الملف السياسي

حتى لا تتفاقم الحرب التجارية بين الحلفاء !

26 يونيو 2018
26 يونيو 2018

عوض بن سعيد باقوير  -

منذ قدوم إدارة الرئيس الأمريكي ترامب والأوضاع السياسية والاقتصادية تشهد تحولات دراماتيكية لم تشهدها السياسة الأمريكية منذ عقود حيث انتفض الرئيس ترامب على عدد من الاتفاقيات الدولية وانسحب منها وكان من أهمها الاتفاق النووي الإيراني ، واتفاقية المناخ ، ومن هنا فإن ما تشهده العلاقات الأمريكية -الأوروبية من تبادل رفع الرسوم التجارية هو بمثابة الانطلاقة نحو حرب تجارية شعواء تؤثر على الاقتصاد العالمي كما حذر عدد من الخبراء خاصة وأن الجانب الأوروبي أعلن عن زيادة في الرسوم على المنتجات الأمريكية .

وأمام هذا المشهد وإصرار الرئيس الأمريكي على فرض المزيد من الرسوم على المنتجات الصينية فإن العالم قد يشهد اندفاعا متبادلا في فرض الرسوم ليتجه الاقتصاد العالمي نحو الركود وحرب تجارية حقيقية سوف يكون لها تأثيرها الكبير على العلاقات السياسية بين ضفتي الأطلسي وتمتد إلى الصين ثاني اقتصاد العالم .

الخطوة الأمريكية

من المعروف أن التجارة بين الولايات المتحدة وأوروبا الغربية تعد هي الأكبر على مستوى العالم إذ تقدر بمئات المليارات من الدولارات وهناك ارتباط تجاري وثيق بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين ، ومن هنا فإن حرب الرسوم التجارية والتي بدأتها إدارة ترامب لن ترضي الجانب الأوروبي خاصة دول الاتحاد الأوروبي والتي أعلنت عن رفضها للخطوة الأمريكية ، وأنها سوف تفرض رسوما مضادة وبنفس النسبة على بعض المنتجات الأمريكية التي تستوردها من أمريكا ، وقد يظهر المزيد من القرارات خلال القمه الأوروبية الطارئة القادمة .

الخطوة الأمريكية تأتي في إطار سياسات ترامب والتي ترى أن كل الاتفاقيات السياسية والتجارية التي أبرمتها الولايات المتحدة مع العالم ، كلها اتفاقيات تضر بمصالح الولايات المتحدة ، وأنه لابد من الانسحاب منها وفرض اتفاقيات جديدة ، تتماشى والمزاج الجديد لإدارة ترامب التي لا يهمها تداعيات ذلك على الاستقرار السياسي والاقتصادي في العالم .

إن الخطوة الأمريكية ببدء فرض رسوم عالية تصل إلى 25 في المائة على منتجات الصلب والألمنيوم القادمة من أوروبا تفتح المجال نحو حرب تجارية قاسية ليس فقط بين ضفتي الأطلسي ، ولكن مع العملاق الصيني الذي أعلن بدوره عن فرض رسوم تجارية على عدد من المنتجات الأمريكية وبنفس النسبة ، كما أن تداعيات تلك الحرب التجارية سوف تمتد إلى دول الشرق الأوسط . ومن هنا فإن هناك صداما تجاريا قادما إذا لم تتوصل الأطراف المعنية إلى حلول موضوعية تجنب الاقتصاد الدولي المزيد من المتاعب خاصة مسالة إمكانية حدوث ركود اقتصادي .

الموقف الأوروبي

مواقف دول الاتحاد الأوروبي واضحة ، كما هي واضحة من مسألة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني ، حيث إن هناك صدمة من القرار الأمريكي بفرض رسوم كبيرة علي بعض المنتجات الأوروبية ، خاصة الصلب ، ومن هنا فإن ذلك الوضوح تجلى خلال اجتماعات وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي ، حيث قرر الجانب الأوروبي فرض رسوم علي بعض المنتجات الأمريكية ، وأن دول الاتحاد الأوروبي لن تسمح بالإضرار بمصالحها التجارية وأنها سوف تدافع عنها بكل قوة. ويبدو من خلال اللهجة الأوروبية الحاسمة ، فإن هناك توجها صارما من قبل الدول الغربية لمجابهة الرسوم الأمريكية ، وقد تشهد الساحة التجارية على ضفاف الأطلسي معركة كسر عظم حول الرسوم المتبادلة لتعم معظم منتجات الدول المتصارعة تجاريا وهي الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، مما سيخلق مشاكل عديدة على الصعيد السياسي في أكثر من ملف لعل في مقدمتها الأوضاع في الشرق الأوسط ، وتسويق صفقة القرن من قبل واشنطن ، والموقف الأوروبي الرافض لهضم حقوق الشعب الفلسطيني .

ولعل التراشق الإعلامي والتصريحات المتبادلة والاتهامات بين أطراف الخلاف سوف تزداد مع تصميم ترامب بفرض المزيد من الرسوم التجارية ، وهنا قد يكون هناك تعاون غير مباشر بين دول الاتحاد الأوروبي والصين ، لمجابهة الولايات المتحدة تجاريا ، و للحفاظ على مصالح قد تتأثر سلبا بعشرات المليارات .

