1368509
1368509
تقارير

تباطـؤ أنشطـة الاكتتاب العام في الشـرق الأوسـط

20 يونيو 2018
20 يونيو 2018

الطرح يتأثر بالأوضاع الجيوسياسية العالمية -

عمان: تسببت المخـــاوف السياسيـــة وتقلبات السوق مجددا في تباطؤ حركة سوق الاكتتاب العام في النصف الأول من العام 2018، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى انخفاض صفقات جمع رأس المال في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. وقد بلغ عدد الصفقات الجديدة المدرجة 676 صفقة حتى الآن في النصف الأول من العام 2018، متراجعة بنسبة 19% مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. كما انخفضت قيمة صفقات الاكتتاب العام المدرجة على النطاق العالمي بواقع 15% لتصل إلى 90 مليار دولار أمريكي، فيما انخفضت صفقات جمع رأس المال في الشرق الأوسط بنسبة 70% مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق.

وأشار تقرير صادر عن شركة الاستشارات المالية “بيكر مكنزي” إلى أنه كان للمخاوف المتعلقة بالظروف الجيوسياسية، لا سيما السياسات الوقائية للرئيس الأمريكي ترامب، فضلا عن تعثر مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحالة عدم اليقين السياسي التي طال أمدها في إيطاليا أثر واضح على اتجاهات وشهية المستثمرين وتسببت في تراجع عمليات الطرح العام عموما. كما تسببت حالة عدم استقرار السوق التي بلغت ذروتها مطلع العام 2017 ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة، في تفاقم التحدي المتمثل في تحديد الوقت المناسب للبدء في طرح عمليات الاكتتاب العام.

من جانب آخر، كان أداء صفقات الاكتتاب العام العابرة للحدود أفضل بكثير. وساهم الارتفاع الكبير في عمليات جمع رأس المال العابرة للحدود في كبرى أسواق رأس المال في أمريكا الشمالية في منح زخم هائل لهذه الصفقات، حيث أبدت جهات الإصدار الخارجية ارتياحا ملفتا لإدراج أسهمها في بورصات الولايات المتحدة على الرغم من التدابير الوقائية والتحفظية السائدة في أروقة صنع القرار في الولايات المتحدة، وصفقات الطرح العام التي تقل قيمتها عن نصف مليار دولار أمريكي قد تم طرحها بنجاح في الولايات المتحدة.

وتمكنت جهات الإصدار من جمع أكثر من 16.6 مليار دولار، بزيادة بنسبة 15% مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. كما شهد عدد الصفقات العابرة للحدود تحسنا من نسبة 18% إلى نسبة 85%، مع إبرام ثلاث من أضخم عشر عمليات للاكتتاب العام العابرة للحدود في أسواق أمريكا الشمالية. وفي حين استقطبت الولايات المتحدة 13 عملية من عمليات الطرح العام الصينية العابرة للحدود، لاتزال هونج كونج الوجهة المفضلة التي جذبت إليها 18 صفقة. وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع قيمة مؤشر بيكر مكنزي بشأن الصفقات العابرة للحدود إلى 17.4 بعد أن كان 13.2 في النصف الأول من عام 2017 ، أي أقل بقليل من أعلى مستوى مسجل عند 18.7 في النصف الأول من العام 2014.

وقال كوين فانهايرنتز، رئيس أسواق رأس المال العالمية في بيكر مكنزي، “في الوقت الذي تتبنى جهات الإصدار المحلية نهج الانتظار والترقب في ضوء الأوضاع السياسية المختلفة، تشهد المخاوف من العولمة تراجعا ملحوظا، كما أن تأثير القومية الاقتصادية لم يصل إلى سوق الصفقات العابرة للحدود.” وأضاف، “يعكس تحسن نشاط الصفقات العابرة للحدود مستوى جيدا وسليما من أداء أسواق الأسهم العالمية، على الرغم حالة الهدوء السائدة في الأسواق المحلية.”

إن انخفاض حجم الصفقات الذي شهدته منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا قد تم تعويضه جزئيا من خلال تحسن صفقات جمع رأس المال العابرة للحدود في أمريكا الشمالية وعمليات الإدراج المحلي الأعلى مستوى في أمريكا اللاتينية. وفقدت منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا مركز الصدارة من حيث صفقات الإدراج المقدرة بمليار دولار أمريكي مقارنة مع أسواق أمريكا الشمالية، حيث لم تسجل سوى عمليتين فقط في النصف الأول من العام. ومع ذلك، لاتزال أسواق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا نشطة ولايزال حجم الصفقات العابرة للحدود مستقرا وثابتا.

