أفكار وآراء

أزمات المنطقة .. الآلية البراجماتية وضرورة الحوار !

27 يونيو 2018
27 يونيو 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

منذ عام 2011 وتفجر الثورات العربية والمنطقة تتجه إلى المجهول؛ فقد كانت ظاهرة ما يطلق عليه الربيع العربي كارثة حقيقية؛ لأنها انحرفت عن المسار الحقيقي المأمول، وهو إيجاد أنظمة سياسية تحقق العدالة الاجتماعية للشعوب، وتنطلق من خلالها تنمية مستدامة تأخذ في اعتبارها إعطاء الفرص للشباب العربي الذي يشكل النسبة الأكبر من سكان الوطن العربي، وبدلا من ذلك تصارعت النخب العربية كالعادة للاستئثار بالسلطة، وتدخلت المؤسسات العسكرية لتنطلق حروب أهلية طاحنة لا تزال مشتعلة في سوريا وليبيا واليمن، كما خلقت تلك الأزمات العربية تحالفات منها ضد ما يعرف بالإسلام السياسي الذي تم إنهاء تجربته، أو من خلال محاولة إيجاد عدو جديد، من خلال الآلة الإعلامية الأمريكية خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، وهو ما جعل المنطقة العربية تعيش وضعا معقدا، وجعل جامعة الدول العربية والأمن القومي العربي في خطر داهم، خاصة على صعيد قضية العرب المركزية، وهي القضية الفلسطينية، وغيرها من القضايا.

التحالفات وخطورة المرحلة

من خلال إلقاء نظرة فاحصة على الوضع الراهن في المنطقة نرى التجاذبات السياسية تدور حول مسألتين الأولى هي ما يراه البعض من التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية، وضرورة إيجاد حائط صد عربي لهذا التوجه، والمسالة الأخرى حول وجود تيار ضد الهيمنة الأمريكية على مقدرات المنطقة من خلال مشاريع التسوية من جانب، ومن خلال الاستغلال للدول الخليجية، عبر مبيعات السلاح التي تعد الأكبر على مستوى العالم من جانب آخر، وذلك على ضوء أرقام معهد ستوكهولم للسلام الذي يتابع ضمن أنشطته مبيعات السلاح في العالم.

الوضع في سوريا يعد كارثيا من خلال حرب بشعة راح ضحيتها أكثر من نصف مليون سوري، وتدمير البنية التحتية، وتم تبديد مئات المليارات من الدولارات في المواجهات العسكرية منذ أكثر من سبع سنوات، ومن جانب آخر الحرب في اليمن التي دخلت عامها الرابع وما يترتب عليها من معاناة الشعب اليمني الشقيق، كما تتواصل كذلك الحرب القبلية في ليبيا التي دمرت أخيرا مقدرات الشعب الليبي في منطقة الهلال النفطي في شرق ليبيا، ومن هنا فإن تقاطع المصالح بين الفرقاء في المنطقة وحولها، يشكل ضربة كبيرة للأمن والاستقرار في المنطقة.

على صعيد آخر فإن الأزمة الخليجية التي اندلعت قبل عام بين بعض دول مجلس التعاون أضافت بعدا جديد للمسار السياسي من خلال أزمة تداخلت فيها المصالح والحسابات السياسية والتقديرات غير الدقيقة، مما أضاف بعدا سلبيا لأزمات المنطقة، ومن هنا وأمام هذا الوضع المتأزم فإن المنطق السياسي يقتضي مراجعة شاملة، أولا للوضع العربي الراهن وبعد ذلك إطلاق حوار إيراني-عربي ينهي كل الإشكالات والاتجاه بالمنطقة إلى وضع أفضل لصالح الأجيال الحالية والقادمة من شعوب المنطقة التي لا مفر من أن تعيش معا بسلام.

إهدار المقدرات

من خلال أزمات المنطقة المشار لها أعلاه تم إهدار الكثير من المقدرات التي يفترض أن تتجه إلى تنمية الشعوب العربية، فالحرب في اليمن على سبيل المثال لا يمكن حسمها عسكريا، لأسباب جغرافية وتحالفات قبلية ووضع معقد في اليمن، وكذالك الحال في ليبيا وسوريا، كما أن الأزمة الخليجية تحتاج إلى حوار، واستمرارها يعني مزيدا من إهدار الثروات دون فائدة تذكر، خاصة أن هناك استغلالا واضحا لهذه الأزمة لبيع المزيد من الأسلحة لمنطقة لا تحتمل المزيد من الصراعات العسكرية بعد حروب مدمرة شهدتها المنطقة، خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

يبدو أن هناك شيئا مفقودا في الذهنية السياسية العربية، وهو عدم وجود ما يسمى بالبراجماتية السياسية، وهي ثقافة الجلوس مع الخصوم، إن صحت هذه التسمية، فالولايات المتحدة رغم حربها القاسية مع فيتنام جلست على طاولة الحوار معها في باريس، وهناك أمثلة عديدة ولكن العقلية العربية تأبى ذلك، عبر منظور إما منتصر على الخصم، أو مستمر في المعارك، رغم كل شيء، وهذه أزمة كبيرة تحتاج إلى مناقشتها علميا، كظاهرة ظهرت دوما في الصراعات في المنطقة، ومن هنا فإن التفكير المنطقي يقول إن الحوار هو الخيار الوحيد لإنهاء الصراعات، وإن التصميم علي مسار الحروب، هو منطق لا فائدة حقيقية منه.

