1375033
1375033
إشراقات

خطبة الجمعة تدعو إلى الأخذ بأيدي المصابين بداء التدخين ومحاولة إقناعهم بالتخلي عنه

28 يونيو 2018
28 يونيو 2018

كواجب إنساني وفريضة دينية وخلق نبيل -

دعت خطبة الجمعة التي تعدها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية إلى أن الأخذ بأيدي المصابين بداء التدخين ومحاولة إقناعهم بالتخلي عن التدخين واجب إنساني، وفريضة دينية، وخلق نبيل كريم. وطالبت بتكاتف أفراد المجـتمع جميعا لأجـل تحـقيق هذه الغاية المحمودة.

وطالبت بتأسيس مؤسسات تعنى باحتضان أمـثال هؤلاء المصابين بهذه الآفة، مشيرة إلى أن بعض هذه المؤسسات متوافرة، ولله الحمد، في هذا البلد المبارك، فلا بد من تعريف المجتمع بدور تلكم المؤسسات، ووصـل المتعاطين بها حتى يتسنى لهم التخلص من إدمانهم للتدخين بكل سهولة .. وإلى ما جاء في الخطبة.

الحمد لله الذي وهبنا صحة وعافية، ونعما كثيرة وافية، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله:

اتقوا الله تعالى، واعـلموا أن نعم الله على الإنسان عظيمة جليلة، ومن بينها نعمة الصحة والعافية، وما وهبه الله تعالى لعباده من أبدان سليمة، وأجسام صحيحة. ومن المحزن حقا أن نرى من لا يقدر هذه النعمة قدرها، ولا يقوم بحقها، وذلك عندما يعمد الواحد إلى فعـل ما يهدم صحـته، ويوقع نفسه في الأمراض والعلل المسـتعصية، فيتعاطى التدخين، ويسجـل نفسه في قائمة المدخنين، والتدخين مرض العصر الفتاك، وتنشر منظمات الصحة العالمية بشكل دوري أرقاما هائلة عن ضحاياه والمصابين به. إن تعاطي التبغ ـ يا عباد الله - من أكبر الأخطار الصحـية التي شهدها العالم على مر التاريخ، فهو يودي كل عام بحياة ستة ملايين نسمة تقريبا، منهم أكـثر من خمسة ملايين ممن يتعاطونه أو سبق لهم تعاطيه، وأكثر من ستمائة ألف من غير المدخنين المعرضين لدخانه غير المباشر، ويقضي شخص واحد نحـبه في كل ست ثوان تقريبا بسبب التدخين.

أيها المؤمنون:

لقد أمر الله تعالى عباده بتناول الطـيب من الطعام فقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)، وبين سبحانه أنه بعث رسوله -صلى الله عليه وسلم- محللا للطـيبات ومحرما للخبائث فقال: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)، ولا يرتاب عاقل بأن الدخان ليس مطعوما طيـبا بل هو مندرج ضمن الخبائث التي بعث نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بتحريمها، كما بين كتاب الله تعالى حرمة اعـتداء الواحد منا على نفسه فقال: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا).

عباد الله:

يقول الحق تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، ولا ريب أن ذلك العامد إلى تناول الدخان مهـلك لنفسه ومهـلك لغيره؛ لأن الطب قد أثبت أن المصابين بالتدخين غير المباشر عددهم غير قليل، وأول من يصاب بما يدعى التدخين السـلبي هم أهـل المدخن وولده، فأسرة المدخن على خطر عظيم؛ لكونهم عرضة لاسـتنشاق ما ينفثه المدخن من ملوثات حوله وحول من يعاشره، وقد حرم الإسلام الإضرار بالغير كتحريمه الإضرار بالنفس، ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لا ضرر ولا ضرار))، والضرر والأذى لا يحل إلحاقه بالآخرين، قال رب العالمين: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا)، وحسـبنا في دفع الأذية عن أنفسنا والآخرين ما سنه لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- من اسـتعاذة نكررها صباح مساء: «اللهم إني أعوذ بك من أن أقـترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسـلم» فأي سوء يجره المسـلم على نفسه وعلى غيره أعظم من اسـتنشاق هذا الدخان الخبيث الملوث وتعاطيه؟ ولقد بينت الفحوصات الطـبية المختبرية أن دخان التبغ يحـتوي على أكثر من أربعة آلاف مادة كيميائية، منها مائتان وخمسون مادة على الأقل معروف عنها أنها ضارة، وخمسون أخرى معروف عنها أنها تسبب السرطان.