وارتفع عدد عمليات الاكتتاب العام الملغاة في النصف الأول من العام إلى أكثر من النصف ليصل إلى 11 صفقة مقارنة بـ 23 صفقة ملغاة في النصف الأول من عام 2017، ويعود السبب في ذلك إلى أن المصدرين المحتملين ومستشاريهم قد اكتسبوا مهارة أكبر من حيث التصرف في ظل حالات عدم اليقين.

وفي ضوء ذلك، يأمل صانعو الصفقات في انخفاض مستوى حالات التذبذب وعدم اليقين السائدة في السوق خلال النصف الثاني حتى يتسنى لهم الحصول على المزيد من الصفقات، إذ إن العوامل الاقتصادية الأساسية لاتزال قوية إلى حد معقول مع عدم توقع حدوث انخفاض في الاقتصاد العالمي حتى عام 2020.

الاكتتاب العام في الشرق الأوسط

أظهر نشاط الاكتتاب العام الكلي (الصفقات المحلية والعابرة للحدود) في الشرق الأوسط تباطؤا نسبيا منذ بداية العام، حيث بلغت قيمة صفقات جمع رأس المال 263 مليون دولار أمريكي فقط (منخفضة بنسبة 70% مقارنة بالعام السابق) ناتجة عن إنجاز 6 عمليات للاكتتاب العام (منخفضة بنسبة 54% مقارنة بالعام السابق) في النصف الأول من عام 2018، وذلك مقارنة بمبلغ 872 مليون دولار أمريكي ناتجا عن إبرام 13 صفقة في النصف الأول من عام 2017، ومبلغ 639 مليون دولار أمريكي ناتجا عن 3 صفقات تم إبرامها في النصف الأول من عام 2016.

وفي عام 2017، ارتفع إجمالي عدد الشركات المدرجة في الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، مدعوما بالتحسن العام في أوضاع السوق وثقة المستثمرين في المنطقة. وعلى الرغم من الانطلاقة البطيئة للنصف الأول من عام 2018، من المتوقع أن يرتفع نشاط الاكتتاب العام في النصف الثاني من العام نتيجة لحملة الخصخصة التي تشهدها المنطقة والتي ستؤدي إلى إدراج الشركات الحكومية وشبه الحكومية في السوق.

وأشار محمد الرشيد، أحد شركاء قسم أسواق رأس المال والدمج والشراء في “بيكر مكنزي”: “رغم أن عدد عمليات الاكتتاب الأولي خلال النصف الأول من هذا العام كان أقل من المتوقع، إلا أننا ما زلنا نعتقد أن هناك قابلية، خاصة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة”. وأضاف أيضا: “يتضمن الطرح العام الأولي عددًا من المعاملات التي تهدف إلى الوصول إلى السوق في وقت لاحق من هذا العام ، على الرغم من أنه من المحتمل أن تمتد بعض هذه المعاملات إلى الربع الأول من عام 2019.”

نيويورك.. الوجهة المفضلة

جاءت بورصة نيويورك وناسداك في الصدارة في مجال جذب كافة عمليات الاكتتاب العام من حيث الحجم والقيمة. وقد تعزز زخم صدارة سوق الولايات المتحدة من خلال سوق الصفقات العابرة للحدود التي ارتفعت قيمتها بنسبة 338% لتصل إلى 9.1 مليار دولار من خلال 30 صفقة. وهذا بدوره أدى إلى ضعف الأداء في السوق المحلية، حيث انخفضت القيمة بنسبة 20% من خلال 148 صفقة مقارنة بـ 120 صفقة في الفترة ذاتها من العام السابق. كانت بورصة نيويورك الوجهة المفضلة لعمليات جمع رأس المال العابرة للحدود، كما ظفرت البورصة أيضا بعدد من صفقات الاكتتاب العام الناشئة عن قطاع التقنيات متقدمة بذلك على بورصة ناسداك.

وكانت هونج كونج الوجهة الأكثر نشاطًا من حيث جذب صفقات الاكتتاب العام العابرة للحدود مستأثرة بنسبة 36% من تلك الصفقات، حيث لا يزال توجه الشركات الصينية المحلية لإدراج أسهمها في هذه البورصة ثابتا.

