1372306
1372306
تحقيقات

قراصنة بأقنعة مشهورة يسرقون أحلام الفقراء والمحتاجين!

24 يونيو 2018
24 يونيو 2018

مزاعم واهية بتقديم مساعدات مالية عبر التواصل الاجتماعي -

تحقيق - عامر بن عبدالله الأنصاري -

«باسمي صاحب السمو السيد تيمور بن أسعد آل سعيد سأقوم بتقديم مساعدات وقروض مالية لكل مواطن عماني وعلى كل شخص يحتاج الدعم التواصل عبر الخاص...»، و«عن روح والدي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود أتقدم بمساعدات مالية...»، «باسمي السيد كامل بن فهد سأقوم بالرد شخصيا...»، «عن روح الشيخ زايد... » وإلى آخره، عبارات وردود تتكرر وتتواصل في مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة على منصة «الانستجرام» فلا يخلو حساب من الحسابات ذات العدد الكبير من المتابعين إلا وهناك تعليق من هذا النوع يملأ المنشورات، ومن حسابات متنوعة وشخصيات متعددة، فما حقيقة تلك الحسابات التي من الواضح أنها وهمية وانتحال لصفة أشخاص بارزين؟!!.

محاولة

وفي محاولة للوقوف على تلك المنشورات والتعليقات، والوصول مع المدعي إلى ما يصبو إليه، تواصلنا مع أحد هؤلاء الزاعمين بأنهم أحد الشخصيات المرموقة في المنطقة، فما كان من صاحب الحساب إلا الرد فورا على المداخلة بالسؤال عن المبلغ الذي أحتاجه، فكان الرد بأن المراد 1000 ريال عماني فقط، وفورا جاء الرد بأن المؤسسة الخيرية التي تتبع له أمرت بحجز مبلغ 1500 ريال عماني بدلا من 1000، وكل ما عليَّ فعله الانتقال إلى دردشة «الواتس أب» لاستكمال الإجراءات.

وكانت فكرة مواصلة الدردشة مقلقة، في ظل الحديث عن اختراقات «الواتس اب»، إلا ان الهدف من الموضوع جرني إلى المواصلة، فما كان من حديث «الواتس اب» إلا أن كشف سطحية المحتال، الواضح بأنه يقيم خارج السلطنة وخارج دول الخليج العربية بأكملها، فكان قد طلب مبلغ 80 ريالا عمانيا عبر خدمة «ويسترن يونيون» حتى يقوم بفك الحجز عن الـ 1500 ريال، والمبلغ سوف يصلني في غضون 10 دقائق فقط، وأنه لا يملك صلاحية فك الحجز لأنه مجرد موظف يعمل عند الشخصية المزعومة، وفي سبيل معرفة ما يود الحصول عليه تم الادعاء بامتلاك 40 ريالا فقط، فكان الجواب بأنه سيقوم بالمساعدة بُغية الأجر والثواب وأنه يقبل بـ 40 ريالا فقط، وفي أسلوب مثير للشفقة حيث إنه يقسم بمختلف الأيمان حتى يحصل على المبلغ.

ومن خلال ما سبق، يتضح أن الشخص المنتحل يقصد أهالي الخليج بشكل عام، ولا يفكر في استهداف أهالي الدولة التي يقيم بها، كما يتضح بأن ضحاياه قد لا يكونون على درجة ضحلة من التفكير إنما قد يقومون بالمجازفة خاصة أن المبلغ المطلوب غير كبير.