إن القرار الأوروبي والصيني بفرض رسوم متساوية مع ما يفرضه الجانب الأمريكي ، هي انطلاقه لحرب تجارية معقدة سوف تطال الدول العربية ودول العالم النامية بشكل خاص حيث سوف ترتفع الأسعار وقد تفرض رسوم على منتجات الدول العربية لتشتعل الحرب التجارية في العالم بسبب الخطوة الأمريكية تلك . ومن هنا فإن أمام الجانبين الأمريكي والأوروبي فرصه للحوار والابتعاد عن أي حرب تجارية قد تضر بمصالح الاقتصاد العالمي والذي يعاني عددا من المشكلات ومنها تباطؤ النمو ، وهذا في حد ذاته يفتح ملفات شائكة ، كما أن منظمة التجارة العالمية لابد أن تتدخل لإيجاد آليات محددة تحافظ على مصالح الدول ، خاصة وأن الخطوة الأمريكية الأحادية سوف تدفع بدول الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول إلى اتخاذ خطوات مماثلة للحفاظ على مصالح شعوبها واقتصاديتها وبدون تدخل منظمة التجارة العالمية وبدون الوصول إلى توافقات بين الأطراف فإن مزيدا من الحروب التجارية سوف تندلع ولن تتمكن واشنطن من فرض إرادتها الاقتصادية على كتلة اقتصاديه مهمة وهي أوروبا وأيضا على كتلة مهمة أخرى على الجانب الآسيوي وهي الصين ذات الكثافة السكانية الكبرى في العالم .

الصدام التجاري

يبدو لي أن إدارة الرئيس الأمريكي ترامب بحاجة إلى إدراك أن خطوتها الانفرادية ، تضر باقتصاديات الدول الحليفة لها ، خاصة وأن واشنطن تنظر إلى مصالحها ، ولا تنظر إلى مصالح الآخرين ، وهذه مسألة تحمل أنانية سياسية تأتي تحت شعار « أمريكا أولا» لإرضاء الناخبين وهذه خطوة مضرة وغير مقبوله لا من دول الاتحاد الأوروبي ولا من الصين ولا حتى كندا والتي رفضت الخطوة الأمريكية وهناك خلافات بين الجانبين ظهرت خلال قمة الدول السبع الصناعية الكبرى في كييبك ، والتي فشلت بشكل كبير بسبب رفض الرئيس الأمريكي ترامب التوقيع على البيان الختامي ، مما فتح المجال إلى تبادل الاتهامات بين الدول حول المتسبب بفشل القمة . الصدام التجاري هو حلقة من حلقات السياسة الصدامية الجديدة لواشنطن ، وان الولايات المتحدة لن تلتزم بأي اتفاقية ولعل انسحابها من اتفاقية المناخ في باريس وانسحابها من منظمة اليونسكو، وانسحابها مؤخرا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، يعطي مؤشرا على أن الولايات المتحدة ومن خلال الإدارة الحالية سوف تدخل صدامات تجارية على اعتبار أن الرئيس ترامب يأتي من خلفية تجارية مما يعطي المشهد بين أوروبا وأمريكا وحتى الصين سخونة وتعقيدا في ظل التصريحات الملتهبة بين الفرقاء .

إن الصدام التجاري الحالي لن يتوقف مع قرب سريان مفعول الرسوم التجارية المتبادلة في السادس من يوليو القادم ، بل إن الصين سوف تفرض رسوما على المنتجات الأمريكية بقيمة 100 مليار دولار وذلك ردا على القرار الأمريكي ، وبنفس النسبة من المبالغ المحصلة من رفع الرسوم ، وهذه بالفعل حرب تجارية واضحة ولها تداعياتها المؤثرة سلبا على الاقتصاد والتجارة العالمية وسوف تتضرر منها الشعوب قبل الحكومات

وعلى ضوء المحددات المشار لها، فإن ثبات الموقفين الأمريكي والأوروبي حول فرض الرسوم المتبادلة ،سوف يدفع نحو حرب تجارية ،وهذا بلا شك يتطلب رؤية موضوعية من الشركاء على ضفتي الأطلسي ، لتجاوزه ، فالعناد الأمريكي لا مبرر له ، ولابد من مراعاة مصالح الدول ، كما لا تستطيع الولايات المتحدة بكل أدواتها القوية أن تحارب العالم تجاريا. ومن هنا فإن المسألة تحتاج إلى مراجعة متأنية خاصة من قبل واشنطن ، وقد تضطر الولايات المتحدة إلى إيجاد مرونة ما إذا تواصلت الضغوط عليها من دول الاتحاد الأوروبي وبمساندة من الصين، وبدون ذلك فإن الحرب التجارية سوف تعم العالم شرقه وغربه، بسبب الخطوة الأمريكية غير المحسوبة ، مما يحتم تدخل المنظمات الدولية وخاصة منظمة التجارة العالمية ، حتى لا تتفاقم الأمور أكثر .