1371226
1371226
المنوعات

السكان الأصليون في كولومبيا يطالبون باستعادة أراضيهم التي فقدوها منذ زمن بعيد

23 يونيو 2018
23 يونيو 2018

تيمبا (كولومبيا) «د.ب.أ»:- في واحدة من المحميات التي يعيش فيها السكان الأصليون من أبناء جماعة «ناسا» بجنوب غرب كولومبيا، تلوح من بعيد الجبال الخضراء الشاهقة التي تكاد تعلو فوق السحب البيضاء، كما لو كانت تسبح بين أركان السماء.

وتعتبر كثير من القمم الجبلية في محمية «لا بايلا نايا» في مقاطعة كاوكا بمثابة أماكن مقدسة، حيث يقصدها المعالجون التقليديون للتحدث إلى الأرواح وجمع الأعشاب الطبية. وتقطع العديد من الأنهار المساحات الواسعة التي تتجول فيها الغزلان والدببة والنمور.

وبالرغم من جمال المشهد الطبيعي، لا يعيش أبناء جماعة ناسا في سلام وسكينة في تلك المنطقة، حيث اضطرهم المستوطنون للنزوح إلى أماكن أخرى طمعا في أراضيهم في عشرينات القرن الماضي.

وفي ذلك الوقت، لم تكن أراضي «لا بايلا نايا» مستخدمة، ولكن بعد أن استوطنها أبناء جماعة «ناسا»، بدأ أصحاب الأراضي الأثرياء في مدينة كالي التي تقع على مبعدة ستين كيلومترا يبدون اهتمامهم بتلك المنطقة.

وتعرض أبناء جماعة «ناسا» لعمليات تحايل لسلب أراضيهم من خلال صفقات غير شريفة، على حد قول إيميليو كوندا زعيم الجماعة، موضحا أنه «عندما كانت إحدى البقرات تنفق على سبيل المثال، كان أصحاب الأراضي يقدمون لصاحبها بقرة جديدة ويتركونه مدينا لهم، ثم يستخدمون هذا الدين للاستيلاء على أراضيه».

وبعد مرور عقود، اشترت شركة لصناعة الورق مزارع الماشية التي أقيمت على الأراضي التي سلبت من جماعة «ناسا» في العشرينات، حيث قامت بزراعة أشجار الصنوبر على تلك المساحات.

في ذلك الوقت، كان السكان الأصليون في مختلف أنحاء كولومبيا يصعدون معركتهم من أجل استعادة أراضي أجدادهم التي يقولون إنها سلبت منهم، أولا بواسطة المستعمرين الإسبان ثم بواسطة المستوطنين بعد استقلال كولومبيا . وقرر أبناء جماعة ناسا أن ينهضوا للدفاع عن حقوقهم. ويقول كوندا: «لقد بدأنا بقطع أشجار الصنوبر، وأرسلت قوات الجيش والشرطة إلى المنطقة، ولكننا واجهناهم».

واستطاعت جماعة ناسا شراء بعض الأراضي المحيطة وذلك بأموالهم الخاصة وعن طريق تمويل من الحكومة، ولديهم حاليا محمية بمساحة 6200 هكتار. ولكن نصف هذه المساحة فقط تصلح للزراعة، مما يجعل كثيرا من أبناء الجماعة الذين يعملون في زراعة البن، يكافحون من أجل توفير قوت يومهم.

ويعاني سكان المحمية من شظف العيش لدرجة أن المتجر المحلي لديه قائمة طويلة من المدينين له يضعها بجوار الباب. ولا تقتصر هذه المحنة على أبناء جماعة ناسا الذين يربو عددهم على 250 ألف نسمة في جميع أنحاء كولومبيا.

ويوجد في كولومبيا التي تقع بأمريكا الجنوبية، 68 جماعة من السكان الأصليين على الأقل يقدر عددهم بأكثر من مليون نسمة بما يمثل 2 بالمائة من تعداد السكان. ويقول توليو روخاس المتخصص في لغات السكان الأصليين بجامعة كاوكا إن جميع هذه الجماعات تقريبا تحاول استعادة تلك الأراضي التي يعتبرونها أراضيهم الخاصة.