ولكن هل تتوقف محاولات النصب عند هذا الحد؟

أشهر الطرق

وللوقوف على هذه الأنواع من محاولات النصب وغيرها في عالم التواصل الاجتماعي وانتشارها، حدثنا عبدالرحمن بن محمد البلوشي، وهو أخصائي أمن معلومات في هيئة تقنية المعلومات، حيث قال: «في الوقت الحالي يعد انتحال صفة شخصيات اعتبارية أو مشهورة من أشهر الطرق التي لوحظت، ويتم ذلك من خلال سرقة الصور الشخصية لهذه الشخصيات وإيهام الآخرين بها عبر استهداف، مدروس أو عشوائي، لمجموعة من مستخدمي مواقع التواصل، عادة تبدأ الخدعة بقصص وهمية منها «عدم التمكن من القيام بتحويل مبالغ بسبب التواجد في مكان لا توجد به وسائل التحويل أو بسبب فقدان بطاقة البنك»، ويصل المحتالون إلى أشخاص تنطلي عليهم هذه القصص الوهمية بحيث يقوم المحتال بطلب مساعدات مالية والمكافأة مجزية في حالة قدم الضحية المساعدة لهم، تليها انتحال صفة شركات الاتصالات بحيث يقوم المنتحل بالتواصل مع الضحية وإيهامه بأنه ربح مبلغًا كبيرًا من المال، ولكي يتم تحويل هذا المبلغ يطلب المحتال من الضحية إرسال تفاصيل حسابه البنكي أو تحويل مبلغ مالي لكي يتم به إكمال إجراءات تسليم الجائزة، ومن طرق النصب ما يؤدي إلى الابتزاز، وهي من أكثر الطرق فعالية بالنسبة للمحتالين، بحيث يتم جمع معلومات أو صور أو مقاطع فيديو عن الضحية وتهديده بالفضح في حالة عدم دفعه لمبالغ مالية».

اختراق الواتس أب

وفيما يتعلق باختراقات «الواتس اب» التي تتكرر في الآونة الأخيرة، قال البلوشي: «توجد طريقتان للاختراق أولهما قيام المحتال بالتواصل مع الضحية منتحلاً شخصية أحد موظفي شركات الاتصالات أو شركة (واتس اب) طالباً رمز تأكيد الحساب والذي يرسله تطبيق (وتس اب) في حالة استخدام الرقم على نفسه هاتف جديد، والطريقة الأخرى عن طريق سرقة جهاز الضحية والتمكن من فتحه والوصول الى التطبيق وتفعيل استخدام (الوتس اب) عن طريق الويب أو عن طريق تنزيل برنامج تجسس يسمح بالوصول للهاتف».

وبناء على ذلك يجب الحذر من إرسال تلك البيانات إلى أية جهة مهما كانت، فتطبيق الواتس أب لا يقوم بإرسال تلك الطلبات على هيئة رسائل عادية.

وأكد عبدالرحمن أن تلك الانتحالات لا تنطلي على عدد كبير من الناس، قائلا: «مؤمن بأن مستخدمي مواقع التواصل اليوم أكثر وعيًا في التعامل مع هذه الحسابات، لكن يظل هناك الكثير من المستخدمين الذين يفتقرون لثقافة استخدام الإنترنت ولا يدركون كيف يحمون انفسهم في العالم الافتراضي، وبلا شك الجهات المعنية قائمة بدورها وسيظل أمر التوعية من الأمور التي تتطلب الاستمرارية، فالمستخدمون الجدد من الأطفال والمراهقين في ازدياد وتثقيفهم وتوعيتهم أمر لابد منه من جانب الأهل بالتضامن مع ما تقدمه الجهات الحكومية متمثلاً بهيئة تقنية المعلومات وشرطة عمان السلطانية وهيئة تنظيم الاتصالات من أدوار في هذا الجانب».

وتابع: «يمكن القول: إن كافة الحسابات التي تدعي تقديم مساعدات مالية هي حسابات نصب، فالجهات او الشخصيات التي تقدم مساعدات مالية لا تستعين بالحسابات على مواقع التواصل لتقديم المساعدات المالية، فهناك جهات رسمية مخولة بذلك وتقوم بعمل اللازم فيما يخص جمع المساعدات المالية».

