أفكار وآراء

مسائل خارج سيطرة أوبك سترفع الأسعار

27 يونيو 2018
27 يونيو 2018

نك بتلر – الفاينانشال تايمز - ترجمة قاسم مكي -

انتهى آخر اجتماع لأوبك يوم الجمعة (22 يونيو الماضي) ببعض الارتباك إذ نقلت عنه أرقام مختلفة للزيادة المخطط لها في حجم الإنتاج. ويبدو أن الإضافة المستهدفة والتي تبلغ مليون برميل في اليوم قد تقررت في الاجتماع. لكن بعض البلدان لن تتمكن من الوفاء بهذا القدر مما يرجح أن السعودية هي التي ستكون، إلى حد كبير، مصدر الإمداد بصافي الزيادة الذي يصل إلى حوالي 700 ألف برميل في اليوم. لكن نتيجة اجتماع أوبك لا تفيد في توضيح الأمور بشأن قضيتين ستحددان شكل سوق النفط خلال الشهور والسنوات القادمة. أولاهما الوضع في فنزويلا والذي تحول من سيئ إلى أسوأ في الشهرين المنصرمين. في الأجل القصير سيظل الوضع هناك الباعث الأكبر على الشكوك التي تلقي بظلالها على سوق النفط. فقد هبط إنتاج فنزويلا من النفط من 1.36 مليون برميل في اليوم في مايو وذلك بمعدل يصل إلى حوالي 660 ألف برميل في اليوم وبما يقل كثيرا عن مستواه قبل عام مضى. وتحدثت وكالة الطاقة الدولية عن احتمال تدني إنتاجها إلى 800 ألف برميل في اليوم في العام القادم. وبالنظر إلى الانهيار المثير في المستويات المعيشية في فنزويلا من الصعب تخيل إمكانية بقاء الحكومة في السلطة هناك. لكن حتى الآن لم تتحقق التنبؤات حول التغيير السياسي. أما القضية الثانية الأكثر تقويضا لاستقرار سوق النفط في الأجل الطويل فهي احتمال حدوث زيادة حادة في ما يعرف بالنفط «المحصور» الذي يستخرج من ترسبات النفط الصخري في الولايات المتحدة. يصل حجم إنتاج النفط المحصور الآن إلى حوالى 5 ملايين برميل في اليوم. وسيرفع إجمالي حجم إنتاج الولايات المتحدة هذا العام إلى أكثر من 11 مليون برميل في اليوم، وهو أعلى رقم خلال 50 عاما تقريبا. لقد سبب النمو في إنتاج النفط الصخري في الأعوام العشرة الماضية اضطرابا هائلا ، أولا في سوق الغاز ، ثم لاحقا في سوق النفط. لقد تحولت الولايات المتحدة الآن إلى بلد تصدير لكل من النفط والغاز ، ولم تعد معتمدة على الواردات من الشرق الأوسط. وهذا تحول تترتب عنه نتائج سياسية كبرى. لكن ذلك كما يبدو تمهيد فقط. فحسب دراسة موثوقة أجرتها شركة « آي إتش إس ماركِت» ، وهي شركة استشارات كبرى يمكنها الوصول إلى مصادر البيانات التفصيلية، يوشك الحوض البيرمي في ولايتي تكساس ونيومكسيكو والذي يشكل الآن مركز إنتاج النفط الصخري الأمريكي على رفد السوق بالمزيد. وحسب توقعات الشركة، من المرجح أن ينتج هذا الحوض بحلول 2023 كمية إضافية من النفط الصخري تصل إلى 3 ملايين برميل في اليوم. هذا إلى جانب 15 بليون قدم مكعب من الغاز الإضافي. بالنسبة لاقتصاد الولايات المتحدة هذا شيء إيجابي. فأمريكا سيكون لديها مصدر آمن للإمدادات يُوَلِّد من خلال إنتاج هذه الإمدادات وتوزيعها واستهلاكها نشاطا اقتصاديا مؤثرا على امتداد الولايات المتحدة. وسيؤدي حجم الكميات الإضافية المنتجة إلى المزيد من الخفض في وحدة الإنتاج، ربما إلى أقل من 25 دولارا للبرميل. وتقدر الدراسة أن إجمالي الاستثمار المطلوب لإنتاج الإمدادات الجديدة سيكون حوالي 300 بليون دولار. بالنسبة لسوق النفط العالمية سيكون الأثر الذي سينشأ عن ذلك مثيرا. وستتحول الولايات المتحدة إلى مصدر هام للنفط. وتشير دراسة شركة «آي إتش إس « إلى أن الولايات المتحدة ستصدر بحلول عام 2023 حوالي 4 ملايين برميل في اليوم. وستمتص هذه الكمية جزءا كبيرا من النمو المتوقع في الطلب. ومن الممكن أن يضع ذلك قيدا على طموحات بلدان منتجة للنفط في المنطقة منها العراق وإيران في زيادة إنتاجها. وسيكون مطلوبا من أوبك ومنتجين آخرين مثل روسيا الاستمرار في إدارة الطلب تجنبا لهبوط حاد آخر في الأسعار. وستعقد اجتماعات عديدة أخرى لمنظمة أوبك. كما في الوقت ذاته ستتمتع البلدان المستوردة الرئيسية بما في ذلك الصين بسوق مشترين. (حسب موسوعة انفستوبيديا، سوق المشترين يعني الوضع الذي يتجاوز فيه العرض الطلب مما يمنح المشترين ميزة على البائعين في التفاوض حول سعر السلعة المعروضة في السوق. يستخدم هذا المصطلح عادة لوصف سوق العقار لكنه ينطبق على أية سوق أخرى توجد فيها كميات من منتج تزيد عن تلك التي يريد الناس شراءها. وعكس ذلك سوق البائعين حيث يتجاوز الطلب حجم العرض ويكون لدى مالكي السلعة ميزة على المشترين في التفاوض حول السعر - المترجم. كما ستتأثر سوق الغاز العالمية أيضا. فصادرات الولايات المتحدة من الغاز الفائض ستزيد الضغوط على هذه السوق الجيدة الإمداد أصلا. ولن تأتي الزيادة الكاملة في الإمدادات من الحوض البيرمي على الفور. فقد أدى التوسع في الإنتاج إلى استنفاذ السعة الكاملة لخط الأنابيب المحلي. ويجري الآن إنشاء أربعة خطوط أنابيب جديدة لنقل النفط من الحوض. ولن تكون قابلة للتشغيل حتى عام 2019. وسيكون ذلك هو الوقت الذي ستبدأ فيه الزيادة القادمة في الإنتاج الوصول إلى السوق. أما حالة البلبلة التي تكتنف هذه الأحداث وكذلك استمرار عدم الاستقرار في الشرق الأوسط فلن يفعل شيئا سوى تغذية التكهنات والتقلبات. ويجب عدم الوثوق بأي أحد يزعم أن في مقدوره التنبؤ بسعر النفط.

* الكاتب رئيس معهد السياسات بكنجز كوليدج - لندن