sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: بلا خيبة

20 يونيو 2018
20 يونيو 2018

شريفة بنت علي التوبية -

قد تتوالى الخيبات والإحباطات عليك في الأقرب إلى نفسك أو الأبعد عنها، وقد تجد الحياة ضيّقة رغم اتساعها، ومشوّهة رغم جمالها، ومهزوزة رغم ثباتها، ومقنّعة رغم ملامحها الواضحة أمامك، كثير من الأشياء تسقط في لحظة سقوط الثقة بينك وبين الآخر وانهيار ذلك الجدار الذي تسند عليه ظهرك، لحظة زوال الظل الذي كان يتبعك أينما ذهبت، ولحظة أن تجد نفسك وحيداً جداً سوى مما اعتراك من قلق هذا الوجود، قد تتوالى الإحباطات عليك لأنك فرد ضعيف وعاجز في هذا العالم الملوث بشتى أنواع الفساد والموت والدمار، ولأنك لست سوى المتفرج البائس والشاهد الأبكم على ما يحدث.

قد تشعر كم هذه الحياة قصيرة وماضية، وبما أنك لست سوى زائر أو عابر عليها، تتساءل ماذا فعلت في هذه الرحلة وماذا أنت فاعل فيما تبقى لك من أيام لا تستطيع عدها في رحلة غير محسوبة ولا معدودة؟ ليس لأنك جاهل بعمليات الحساب، ولكن لأنك ذرة في هذا الكون الشاسع، ولأن العلماء حتى الآن لم يستطيعوا اكتشاف ما يساعدهم على تحديد عمر الإنسان، ومع ذلك تشعر بالارتياح لأن هذا الجهل يجعلك مرتاحاً وسعيداً، فبعض الجهل نعمة نحمد الله عليها.

فكل من رحلوا لم يعرفوا أنهم راحلون، فهم لم يخبرونا ولم يستأذنوا قبل رحيلهم، مضوا هكذا فجأة وبدون ضجيج، فكل الضجيج يأتي من الأحياء، لأن الموت يوجع الأحياء أكثر مما يوجع الأموات كما أظن، ولكنه وجع مؤقت لدى الأغلب فينا، فذاكرة الإنسان قصيرة المدى، ومع الأيام تتغلب الرغبة في الحياة على وجع الفقد، ولأن ذاكرة الإنسان قصيرة المدى فهي أيضاً قصيرة النظر، فالبعيد عن العين بعيد عن القلب وبالتالي بعيد عن الذاكرة. وفي ظل شعورك بالعجز والضعف والانهزام أمام جيوش الألم، تدرك أنك مصاب بهشاشة عاطفية وكسر في أجنحة الروح، وأنك بحاجة إلى إنسان حقيقي، يفهم ما أنت عليه، إنسان واحد فقط تستطيع أن تتحدث إليه دون أن تنتقي كلماتك، إنسان تستطيع أن تبكي أمامه بعاطفة عارية من زيف الكبرياء، إنسان يستمع إلى أحاديثك السخيفة دون مقاطعة، إنسان يشاركك الضحكة حتى في غير أوانها، ويخبرك أن هذه الدنيا بخير، وإنك إنسان عادي وجميل بكل ما فيك من عيوب وتشوهات وخيبات، فتعلم أنك مكتمل به، وأن ذلك الموجود في الصورة المعلّقة على بطاقتك الشخصية ليس سوى قناعك المبتسم، فأنت بلا خيبة ما دمت روحاً نقية وصادقة.