abdullah
abdullah
أعمدة

رماد: التواضع

20 يونيو 2018
20 يونيو 2018

عبدالله المعمري -

[email protected] -

كثيرون هم من يتحدثون بما لا يفعلون، ويُنمقون الحديث في أجمل صوره، بل ويتسارعون في النقد، وإظهار ما هم فيه من حسن الكلام، لكنهم يخالفون حسن أقوالهم بقبح أفعالهم وردودهم، وحتى بصفاتهم التي كان لابد أن تتوافق مع ما يقولون، هم بلا شك يمتلكون العلم، لكنهم تنقصهم الكثير من الأفعال في السلوك والأخلاق مع الآخرين، والصور في ذلك لا تحصى، فقط دقق النظر وستعلم.

مثلا، يتحدثون عن التواضع، ويملكون من الشواهد في حديثهم ما لا يمكن حصره، ويسردون قصصا حدثت معهم في رحلاتهم أو أسفارهم، أو واقع مجتمعهم، سواء تلك القصص التي تعمق قوة التواضع وجماليته، أو التكبر والغرور ومساوئه، لكنهم ينسون أنفسهم، فأنوفهم للسماء مرفوعة، وأصابع أيديهم في مصافحة الناس ممنوعة، لا يعيرون ملقي السلام عليهم بالا، ولا يبادرون بالتحية وإلقاء السلام، وإن مروا بك مروا جبارين، كأن الأرض تزلزلها خطوات أقدامهم بخترةً وعلوًّا.

ذات مرة، في إحدى الحفلات، الحشد في القاعة يتبادلون التحية والسلام، والبسمة تزين محيّاهم، لا تفرق بينهم أيهم الرئيس وأيهم المرؤوس، بتواضع مع بعضهم بعضا، يتنقّل أحدهم من شخص إلى آخر، وبينما هم كذلك، فإذا بأحدهم يدخل القاعة يلقي نصف تحية وسلام، يشق طريقه بينهم في غرور، ومصافحته لهم بطرف أصابعه، بل ويمر عليهم بمصافحتهم كالبرق، يقف فقط مع المسؤول منهم، أما ما دون ذلك فلا يعيرهم اهتمامه، وإذا ما حاول أحدهم إكمال رد التحية عليه وسؤاله عن حاله وأحواله ينسل عنه قبل أن يكمل حديثه.

في تلك اللحظة، امتلأت القاعة بالضجر ووجوه مستنكرة، وتكرار ذات السؤال، من هذا؟!، ليس سؤال استفهام لعدم معرفتهم به، فهم يعرفونه اسما ووظيفة، ولكن سؤالهم ناتج عن التكبر الذي أبداه، في امتعاض شديد لمثل هذه التصرفات التي ترفضها القلوب، ولا ترضى بها الأنفس الطيبة التي تعيش فرحة المناسبة في تلك القاعة.

انتهت الحفلة وغادر الجميع القاعة، لكن فعل ذلك الفرد المتكبر ظل معهم في حديثهم عنه، في استنكار لفعله الذي يناقض أقواله، مؤكدين حقيقة ساطعة منذ الأزل بأن الإنسان بأفعاله لا بأقواله، وأن السيرة الحسنة بين الناس هي ما تصنعها أفعالنا معهم لا بما نقوله لهم عبر مختلف منصات الحديث.