وتقام مظاهرات الاحتجاج في جميع أنحاء البلاد، حيث أغلق نحو 100 ألف من السكان الأصليين الطرق خلال مظاهرات منسقة واشتباكات مع الشرطة العام الماضي.

ولا يطالب المحتجون بمزيد من الأراضي فحسب، بل يقولون إن المحميات التي يعيشون فيها تعاني من إهمال السلطات، فمحمية «لا بايلا نايا» على سبيل المثال لا توجد بها مدرسة ثانوية ولا أطباء. ويشكو أحد سكان المحمية ويدعى لوز ماريا جويهيا «45 عاما» قائلا: «لا توجد لدينا حتى شبكة هاتف محمول».

وتقول بعض جماعات السكان الأصليين إن المستوطنين خدعوهم للاستيلاء على أراضيهم. وذكر روخاس أن البعض الآخر اضطر للنزوح بسبب المذابح التي كانت ترتكب حتى فترة متأخرة في القرن العشرين، بل إن أعمال القتل ما زالت مستمرة حتى الآن.

وذكرت المنظمة الوطنية للسكان الأصليين في كولومبيا أن أكثر من أربعين من زعماء السكان الأصليين قتلوا في البلاد العام الماضي.

وكانت المسؤولية عن جرائم القتل هذه تنسب إلى جماعات شبه عسكرية متحالفة من أصحاب الأراضي علاوة على جماعات مسلحة يسارية وتجار مخدرات يسعون للسيطرة على هذه الأراضي. وبالنسبة لجماعة «ناسا» وغيرها من السكان الأصليين، فإن ملكية الأراضي ليست مجرد وسيلة للخروج من نير الفقر، بل تتعلق أيضا بالحصول على الحكم الذاتي والحفاظ على ثقافاتهم القديمة.

فعلي سبيل المثال، يكافح السكان الأصليون في محمية لا بايلا نايا من أجل الحفاظ على لغة ناسا وإحيائها، حيث لم يعد الكثير من الشباب يتحدثون بها بالكاد في الوقت الحالي.

ويقول كوندا إن كثيرا من المدرسين في المدارس الابتدائية الثلاثة في المحمية «يتحدثون اللغة الإسبانية أفضل مما يتحدثون لغة الناسا». ومن بين الجماعات الأخرى التي تحاول توسيع نطاق أراضيها جماعة «بيجاو» التي يربو عددهم على ستين ألف شخص، وتعيش الغالبية العظمى منهم في مقاطعة توليما المجاورة.

ويقول ميلكوسيديك دوكوارا، وهو ممثل جماعة بيجاو في محمية لا سورتيجا: «نريد أن نحصل على الاستقلال الذاتي في إنتاج الأغذية، كما نريد أراضي لممارسة شعائرنا التقليدية بحرية».

وأضاف: «بالنسبة لنا الأرض هي الحياة، فهي الأم التي تغذينا وتعطينا كل شيء». وتعترف السلطات الكولومبية بعدالة مطالب كثير من السكان الأصليين بشأن استعادة الأراضي، بل وساعدت بعض هذه الجماعات في شراء الأراضي لتوسيع رقعة أراضيهم على مدار سنوات.

وفي عام 2011، تأسست وحدة حكومية لتعويضات الأراضي لمساعدة الأشخاص الذين نزحوا بسبب الجماعات المسلحة في استعادة أراضيهم. وتنظر الوحدة حاليا في مئات الشكاوى التي قدمها السكان الأصليون، حسبما تقول إيرني ترايانا، وهي محامية تعمل مع الوحدة.

في الوقت ذاته، تريد جماعة ناسا شراء المزيد من الأراضي.

ولكن سكان المزارع المجاورة يريدون الحصول على أثمانها بشكل فوري، في حين أن الحكومة لا تستطيع أن تدفع قيمة هذه المزارع إلا على أقساط، حسبما يوضح كوندا. ويلخص أجوستين ألميندرا من منظمة «أوتوريداديس تراديسيناليس إنديجيناس دو كولومبيا» للدفاع عن حقوق السكان الأصليين هذه القضية قائلا: «نحن لا نساوى شيئا بدون الأراضي».