أفكار وآراء

اليمن .. وضرورة الالتقاء على كلمة سواء !!

19 يونيو 2018
19 يونيو 2018

عوض بن سعيد باقوير -

الحرب في اليمن الشقيق تدخل عامها الرابع دون حسم عسكري، حتى الآن على الأقل، ويبدو من خلال بعض التحليلات العسكرية، أن هذه الحرب دخلت في مرحلة أقرب إلى عمليات الكر والفر، في إطار مواجهة بين جيش نظامي بعتاده الجوي وبين مجموعات مسلحة تمثلها جماعة الحوثي ـ أنصار الله -

ولعل معركة الحديدة تعطي مؤشرا بأن المواجهة العسكرية سوف تكون كارثية على المواطنين اليمنيين في مدينة الحديدة خاصة وأن المدينة التي تقع على ساحل البحر الأحمر تعد ذات كثافة سكانية كبيرة.

وعلى ضوء امتداد المعارك على الساحل الغربي لليمن، في الأيام الأخيرة، فإن اليمن يكون قد دخل في وضع عسكري معقد اختلط فيه العسكري بالمدني إلى حد غير قليل، وعلى ضوء الطبيعة الجغرافية لليمن، فإن الحرب قد تدخل في إطار مشابه بدرجة ما للحرب في أفغانستان، والتي لا تزال متواصلة، رغم شن الحرب من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية، حيث لا تزال حركة طالبان تواصل الحرب، والتفجيرات تتواصل حتى في داخل العاصمة الأفغانية كابول، ومن هنا فان الالتقاء على كلمة سواء بين الفرقاء هو الإطار الأنسب والوحيد للتوصل إلى حل سياسي في اليمن الشقيق.

إن السيطرة العسكرية على المدن كالحديدة وغيرها، ممكن عمليا، وفق موازين القوى بين الجانبين المتحاربين، ولكن المواجهات التي تشبه حرب العمليات المسلحة في جبال وعرة ومعقدة سوف تستمر على الأرجح للأسف الشديد، ولكن الأمر الخطير هو أن تكلفة الحرب الباهظة يدفع ثمنها الشعب اليمني، من حاضره ومستقبل أبنائه، ومن هنا فان وجود ممثل الأمين العام للأمم المتحدة البريطاني جريفيث الموجود حاليا في العاصمة اليمنية صنعاء، يعد خطوة في غاية الأهمية من خلال خطته للسلام، والتي تم تسريب بعض جوانبها الى وسائل الإعلام.

اليمن أولا

لابد من وضع مصلحة اليمن أولا، ومن هنا فان ينبغي على الفرقاء اليمنيين بشكل خاص، أن يتداركوا خطورة الأوضاع، وضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار، وان تكون هناك تنازلات متبادلة، من خلال تسوية سياسية قادرة على إنقاذ الشعب اليمني من الكوارث المحدقة به، ومن هنا فان مسألة القبول بالخطة التي وضعها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، يمكن الحوار بشأنها، وربما تعديل بعض بنودها ، إذا لزم الأمر، لان وقف الحرب هو الأمر الملح بالفعل في هذه المرحلة.

صحيح هناك أجندات للفرقاء اليمنيين، وهذا شيء معروف، لكن استقرار اليمن والحافظ على وحدته الوطنية، يعد أمرا مهما، بل ويسبق أي أجندات فرعية، فالحروب عادة لا تخدم الشعوب، بل تمزق الأوطان، وهناك أمثلة عديدة في هذا المجال، فالوضع في سوريا وليبيا على سبيل المثال هو وضع كارثي.

معركة الحديدة، ليست معركة فاصلة، كما قد يتصور البعض، ولكنها سوف تعقد الأمور أكثر، وتجعل من التسوية السياسية أمرا صعبا، ومن هنا فإن الالتقاء على كلمة سواء من قبل الفرقاء اليمنيين وحتى قوات التحالف، يبقى أمرا موضوعيا حتى يتم تجنيب اليمن المزيد من الكوارث الإنسانية، حيث انتشار الأمراض والمجاعة وتشتت الأسر، في إطار مأساة إنسانية هي الأخطر في العصر الحديث، حسبما تقول التقارير الدولية. وإذا استمرت الحرب فان مزيدا من الكوارث سوف يقع بالتأكيد، وهناك تخوف كبير من جانب المنظمات الدولية حول أهمية المحافظة على ميناء الحديدة مفتوحا، إذ انه يعد الشريان الوحيد لوصول المساعدات الإنسانية الى الشعب اليمني الشقيق.