فالمنطقة العربية عموما تعيش أوضاعا كارثية فالحروب الأهلية تشتعل في أكثر من منطقة والتضامن العربي في أضعف حالاته، وأصبحت عدد من دول أمريكا اللاتينية أكثر حماسا وإنصافا للقضية الفلسطينية في مداولات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة وأصبح التراشق الإعلامي بين العرب ظاهرة متدنية، مما يستدعي مراجعة شاملة للوضع العربي الذي أصبح مفككا، وتم استغلاله من الآخرين حيث إن تواصل تلك الأزمات سوف يجعل من المنطقة حقل تجارب للحروب حيث إن الدوائر العالمية لا يهمها مصالح العرب بقدر ما يهمها المقدرات والموارد العربية التي يتم استنزافها بشكل ممنهج بوسائل متعددة، ومن هنا فإن صوت العقل لابد أن يسود، فهناك تأزم في علاقات المشرق العربي بالمغرب العربي الكبير، علي ضوء خلفيات محددة، بعضها يرجع إلى المواقف من الأزمات في سوريا واليمن وليبيا، وبعضها يعود إلى الوضع في الصحراء المغربية، وبعضها بسبب المواقف من الأزمة الخليجية، وهذا يعود بنا إلى مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن إما أن تكون معي أو ضدي !!

ضرورة الحوار

رغم التهديدات الملتهبة والنارية بين الزعيم الكوري الشمالي و بين الرئيس الأمريكي التي وصلت إلى حد التهديد النووي جلس الرجلان في إحدى جزر سنغافورة قبل نحو أسبوعين، وتصافحا وناقشا قضايا الخلاف، مما نتج عنه على الأقل تهدئة الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية.

ومن هنا فإن البراجماتية السياسية، تفرض على المتخاصمين الجلوس بدلا عن تبادل التصريحات العدائية بين دول المنطقة، ومن هنا فإذا تم جلوس القادة في إيران والقادة في دول مجلس التعاون أو بعضهم، على سبيل المثال، سوف يكون ذلك رسالة مهمة للعالم، بأن الجميع على ضفتي الخليج يريد السلام وأن هذه المنطقة الحيوية من العالم آن لها أن تستقر وأن تنعم المنطقة وشعوبها بالسلام والتعاون وتبادل المصالح والبعد عن الكراهية المتبادلة، وأن يكون التسامح و مبادئ الدين الإسلامي الحنيف الداعية للسلام والوئام والاحترام المتبادل بين الشعوب مدخلا بين شعوب المنطقة لإنهاء التوتر الذي يخيم علي المنطقة.

الحوار العقلاني هو الخيار الوحيد لأن الحرب سوف تدمر الجميع وسوف تكون مصانع الأسلحة في الغرب والشرق على حد سواء، هي المستفيد الأكبر من هذه الحروب والصراعات، كما سوف تكون شعوب المنطقة هي الخاسر الأكبر، من خلال تبديد أحلام الأجيال ومستقبلها، فالمنطقة وجدت ليعيش عليها الجميع، ولا يمكن لأي طرف السيطرة عليها، أو الاستئثار بها تحت أي ظرف من الظروف، وإذا كانت هناك مخاوف أو ملاحظات تجاه طرف أو آخر فإن الكتلة العربية من خلال الحوار سوف تكون قادرة علي إظهار تلك الملاحظات أمام العالم، وعلى كل الأطراف أن تعيش بسلام مع جيرانها؛ لأن سياسة التمدد على حساب الآخرين ليست مفيدة ولا مقبولة.

الأمن القومي العربي لا يتجزأ، ومع ذلك فإن وجود دولة إسلامية مهمة كإيران على الجانب العربي وقضاياه العادلة خاصة في فلسطين، سوف يشكل كتلة عربية-إسلامية مهمة، ومن هنا فإن الدعوة إلى خيار الحوار هو الآلية الصحيحة لإنهاء كل الخلافات، وأيضا إنهاء الصراعات في المنطقة؛ فمسألة الاستقطاب التي تدور حاليا بين بعض الدول العربية وإيران لن تأتي بشيء مفيد لكل الأطراف وشعوبها، وكما نقول دوما فإن الالتقاء على كلمة سواء، هو الخطوة التي لابد من التركيز عليها في المرحلة القادمة حتى لا تتفاقم الأمور، ويخسر الجميع، سواء على نفقات السلاح التي تكدس دون فائدة أو تستخدم في صراعات عسكرية تكون الشعوب هي أولى ضحاياها، وعلى ضوء تلك المحددات فإن أزمات المنطقة العسكرية والسياسية تحتاج إلى ذلك المفهوم البراجماتي لنشهد نقلة نوعية في التفكير السياسي العربي، ولنرى دول مجلس التعاون على طاولة الحوار لإنهاء الأزمة، وأيضا نرى قادة إيران وعدد من الدول العربية علي طاولة حوار تناقش فيها بشفافية، كل أسباب الخلاف وتفتح فيها الملفات بكل بصراحة للوصول إلى قناعات بأهمية العمل سويا لصالح استقرار وأمن المنطقة ككل.

وبدون هذه الفلسفة السياسية فإن المنطقة سوف تدخل في نفق مظلم، وسوف يتواصل الاستغلال الأمريكي للمقدرات العربية خاصة في منطقة الخليج، في ظل إدارة ترامب الذي يستخدم الآلية البراجماتية لاستنزاف مقدرات المنطقة واستمرار الأزمات أو حتى خلقها كجزء من المسار الأمريكي الجديد، فهل يتدارك القادة العرب ذلك ؟ نتمنى.