أفكار وآراء

هل تحل شركاتُ التقنية المالية محلَّ البنوك؟

22 يونيو 2018
22 يونيو 2018

فرانسيسكو جونزاليز - الفاينانشال تايمز -

ترجمة: قاسم مكي -

لم يعد تهديد شركات التقنية المالية الكبيرة للعمل المصرفي خبرا رئيسيا يلفت الانتباه. فهو يحظى الآن بما يقرب من الإجماع (كحقيقة واقعة.) والصين أوضح مثال لذلك. فشركتا تينسينت وآنت فاينانشال تستوعبان أجزاء ضخمة من سوق المدفوعات. ويتشكل الآن «دوري مباريات» جديد للتنافس في هذا المجال. إن بعض المستثمرين يقللون من قيمة البنوك ويدفعون أكثر من الثمن المستحق لشراء أسهم في شركات التقنية المالية التي يعتقدون أنها ستحل محلها. ومن المقرر أن تطرح قريبا المجموعة الهولندية للتقنية المالية (أدِيَين) أسهمها للاكتتاب بسعر يمنحها تقييما يصل إلى 7.1 بليون يورو . وكانت قد حققت أرباحا صافية بلغت 24.1 مليون يورو في الربع الأول من هذا العام. بالمقارنة، تصل الرسملة السوقية للبنك الإسباني بانكو بلباو فيسمايا أرجينتاريا (بي بي في أيه) إلى 40 بليون يورو. وبلغت أرباحه الصافية 1.3 بليون يورو في الربع الأول من العام الحالي. لاشك في وجود تهديد للبنوك. لكننا في بنك (بي بي في أيه) ظللنا نحاول إحداث تحول (في عملنا المصرفي) لمواجهة تحديات العصر الرقمي طوال فترة تزيد عن عشرة أعوام. وخلال ذلك أدركنا أن بعض نقاط القوة الأساسية للعمل المصرفي (والمتمثلة في الأمان والخصوصية والامتثال) ليس من السهل استنساخها (تكرارها) وتزداد أهميتها. لقد تعلمنا كلنا ذلك من المحن التي واجهت شركة فيسبوك . وفي نفس الوقت فهمنا أيضا كيفية استخدام التقنية لتحسين التجربة المصرفية للزبائن. لقد نجت شركات التقنية الكبيرة إلى حد كبير من الخضوع للرقابة المؤثرة حتى الآن باستثناء رقابة «الإجراءات العامة لحماية البيانات بالاتحاد الأوروبي». لكن الحاجة إلى حماية كل أشكال البيانات من أي شيء بما في ذلك إرهاب الإنترنت(الإرهاب الإلكتروني) واستغلال الزبائن لم تكن أبدا بمثل القدر الحالي من الإلحاح. لقد بدأنا الآن في إدراك أن البيانات أحد المدخلات الأساسية التي تؤثر على المنافسة. وأعتقد أن ذلك سيقود إلى شن حملة ضد التصرفات الاحتكارية من جانب مجموعات البحث والتواصل الاجتماعي الكبيرة. هنالك حاجة إلى نموذج تنظيمي جديد يفهم تعقيدات البيانات ويوازن بين الخصوصية والأمن والمنافسة عبر القطاعات. وفي أثناء عكوفنا على تطوير هذا النموذج ستكون فرص النجاح موزعة بعدالة للمقرضين الذين تواءموا مع التقنية الرقمية من جهة وشركات التقنية والتقنية المالية من جهة أخرى . وسيرى المستهلكون ميزةَ حمايةِ أصول بياناتهم (سواء المالية أو غيرها) داخل بيئة مأمونة. ولكنهم أيضا سيستفيدون من السوق التنافسية والشفافة.

إن الشركات بحاجة إلى تقدير مثل هذه التحولات. وينبغي على البنوك البناء على مواطن القوة الأساسية لديها وإيجاد طريقة لتطوير نفسها حتى تكون في نهاية المطاف أكثر أهمية لحياة الناس وأشد ارتباطا بها. إن شركات التقنية الكبيرة ناجحة إلى حد بعيد في بناء الأنظمة التعاضدية. أي في إنشاء شبكاتِ منتجاتٍ وخدماتٍ مترابطة ونقاط التقاء لتقاسم البيانات. وهي توجد أحجاما ضخمة من التفاعلات في كل عام. أما التفاعلات التي ينتجها العمل المصرفي فأقل. لكن كل واحدة منها أعلى قيمة، في معظم الأحيان. إن إجراء معاملة أو شراء خدمة أكبر قيمة من إرسال إعجاب (لايك) بصورة صديق/‏‏ صديقة أو البحث في الإنترنت. وسيكون بمقدور بعض البنوك التي استثمرت في منصات وخدمات رقمية بناء أنظمتها التعاضدية الخاصة بها بداية بالخدمات المالية ثم التوسع لاحقا في مجالات أخرى. ولدى البنوك، في حال موافقة الزبائن على ذلك، إمكانية الحصول على بيانات قيمة يمكن استخدامها لمساعدة هؤلاء الزبائن في اتخاذ قرارات أكثر استنارة بخصوص أموالهم. وهذا بدوره سيشجعهم على طلب خدمات أخرى من البنك أو من شريك. يحوِّل هذا التطور الطبيعي لسوق (معاملات تجارية) دورَ البنك إلى وظيفة مستشارٍ مؤتمن. ولكنه ينجح فقط إذا أوجدنا عروضا «حسب الطلب» بالمنتجات والخدمات الأفضل والأكثر ملاءمة حيثما توافرت. وهذا ما نطلق عليه «حجة دائرة الثقة». وتعني أنه إذا كان الزبائن على استعداد لائتماننا على بياناتهم فيمكننا استخدامها لاقتراح استثمارات بديلة واقتصادية. إن التبادل يبني الثقة ويؤدي إلى المزيد من تقاسم البيانات وإلى توصيات أفضل وكذلك إلى مبيعات خدمات ومنتجات ترتكز على البيانات. وكلما تواءمنا أكثر مع العصر الرقمي كلما تمكنا من رؤية الفرصة المتاحة لنا على نحو أوضح. لقد ظللنا نهيئ أنفسنا على مدى أكثر من عشرة أعوام وكنا في الأثناء نرتكب أخطاء ولكننا أيضا نتعلم منها. ونحن (في العصر الرقمي) نعد العدة للمعركة القادمة. فهناك مجال لعدد أقل من مقدمي الخدمات المالية. وهذا تحول جذري للعمل المصرفي لكنه في نفس الوقت تطور لشيء ظللنا نفعله لسنوات. أنه يتعلق بإيجاد طريقة جديدة لدعم الزبائن من أجل زيادة أصولهم. أي لتشغيل أفضل لأموالهم (والآن لبياناتهم كذلك.) لقد كان العمل المصرفي يُعتبر، على مدى فترة طويلة جدا، الطرفَ الخاسر في معركة كسب زبائن الإنترنت. لكن رغما عن ذلك أعتقد أننا الآن لدينا ما يلزم لإعادة تصميم (بناء) العمل المصرفي وتدشين المرحلة التالية لتطور صناعة البنوك.

• الكاتب الرئيس التنفيذي لمصرف بانكو بلباو فيسمايا أرجينتاريا