مسار الحرب

على ضوء التجارب السابقة في الحروب في جغرافيا معقدة كاليمن، فإن حسم الحرب بشكل كامل يبدو غير ممكن، وحتى لو تم السيطرة على بعض المدن فان الطبيعة الجبلية لليمن تعد مسرحا مناسبا، كما حدث من قبل، لحرب العصابات، وعمليات ومواجهات الكر والفر، وبالتالي سوف تدخل اليمن في مناخ غير مستقر على شكل النموذج الأفغاني. ومن هنا فان الحوار بين الفرقاء يظل الخيار الوحيد والمناسب، والذي من خلاله يمكن أن تنتهي الحرب ويتم حقن الدماء بين الفرقاء.

الميزان العسكري غير متكافئ بين الفرقاء، ولكن في ظل حرب أهلية بين الفرقاء اليمنيين ودخول قوات التحالف العربي، تدخل الحرب مرحلة أكثر تعقيدا، خاصة في ظل تحالفات معقدة حتى بين القوى اليمنية ذاتها، ومن هنا فان مسار الحرب اليمنية قد يظل بين كر وفر وعلى نحو يقترب من حرب استنزاف حقيقية وهنا سوف تكون المسألة اكثر خطورة بالنسبة للمدنيين اليمنيين.

القوات اليمنية وقوات التحالف لها تفوق جوي كبير، ولكن المعارك والحروب تحسمها القوات البرية، والخطط على الأرض، كما أن القوات المهاجمة عادة ما تكون في وضع أصعب من خلال مفاجآت الطرف الآخر الذي يعرف طبيعة الأرض، كما أن الدخول بشكل مباشر للسيطرة على المدن سوف يكون له انعكاس خطير على السكان وعلى البنية الأساسية وعلى تحول المدن إلى ثكنات حرب حيث الحارات والأزقة والبنايات وهذه واحدة من الإشكالات التي قد تحدث في ضوء ما يشير إليه الخبراء العسكريين من خلال مسار الحرب اليمنية وهي تدخل الآن عامها الرابع مع خسائر بشرية ومالية كبيرة لكل لفرقاء الحرب. ومن هنا فان الدعوة للالتقاء على كلمة سواء تنطلق من تلك المخاطر والتي تسببها للحروب للشعب اليمني والذي عانى الكثير خلال السنوات الماضية.

ضرورة التوافق اليمني

وعلي ضوء المشهد المأساوي في اليمن فان التوافق اليمني-اليمني هو السبيل الوحيد لإنقاذ اليمن حيث إن الحسم العسكري يبدو صعبا، إن لم يكن اكثر صعوبة لاعتبارات كثيرة، كما أن هناك تقاطعات إقليمية لا يمكن إنكارها، وهناك توازنات لدولة مثل اليمن، ذات مكون قبلي معروف، ومن هنا فان الوقت ربما اصبح مناسبا لإنجاز التسوية السياسية والتوصل إلى حل متوازن يرضي كل الفرقاء في اليمن، حتى يدخل اليمن في مناخ السلام والاستقرار وان تكون هناك خارطة طريق تؤدي إلى مرحلة سياسية مستقرة، وتكون هناك خطة لإعادة الإعمار، لان الحرب الحالية أصبحت بمثابة تدمير واسع للبنى الأساسية والموارد، فضلا عن الخسائر البشرية المتزايدة، ولعل مقترحات جريفيث تكون مساعدة في التوصل الى نقاط توافق بين الفرقاء.

الحروب لها دورة محددة ويبدو لي أن الحرب في اليمن وصلت إلى ذروتها، ومن الصعب في حرب تؤدي في نهاية المطاف إلى تمزيق الدولة اليمنية بل وتدخل في إطار حرب أهلية مصغرة، وهذا سيناريو خطير، إذا استمرت الحرب بكل كوارثها الإنسانية، ولذا لابد من استمرار الجهود من قبل الأمم المتحدة والدول المحبة للسلام لإنهاء هذه الحرب والتي تسببت في مشاكل كبيرة وخلقت التوتر في المنطقة، مما يعني أن الأمر بحاجة إلى سياسة منطقية وموضوعية وصوت عال ينادي بوقف الحرب، على أساس التوافق وقاعدة لا ضرر ولا ضرار.