من ناحية ثانية، بدت سوق لندن بأنها الأكثر تحملا لعبء تراجع أنشطة الصفقات نتيجة مخاوف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتهديدات العولمة والتجارة الحرة الأوسع نطاقا، حيث انعكس ذلك بانخفاض قيمة وحجم الصفقات المسجلة لديها. كما شهدت عمليات جمع رأس المال تراجعا بنسبة 50% خلال النصف الأول من عام 2018 لتصل إلى 4.6 مليار دولار أمريكي في حين انخفض عدد الإصدارات بنسبة 9% ليصل إلى 32 صفقة. وعلى الرغم من ذلك، احتفظت بورصة لندن بمكانتها كوجهة رائدة للاكتتاب العام في المنطقة، على الرغم من الصفقة الأضخم التي تم إبرامها لهذا العام كانت من نصيب بورصة فرانكفورت.

انتعاش في الهند

فيما يتعلق بالدول الحاضنة لعمليات الطرح العام، كانت الولايات المتحدة الأكثر نشاطا من حيث عدد عمليات الطرح العام التي بلغت 107 صفقات تلتها الهند برصيد 95 صفقة ومن ثم الصين برصيد 77 صفقة. كما جاءت الولايات المتحدة في الصدارة من حيث عمليات جمع رأس المال بمبلغ 20.8 مليار دولار أمريكي، تلتها الصين بمبلغ 13.2 مليار دولار أمريكي وألمانيا بمبلغ 8.7 مليار دولار.

إن حجم صفقات الاكتتاب العام في الهند مرتفع بشكل ملحوظ نظرا لأن الهند تعتبر سوقا تشهد نموا مستمرا على مدى السنوات الأخيرة. وقد انعكس ذلك من خلال الزخم القوي لعمليات الإدراج المحلية، ومن المتوقع حفاظها على هذا الأداء حتى الربع الأخير، وهو موعد بدء الانتخابات. وتأتي أكبر الشركات المصدرة لصفقات الاكتتاب العام العابرة للحدود من الصين برصيد 31 صفقة، منها ما مجموعه 18 صفقة أدرجت في بورصة هونج كونج والباقي في الولايات المتحدة.

القطاعات المالية محل التركيز

تراجع عدد الصفقات المبرمة في القطاع المالي، غير أن هذا القطاع سرعان ما استرد زخمه والعودة للصدارة كأكثر القطاعات نشاطا من حيث قيمة وحجم الصفقات المسجلة في النصف الأول. تم إبرام صفقات بقيمة 20.7 مليار دولار أمريكي، وهي أقل بنسبة 33% مقارنة بالنصف الأول من عام 2017 برصيد 115 صفقة، بعد أن كانت 119 صفقة.

وشهد القطاع المالي إبرام اثنتين من أكبر عشر صفقات للاكتتاب العام تعودان لشركتي أكسا إكويتابل هولدينجز ودي دبليو اس جروب.

وكانت القطاعات الأخرى الوحيدة التي جمعت أكثر من 10 مليارات دولار أمريكي في النصف الأول هي قطاع التكنولوجيا المتطورة والرعاية الصحية. كان قطاع التكنولوجيا المتطورة (أعلى بنسبة 44%) والرعاية الصحية (أعلى بنسبة 45%) والقطاع العقاري (أعلى بنسبة 86%) هي القطاعات الوحيدة التي تمكنت الشركات خلالها من جمع المزيد في النصف الأول من هذا العام مقارنة بالعام السابق.

كما شهدت عمليات الاكتتاب العام المدعومة بأسهم الملكية الخاصة ورأس المال الاستثماري انخفاضاً بنسبة 46% من حيث الحجم و13% من حيث القيمة، بالإضافة إلى فقدانها حصة من الطرح العام الكلي. تعكس هذه الشريحة تباطؤا في عمليات التخارج الاستثماري لكل من صفقات أسهم الملكية الخاصة ورأس المال الاستثماري، مدفوعة بالصناديق الاستثمارية المحتفظة بأصول لآجال استحقاق أطول بهدف إجراء تحسينات تشغيلية لزيادة القيمة بدلا من الاعتماد على الأموال المقترضة والهندسة المالية لتحقيق العائد.