معاشر المؤمنين:

فضلا عن الأمراض الجسمية الناجمة عن التدخين التي يتحدث عنها الأطباء، فلا يغيب عن الأذهان ما يصاب به متعاطي الدخان من أمراض عصبية ونفسية، من سرعة انفعال واخـتلال تركيز وتغير مزاج، وما يسـتنزف لأجـل الحصول على منتجات التبغ من اقتصاد ومال، وقد ورد: ((لا تزول قدما عبد من عند ربه يوم القيامة حتى يسأل عن أربع؛ عن عمره فيم أفـناه، وعن شبابه فيم أبـلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم))، فكيف يرضى لنفسه عاقل أن يصرف ماله الذي ائتمنه الله عليه فيما لا يرضي المولى سبحانه، وفيما يعود على نفسه بالعلل والأوجاع والأسقام والآلام؟ إن تأثير استنزاف الأموال لأجل الحصول على منتجات التبغ لا يقتصر على دخل الفرد فحسب، بل يؤثر في الحالة الاقتصادية لأسرته، كما ينسحب التأثير السلبي على المجتمع والوطن بأسره، وتلكم الأموال التي تصرف من قبل ضحايا التدخين للحصول على منتجات الدخان ليست كل شيء، بل هنالك استنزاف للأموال في معالجة آثار التدخين على المدخنين، فإنهم يصبحون عبئا على دولتهم وعلى مستشفياتها وأطبائها لعلاج أمراضهم المستعصية، ومكافحة عللهم التي تستشري وتنتشر انتشار النار في الهشيم.

أيها المؤمنون:

إن الأخذ بأيدي المصابين بداء التدخين ومحاولة إقناعهم بالتخلي عن التدخين واجب إنساني، وفريضة دينية، وخلق نبيل كريم، ولا بد من تكاتف أفراد المجـتمع جميعا لأجـل تحـقيق هذه الغاية المحمودة، كما لا بد من تأسيس مؤسسات تعنى باحتضان أمـثال هؤلاء المصابين بهذه الآفة، وبعض هذه المؤسسات متوافرة، ولله الحمد، في هذا البلد المبارك، فلا بد من تعريف المجتمع بدور تلكم المؤسسات، ووصـل المتعاطين بها حتى يتسنى لهم التخلص من إدمانهم للتدخين بكل سهولة، والله تعالى يقول: (والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).

فاتقوا الله -عباد الله-، وتناصحوا فيما بينكم بالمعروف، واسعوا إلى جعـل مجـتمعاتكم خالية من ظاهرة التدخين بكل ألوانه، وليكن سعـيكم إلى ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.


الحمد لله، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فيا عباد الله:

نداء نوجهه إلى كل من وضع نفسه في قائمة المدخنين، لقد علمت ما يفعل التدخين بأهـله، ورأيت على علب السجائر التي تدخـنها التحـذيرات المتنوعة التي طبعت على ظهر علب التدخين مبيـنة أنه يسبب الوفاة المبكرة، وأنواعا من الأمراض الفتاكة الخطيرة، فإلى متى تبـقى السيجارة بيدك؟ وإلى متى تبـقى عبدا لها ترشف من لسانها السم الناقع، والبلاء الواقع، ألا يميز عقلك ما بين الضار والنافع؟ هل سلبت منك الإرادة؟ أين عزيمتك الوقادة؟ وأين همـتك الوثابة؟ لماذا لا تقاوم حتى تنجو قبـل أن تقع فريسة للداء العضال؟ لم لا تدفع شهوة التدخين بنفس تطمع في الصحة والسلامة؟ قبـل طول الندامة، وفوات زمن الملامة. ألا تحب أن تكون لك رئة نظيفة؟ وصدر خال من أمراض التنفس؟ إلى متى تصاحب السعال الشديد؟ وإلى متى تعاني الرجـفة والخفقان؟ وقد حال منك اللسان، واسودت الشفتان، واصـفرت الأسـنان؟ ألا تحس بأن لجسدك عليك حقا؟ فكيف أضعت حقه ولم تقم به؟ أليس جسدك عندك أمانة والله سائلك عنها؟ ألم يقل الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)؟

فيا -عباد الله-، توبوا إلى الله قبـل أن تموتوا، وابـتعدوا عن التدخين بأنواعه وأشكاله، وأبعدوا أهاليكم وأولادكم عنه، ووضحوا لهم خطورته وأضراره، وتعاونوا مع المصابين به آخذين بأيديهم إلى طريق الخلاص منه، والابـتعاد عنه، (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله أن الله شديد العقاب).

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).