إشراقات

صحابيات في المعركة

28 يونيو 2018
28 يونيو 2018

زهرة سليمان أوشن -

كانت غزوة أحد أول معركة في الإسلام تشارك فيها نساء المسلمين، وقد أظهر الصحابيات - رضوان الله عليهن - فيها بطولات فذة وقدرة على تحمل الأعباء والقيام بالواجبات في تلك المعركة، وقد كانت مشاركتهن في عدة أدوار، منها سقاية العطشى ومداواة الجرحى، بل إن منهن من حملت السلاح في الدفاع عن النبي - -صلى الله عليه وسلم- - وكن مثالا للثبات بعدما حدث من انهزام لجيش المسلمين إثر التفاف جيش الكفار عليهم نتيجة لمخالفة الرماة لأوامر النبي - -صلى الله عليه وسلم- - ونزولهم من الجبل ظنا منهم أن المعركة انتهت. وكذلك كان للصحابيات دور في زرع الحماس في الجيش الإسلامي في هذا المعركة، وكان لهن مواقف مشرفة في تلقي أخبار استشهاد أحبابهن بعد المعركة. وسنحاول في هذا المقال أن نستعرض جانبا من تلك المشاركات، وهاتيك المواقف في النقاط التالية:

  • من النساء اللاتي شاركن في هذه الغزوة عائشة بنت أبي بكر الصديق، وأم أيمن بركة الحبشية، وأم عمارة نسيبة بنت كعب، وحمنة بنت جحش، وأم سليط، وأم سليم ونسوة من الأنصار كما تذكر كتب السير.
  • القيام بالسقاية ومداواة الجرحى في المعركة: ورد في كتاب الطبقات لابن سعد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي - -صلى الله عليه وسلم- - قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهن تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم)، وأوردت كتب السير قول كعب بن مالك -رضي الله عنه-: رأيت أم سليم بنت ملحان وعائشة بنت أبي بكر على ظهورهما القرب يحملانها يوم أحد، وكانت حمنة بنت جحش تسقي العطشى وتداوي الجرحى وكانت أم أيمن تسقى الجرحى.

    وها هي الربيع بنت معوذ الصحابية الجليلة تحدثنا فتقول: (كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- نسقي، ونداوي الجرحى، ونرد القتلى إلى المدينة)، وذكرت كتب المغازي عن أبي حازم أنه سمع سهل بن سعد -رضي الله عنه-وهو يسأل عن جرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أما وإني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال كانت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تغسله. - نسيبة بنت كعب والدور المميز في معركة أحد: إنها أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية التي أبلت بلاء حسنا في الدفاع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكانت تقاتل قتالا شديد حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا ما بين طعنة برمح وضربة بسيف، حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان، يعدد نفرا من الصحابة، وقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة، ودعا لها ولأسرتها قائلا: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة.

    وبعد هذه الجولة القصيرة لمشاركة الصحابيات في معركة أحد نقف عند بعض المواقف المشرقة والمشرفة التي سجلتها بعض الصحابيات في تلقي أخبار استشهاد ذويهن بعد المعركة.

    الموقف الأول: سجلته صفية بنت عبد المطلب -رضي الله عنها- عمة النبي -صلى الله عليه وسلم-: فلما استشهد أخوها حمزة بن عبد المطلب في أحد، وجاءت لتنظر إليه وقد مثل به المشركون، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لابنها الزبير بن العوام: (القها فارجعها)، لا ترى ما بأخيها، فقال لها: يا أمه إن رسول الله يأمرك أن ترجعي، قالت، ولم؟ وقد بلغني أنه قد مثل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما في ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله، فلما جاء الزبير إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك، قال: خل سبيلها، فأتته، فنظرت إليه، فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له.

    الموقف الثاني: كانت بطلته المرأة الدينارية -رضي الله عنها- فقد ورد في كتب المغازي والسير عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه قال: مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله بأحد، فلما نعوا لها، قالت: فما فعل رسول الله - -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا: خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته، قالت: كل مصيبة بعدك جلل - أي صغيرة خفيفة. الموقف الثالث: أضاءته أم سعد بن معاذ، وهي كبشة بنت عبيد الخزرجية - رضي الله عنها - إذ تروي كتب المغازي أن أم سعد بن معاذ خرجت تعدو نحو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله واقف على فرسه، وسعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه، فقال سعد: يا رسول الله، أمي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مرحبا بها، فدنت حتى تأملت رسول الله، فقالت: أما إني رأيتك سالما، فقد أشوت المصيبة - أي صارت صغيرة خفيفة - فعزاها رسول الله بعمرو بن معاذ ابنها.. هذه جولة سريعة لمواقف تكتب بمداد من ذهب وتجسد قيم الإيمان والصبر والحب الحقيقي لله ورسوله من ثلة من الصحابيات الرائعات، عسى أن تكون هذه المواقف نبراسا تهتدي به نساؤنا ويجعلن من هؤلاء الثلة المباركة قدوة لهن.