وأضاف: «من الممكن ملاحقة المنتحلين قانونيا، لكنه ليس بالأمر السهل، ويكمن التعقيد في صعوبة تتبع كل هذه الحسابات إذ إنها منتشرة بشكل كبير، لكن قد يتكاتف المستخدمون في التنويه وتوعية من حولهم بالحسابات التي يشتبه بأنها وهمية، وعموماً ما إن يشعر أصحاب هذه الحسابات بأن المستهدفين على وعي حتى يصابوا باليأس ومن عدم جدوى طرقهم في الاحتيال وبالتالي لا يصبح لهم تأثير، لكن لا يمكن تعميم هذا الأمر إذ أن المحتالين مستمرون في البحث عن طرق جديدة، لذلك مسألة التوعية المستمرة والجدية فيها أمر مهم».

صفة النصب

وأشار عبدالرحمن البلوشي إلى صفة النصب بقوله: «هناك حسابات تنطبق عليها صفة النصب، ويمكن تلخيص ذلك بعدة أمور، مثلا حين تطلب منك تفاصيل حساباتك البنكية، وحين تعدك بالجوائز من لا شيء، وحين تطلب منك مبلغا لتقدم لك مبلغا ضخما في المقابل، وحين تقدم لك وعودا بالثراء السريع، وحين تدعي بأنها تعرف بعض تفاصيلك الشخصية وتطلب تفاصيل أخرى أكثر حساسية، وعليه يجب أن يُعْلم بأنه لا أحد يمنح شيئا بدون مقابل لذا فالحذر واجب».

كما أشار إلى أن تلك أصحاب تلك الحسابات ليس بالضرورة وجودهم في السلطنة فالمحتال يكون في أي مكان بما أنه يستخدم مواقع التواصل ولديه خدمة الإنترنت.

واختتم البلوشي حديثه بقوله: «هناك أشخاص وقعوا ضحايا لهذه الاحتيالات، قد لا أملك إحصائيات محددة لكن العدد لا يستهان به، والاستفسارات التي وصلتني بشكل شخصي عن طرق التعامل مع الأمر وطريقة التواصل مع الجهات المعنية كثيرة وغالبها تأتي متأخرة جدًا».

استغلال الحاجة

وممن شاركنا الحديث في هذا الجانب المدونة والناشطة بمواقع التواصل الاجتماعي حليمة بنت سليمان آل عبدالسلام، حيث قالت: «لاحظت الكثير من التعليقات التي تدعي تقديم مساعدات مالية، وبالخصوص في تطبيق (الانستجرام) حيث تنتحل هذه الحسابات شخصية بعض الرموز بالدولة أو الشخصيات المعروفة جداً على المستوى المحلي، وفعلا لا يليق بهؤلاء المنتحلين إلا أدنى الصفات، فمن ينتحل شخصية غيره و يتاجر بها ليستغل حاجة الآخرين، ما هو إلا شخص انعدمت انسانيته وضميره، من وجهة نظري، زيادتها يرجع إلى قلة الوازع الديني لدى المُنتحل، ولربما عدم توفر الوظائف أو قلة المدخول المالي عند المُصدق لهذه الحسابات، فتراه بكل سهولة يقوم بتصديقها على أمل أن تنحل ضائقته».

وأضافت حليمة: « للأسف هناك الكثير من يقوم بتصديق هذه الحسابات، والدليل عدد المتابعين الموجودين بالحسابات الوهمية، بالإضافة إلى أنني أعرف شخصياً بعض من انطلت عليهم الخدعة، ذلك من الضروري جداً الإبلاغ عن أي حساب من شأنه أن يقوم بخداع الآخرين، خصوصاً من يقوموا بالكذب على المحتاجين وسرقة أموالهم منهم بهدف مساعدتهم لاحقاً، فهم يزيدونهم مشكلة فوق مشكلتهم، ولا بد أن يفهم الناس الآن أن كل هذه الحسابات ما هي إلا حيل، فلا أحد يقدم ماله هكذا علنا وبلا ضمانات أو من خلال مراكز أو مكاتب رسمية أو مؤسسات مالية معروفة».

