أفكار وآراء

حان وقت عقد صفقة ترامب - كيم

23 يونيو 2018
23 يونيو 2018

ديفيد اجنيشس - واشنطن بوست - ترجمة قاسم مكي -

بَاهَى الرئيس ترامب في الأيام الماضية- عقب قمة سنغافورة- باتفاقه مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون حول نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، وقال أنه قد «ينقذ أرواح الملايين والملايين.» بل أعلن عقب عودته مبتهجا من سنغافورة عن انتهاء «التهديد النووي من جانب كوريا الشمالية.» ولكن وكما يجب أن يعلم صانع الصفقات العظيم من المهم قراءة الحروف الدقيقة (الشروط المبهمة التي ينطوي عليها الاتفاق ضمنا- المترجم). فبعد أسبوع من تدقيق النظر في بيان سنغافورة المشترك، يبدو، رغم كل التغطية التلفزيونية الدرامية التي أحاطت به، مماثلا لما يسميه خبراء العقار «عرضا مشروطا.» أما الشرط في هذه الحالة فهو وفاء كوريا الشمالية بتعهدها الغامض بعض الشيء «بالعمل على إخلاء شبه الجزيرة الكورية تماما من السلاح النووي»، لكن بالكاد بدأ النقاش حول كيفية ووقت حدوث ذلك. وفي الأثناء ومن أجل بناء الثقة وافق ترامب على وقف التمارين العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية. ومن جانبه قبل كيم بوقف اختبارات الصواريخ والقنابل النووية. لقد أوضح ترامب «الطبيعة الاشتراطية» لوقف التمارين العسكرية في رسالة على تويتر يوم الأحد الماضي جاء فيها أن تلك التمارين «يمكن أن تبدأ فورا إذا انهارت المحادثات. وهو ما آمل ألا يحدث.» كما أطلق وزير الخارجية مايك بومبيو ذات التحذير في الأيام التالية أثناء زيارة له إلى كوريا الجنوبية حيث ذكر أن تجميد التمارين «لن يعد ساريا» في حال فشلت محادثات نزع السلاح النووي. وسيكون لوقف هذه التمارين أثر محدود على جاهزية الولايات المتحدة، إذا نشب صراع عسكري فعلي مع كوريا الشمالية، حسبما أكد ذلك وزير الدفاع جيم ماتيس خلال مقابلة معه الأسبوع الماضي. فقد أوضح ماتيس أن حوالى 90% من قوات الولايات المتحدة التي ستتدخل في أي صراع من هذا النوع غير موجودة (غير متمركزة) في كوريا الجنوبية. لذلك سيكون في مقدور هذه القوات ممارسة تدريباتها واستعداداتها المعتادة حتى بدون إجراء تمارين مشتركة (مع الكوريين الجنوبيين.) إن إبداء الصدق بشأن ما تم تحقيقه في سنغافورة ضروري ليس للتقليل من إنجاز ترامب وهو إنجاز حقيقي وهام لكن لتوضيح ما يجب أن يشكل الخطوة التالية. ففي العادة تكون اجتماعات القمة ختاما وتتويجا لعمل تفصيلي دقيق (يسبقها.) لكن في هذه الحالة انعكس ترتيب الأشياء. فترامب وكيم تصافحا أولا ثم شرع معاونوهما الآن في العمل الشاق (التمهيدي.) يرى روبرت كارلين، وهو محلل مخضرم عمل بوكالة الاستخبارات الأمريكية ووزارة الخارجية في ملف شؤون كوريا الشمالية، أن القلق من اجتماع كبار القوم أولا «به شيء من السخف.» شرح ذلك في رسالة بريد إلكتروني بقوله إن الولايات المتحدة كانت تعلم على مدى عقود، بالحاجة إلى التعامل مع الزعيم الكوري الشمالي مباشرة، من أجل إحراز أي قدر من التقدم.» وجاء في رسالته «حسنا. لقد حصلنا على الزعيم (كيم). وفي الواقع نحن مهدنا لمحادثات الجانب العملي... هذا ليس شيئا سيئا.» أما الهدف الآن فيجب أن يكون، حسب كارلين، رعاية ما تحقق بدلا عن «سحقه بالانتقاد الدائم.» سيكون بومبيو، الذي خرج من دبلوماسية كوريا بصفة كبير مساعدي ترامب مستشار الرئيس في إبرام الصفقة. لكن لم يحدد الكوريون الشماليون حتى الآن مبعوثهم. ويقول الخبراء إذا اختير شخص يعرف حقا برنامج بيونج يانج النووي وليس دبلوماسيا أقل إلماما سيكون ذلك علامة إيجابية على الجدية. كما تندفع الصين وروسيا أيضا لغمس ملعقتيهما في حلوى «ما بعد اجتماع سنغافورة.» وهذا شيء جيد. فهو مؤشر على أنهما لا تريدان إبعادهما عن الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة. وإذا فكرنا بما هو أمامنا باعتباره مفاوضات تجارية فسيضيء لنا ذلك طبيعة المبادلة. كان ترامب يريد التزاما كوريا شماليا «بنزع كامل للسلاح النووي يمكن التحقق منه ولا رجعة عنه» ولم يحصل عليه في سنغافورة. فبدلا عن ذلك يتحدث البيان المشترك عن «نزع كامل للسلاح النووي» فقط. إن الكلمات هامة هنا. فالمراقبة المطلوبة من أجل اتفاق «قابل للتحقق ولا رجعة عنه» من شأنها تغيير المجتمع الكوري الشمالي. أما الكوريون الشماليون فيريدون ما يمكن أن ندعوه» ضمانة كاملة وقابلة للتحقق ولا رجعة عنها «ببقاء وازدهار نظام كيم. وستتحقق هذه الضمانة فقط، كما أخبرني دبلوماسي آسيوي قبل أيام، حين يقيم ويعمل آلاف من الأمريكيين في بيونج يانج. يعني هذا أيضا «كوريا شمالية» مختلفة جدا. ثمة نقطة شائكة ستواجه المساومة في المستقبل وهي التسلسل الذي يتم وفقه الوفاء بشروط الاتفاق.

بحسب البيان المشترك سيكون هذا التسلسل كالتالي: إقامة «علاقات» مشتركة، ثم بناء «نظام أمني دائم ومستقر»، ثم العمل على «النزع الكامل للسلاح النووي.» وكما أن الكلمات مهمة فكذلك ترتيبها. لقد لاحظ كارلين أن كيم أدرج في رسالته أثناء ذهابه إلى سنغافورة هذه النقاط الثلاثة نفسها بالترتيب نفسه. أما الأهم الآن فسرعة المتابعة. وإذا اعتقد ترامب أنه قام بالعمل الأكثر مشقة فقد يفقد الصبر ويتخذ موقفا جديدا. يوضح دبلوماسي آسيوي مخاوفه كما يلي «هنالك خطورة في أن يفقد ترامب اهتمامه وسيكون الوضع أسوأ مما كان إذا لم تتخذ كوريا الشمالية بعض الخطوات الحقيقية.»

ويتفق كارلين بأن إحراز تقدم خلال الشهرين إلى الأشهر الأربعة القادمة «سيكون حاسما.» يقول خبراء العقار أن هذه المشكلة متأصلة في العرض المشروط. فإذا لم تبرم الصفقة بسرعة قد تضيع وتخلف وراءها للطرفين الإحباط والغضب.