفمبر 2005 عندما فازت بالانتخابات العامة ضد المستشار الاشتراكي جرهارد شرودر وكانت أول امرأة ألمانية تفوز بمنصب المستشار، وأول امرأة تشغله وتنحدر من ألمانيا الشرقية، علما بأن ميركل من مواليد مدينة هامبورج، لكن والدها الذي كان يعمل قسيسا، انتقل مع أسرته للإقامة في ألمانيا الشرقية، حيث ترعرعت ميركل وشبت على عادات وتقاليد الألمان الشرقيين. وكان المستشار الألماني الراحل هيلموت كول، هو الذي غير حياة ميركل وضمها لحكومته الأولى بعد أول انتخابات تمت في عام 1990 لعموم ألمانيا حيث شغلت مناصب وزارية مختلفة، إلى أن انقلبت على كول بعد فضح دوره في فضيحة الحسابات السرية لحزبه في سويسرا، التي كان يستخدمها في تمويل حملاته الانتخابية وطلبت منه في مقال نشرته صحيفة «فرانكفوتر الجماينه» أن يستقيل من منصبه، ثم أصبحت أمينة عامة للحزب ثم زعيمة له.

أما الآن فمن يرى قسمات وجه المستشارة الألمانية، فإنه يُدرك أنها أصبحت «جريحة» والسبب أنها أساءت تقدير تأييد الشعب الألماني وحكومات الاتحاد الأوروبي للخطوة التي قامت بها في مطلع سبتمبر عام 2015 عندما سمحت لألآف اللاجئين بدخول الأراضي الألمانية بدون وثائق ثبوتية وكانت تعتقد أنها قامت بعمل إنساني تستحق عليه الفوز بجائزة «نوبل»، لكن هذه الخطوة كانت الدافع الذي أعاد الحياة إلى حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، وساعده في الفوز بالانتخابات المحلية في عشر ولايات وفي سبتمبر 2017 نجح لأول مرة بدخول البرلمان الألماني «بوندستاج».

ويستبعد المراقبون نجاح ميركل في كسب تأييد دول الاتحاد الأوروبي لإنقاذها من السقوط السياسي، بينما تدنت شعبيتها داخل ألمانيا إلى أدنى مستوى، وليس مفاجئا أن شركاءها في الحزب الاشتراكي الألماني بدأوا يستعدون لمرحلة ما بعد ميركل، ومواجهة انتخابات جديدة، بل أن بدأ النقاش داخل حزبها المسيحي الديمقراطي حول من سيخلفها، في نفس الوقت، يرى العديد من المراقبين أن حدة انتقادها من قبل قادة الاتحاد المسيحي البافاري، تدل على قرب حدوث انفصال بين قطبي الاتحاد وانهيار حكومتها.

أربعة خيارات لخلافة ميركل

وبحسب تقرير للقناة الإخبارية الألمانية «أن تي فاو» هناك أربعة خيارات أمام حزب ميركل لتعيين خليفة لها في حال استقالتها من منصبها. الخيار الأول: تعيين فولفجانج شويبلي مؤقتا في منصب المستشار إلى أن تجرى انتخابات جديدة، ويُعتبر شويبلي أقوى شخصية في الحزب المسيحي الديمقراطي ويحظى بتعاطف من قبل غالبية المواطنين الألمان. وكان قد وضع اتفاقية اندماج الألمانيتين بعد انهيار جدار برلين، وكان الكثيرون يعتقدون أنه ولي العهد في عهد كول، لكن فضيحة الحسابات السرية أدت لحصول قطيعة بينهما. وشغل شويبلي منصب وزير الداخلية في حكومة ميركل ثم وزيرا للمالية ومنذ قرابة ثلاثة أشهر يرأس البرلمان الألماني. ويُقال إنه حاول التوسط بين ميركل وقادة الحزب البافاري الذين رفضوا التراجع عن موقفهم حتى توافق ميركل على خططهم المتشددة تجاه اللجوء. ويريد البافاريون إغلاق الحدود الألمانية والأوروبية بوجه اللاجئين وإبعاد المرفوضة طلباتهم بالسرعة الممكنة. وكان شويبلي قد تعرض لإطلاق رصاص من قبل ألماني قيل إنه معتوه، حيث أصيب بشلل في الجزء السفلي. وطُرح اسمه لمنصب رئيس الجمهورية لكنه كان يفضل العمل الجدي في السياسة الألمانية. ويُعتبر من أقدم أعضاء البرلمان الألماني الذي انتسب إليه قبل 45 عاما.

الخيار الثاني: لو تُرك الخيار لميركل كي تختار خليفا لها لاختارت أنيجريت كرامب كارينباور الرئيسة السابقة لحكومة ولاية السارالتي تخلت عن منصبها لكي تشغل منصب الأمينة العامة للحزب المسيحي الديمقراطي وتستغل منصبها في الحزب للتدرب على ممارسة منصب المستشارة إذا خلفت ميركل في القريب أو في المستقبل. وتتمتع AKK كما ينادونها باسمها المختصر، بتأييد من قبل حزبها ومن قبل المواطنين الألمان، وكما أثبتت التجارب فإن ما يميزها عن سياسيين آخرين في حزب ميركل، أنها قادرة على الفوز بالانتخابات كما حصل في انتخابات ولاية السار الأخيرة عندما نجحت بإنهاء تحالف الاشتراكيين والخضر وساعدت ميركل في الفوز بمنصبها للمرة الرابعة.

الخيار الثالث: وهو الاسم المفضل لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ينس شبان، وزير الصحة الألماني الذي يرتبط بصداقة وثيقة مع السفير الأمريكي الجديد لدى برلين، والجميع يعرف منذ وقت أن له طموحات بأن يخلف ميركل، واستغل عدة فرص لانتقاد سياساتها، وكان ضمن سياسيي الحزب المسيحي الديمقراطي عندما بدأ التشكيك بسياستها تجاه اللاجئين.

الخيار الرابع: يوليا كلوكنر، وزيرة الزراعة وحماية المستهلك، نائبة ميركل في رئاسة الحزب، لكنها خلافا لـ AKK وشبان، فإنها موالية لميركل، وتحافظ على الابتعاد عن المنافسة على خلافة ميركل، لكن لها طموحات ومشكلتها أنها لم تفز بأي انتخابات ترشحت فيها.

الثابت أن ألمانيا تمر بمرحلة حساسة، وكان آخر ما فكرت فيه ميركل عندما سمحت للاجئين قبل ثلاثة أعوام دخول الأراضي الألمانية، أن تكون قد مهدت بنفسها لنهاية عهدها السياسي، وهو ما فشل به أربعة رجال في الحزب الاشتراكي حاولوا إقصاءها عن السلطة في برلين.