1367886
1367886
إشراقات

أحكام الأسرة: تنبيهات تتعلق بالخطبة

21 يونيو 2018
21 يونيو 2018

د. صالح بن سعيد الحوسني -

الخِطبة هي بداية مشروع الزواج، ونقطة يلتقي فيها الزوج بأهل المرأة، وليتمكن من عرض طلبه للزواج بتلك المرأة من وليها، بعد أن يمَّكن من النظر إليها مع العلم أن تلك المرأة والرجل أجنبيان، فلا تصح الخلوة بينهما، ولا يجوز أن تكشف شيئا من زينتها له، وما يقع فيه بعض الأولياء من التهاون في ذلك فيرخون العنان لمولياتهم ليفعلن ما يردن من دون نظر للعواقب والمخاطر التي قد تنشأ بسبب غياب الرقابة والمتابعة والالتزام أمر فيه خطورة كبيرة، وقد يؤول الأمر إلى حدوث الفاحشة وانتهاك الأعراض، وبعد أن ينال منها الخاطب الغادر بغيته يرميها ويرفسها ليبحث عن فريسة أخرى، وهو ما يستوجب الحذر من الانفتاح والتفلت من القيم الشرعية في هذا الجانب.

ومن التنبيهات المهمة في هذا الشأن كذلك النهي عن الخطبة على خطبة الغير؛ التي قد تدفع للنفرة والعداوة والبغضاء؛ فقد جاء في حديث الإمام الربيع بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «لا يخطبن أحدكم على خطبة أخيه، ولا يساوم على سوم أخيه»، ولنا أن نفصل القول في ذلك على النحو الآتي:

الخِطبة في حالة الركون للخاطب والموافقة عليه بل وإعلامه بذلك، وهو ما ينتج عنه أيضا الاستعداد والتحضير للزواج ففي هذه الحالة تكون خِطبة المرأة من قبل شخص آخر محرمة؛ لوجود النص النبوي الصريح في ذلك، وهو أمر يترتب عليه الاعتداء على حق الغير وهو ما يهيج الأضغان والأحقاد، ويشكل إيذاء واضحا للخاطب الأول.

وأما في حالة البحث والسؤال عن أحوال الخاطب قبل إعلامه بالموافقة أو الرفض فقيل إنه يجوز الخِطبة في هذه الحالة واستدلوا على ذلك بقصة فاطمة بنت قيس حينما أتت النبي صلى الله عليه وسلم لما حلت من عدة طلاق زواجها، فذكرت أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم بن هشام قد خطباها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه (يعني أنه كثير السفر أو كثير الضرب للنساء)، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، ولكن انكحي أسامة بن زيد..»

وهذا الحديث يبين أن فاطمة بنت قيس قد تمت خطبتها من قبل شخصين وما زالت في مرحلة البحث والسؤال، ومع ذلك وجهها النبي صلوات الله عليه للزواج من أسامة، وهناك رأي آخر وهو المنع من ذلك حتى ينتهي أمر الخاطب الأول بالرفض أو القبول لأن الخطبة ما زالت قائمة.

وأما في حالة رفض الخاطب الأول والرد عليه بذلك فلا غضاضة حينها من التقدم إلى المرأة وخطبتها لأنها أصبحت خالية من الاشتغال بخطبة الغير.

وأما من وقع في المحذور وخطب على خطبة أخيه فلا يقال إن ذلك العقد باطل، وإنما يكون ذلك الخاطب الآخر قد أخطأ وتعدى فيلزمه التوبة والاعتذار للخاطب الأول.

ومن المسائل المتعلقة بالخطبة موضوع العدول عن الخطبة بعد أن يركن كل من الزوجين للآخر، وتتم الموافقة على السير في إتمام الزواج فإن هذا الوعد لا تترتب عليه أثر شرعي كالمهر أو النفقة أو العدة، ولا ينبغي حينها التراجع التزاما بمبدأ الوفاء بالوعد والعهد، ولكن قد تحدث بعض الأحوال التي تلح على الخاطب أو المخطوبة العدول عن الخطبة، وحينها يجب على المخطوبة إرجاع المهر المدفوع قليلا كان أو كثيرا، سواء كان العدول منها أو من الخاطب، ذلك لأن المهر إنما يلزم بوقوع الزواج بخلاف الخطبة التي لا تعدو أن تكون وعدا بالزواج، وكذا الحال في وقوع الضرر بأحدهما وجب جبره من الطرف الأخر، فالضرر يزال.

ومن التنبيهات المهمة في هذا الجانب ما سري إلى بعض المسلمين من العادات الدخلية التي لا تمت للدين بصلة، ومن بينها ما يعرف بدبلة الخطوبة، وفيها يقوم الخطيب قبل عقد القرآن بتلبيس خطيبته خاتما في أصبع يدها لتقوم هي أيضا بنفس الفعل، وهو أمر واضح الحرمة لأن الخطيبين لا يزالان أجنبيان فلا يصح له مصافحتها، أو تلبيسها شيئا من الخواتم أو نحوه لورود النهي الصريح عن ذلك، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يطعن أحدكم بمخيط من حديد في رأسه خير له من أن يمس امرأة لا تحل له»، وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصافح امرأة قط، وهناك أمر آخر يستدعي الوقوف مع هذه القضية وهي أن هذا الصنيع في أصله خرافة يونانية تدعي وقوع المحبة بفعل ذلك، وقد ثبت بطلانها وزيفها.