وحول كيفية تعامل الناشطة حليمة مع المنتحلين، قالت: «تتعدد وسائل النصب ومرت عليَّ سابقاً عدة محاولات، مثل التي تحصل بالرسائل النصية، أو المكالمات، ويدعي متصلوها أنهم من شركات الاتصالات أو بعض البنوك، ولكن طبعاً حِيَلٌ مثل هذه مكشوفة، لذلك أقوم فوراً بقفل المحادثة أو حظر رقم الرسالة، أما في حساباتي بمواقع التواصل أرى أحياناً بين التعليقات أسفل منشوراتي، من يدعي أو تدعي بأنهم الشخصية الفلانية ويقدمون التبرعات أو المساعدات المالية، فأقوم أولاً بالإبلاغ عن الحساب (خاصية بالانستجرام) ثم مسح الحساب وحظره حتى لا يعودوا إلى حسابي للكذب على متابعيني».

ظاهرة الاحتيال

كما شاركنا في الموضوع محمد بن راشد الغيثي، قائلا: «مع تزايد استخدام الأجهزة الذكية ازدادت أعداد مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحت وسيلة لتكوين صداقات وتبادل معارف والاطلاع على الأخبار بالإضافة الى إمكانيه نشر إعلانات ترويجية وغيرها، حتى ظهرت مؤخرا ظاهرة الاحتيال الإلكتروني بحيث يقوم أحد الأشخاص باستخدام اسم وهمي أو اسم شخصية مشهورة وإيهام الضحية بأن هذه الشخصية بحاجة إلى مبلغ وأنه سيعيده بمبلغ مضاعف أو بأن هناك جمعية خيرية تجمع مبالغ لمساعدة الفقراء، هذه الحسابات المشبوهة وغير الرسمية يجب على الجميع الحذر منها والإبلاغ عنها فورا الجهات المختصة لاتخاذ التدابير اللازمة لإيقاف مثل هذه الممارسات».

وشاركه الرأي زميله علي بن محمد الغيثي، بقوله: «مواقع التواصل الاجتماعي مهمة جداً في عصرنا الحالي ولا يختلف اثنان على تأثيرها الإيجابي والسلبي على أفراد المجتمع، بالنسبة لي أفضل استخدام تويتر والانستجرام فهي برامج ذات تأثير قوي واكثر استخداماً وانتشاراً في المجتمع إضافةً الى استخداماتها المتعددة، ولكن الاستخدام السّيئ لهذه البرامج قد يكون له تأثير سلبي، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة بعض الحسابات الوهمية والمنتحلة لبعض الشخصيات المرموقة في الدولة تدعي تقديم مساعدات مالية او دعم مادي أو انتحال شخصيات بعض المشاهير وهذا التصرف غير مقبول وغير إنساني قد يؤدي إلى الحاق الضرر بمستخدمي هذا البرنامج من أصحاب النفوس الضعيفة وممن يعانون العوز والحاجة وأيضاً قد يصل الى الضرر بالبرنامج نفسه فيبتعد عنه رواده ومستخدميه لذلك يجب على مطوري تلك البرامج إيجاد حل لذلك، هذه الحسابات وهمية وخطيرة يجب التعامل معها بحذر عن طريق إبلاغ الجهات المعنية بذلك أو تجاهلها برفض إضافتها».

وتبقى التحديات متواصلة، والسجال يطول بين الخير والشر، بين المحذرين والناصحين وبين المحتالين، تتنوع تلك الوسائل وتتجدد مع تطور التكنولوجيا، ويبقى الحذر والتعامل بحرص والتأكد من أصحاب الاختصاص من اهم وسائل الأمان في هذا العالم، وليست عمليات الابتزاز في معزل، فهناك من الجهات الأمنية من تحفظ الخصوصية وتصل إلى تسوية مهما كان الضحية واقعا في جرم أو خطأ، فلا يجب عليه الخوف».