أفكار وآراء

هل يتكرر الحلم الألماني في كوريا؟

15 يونيو 2018
15 يونيو 2018

بقلم: سمير عواد -

هل يتكرر الحلم الألماني الذي حصل في عام 1989 بسقوط جدار برلين، في كوريا الشمالية ليسقط جدارها الذي يفصلها عن كوريا الجنوبية في العام القادم 2019؟ وهل يقوم الزعيم الكوري الشمالي كيم جون أون، بالذات بالدور الذي قام به إيجونكرينس، الذي أطاح بالزعيم الألماني الشرقي إيريش هونيكر في عام 1989 لأنه كان يرفض الإصلاحات، بينما مئات الآلاف من الألمان الشرقيين كانوا يتظاهرون ليس طلبا للوحدة وإنما للحصول على حقوقهم. هناك تشابه كبير في الحالتين، فسكان ألمانيا الشرقية عاشوا أربعين عاما وراء الستار الحديدي ضمن حدود مغلقة، لأنهم صدقوا نظامهم، ويعيش الكوريون الشماليون منذ سبعين عاما داخل حدود مغلقة بحيث لا يعرفون عبر أجهزة الإعلام المسيرة شيئا عما يدور في العالم حتى في كوريا الجنوبية على الطرف الآخر من بلادهم.

مثل هذين السؤالين أو غيرهما لم يعد سرا مكتوما، فحتى المخابرات الألمانية «بي أن دي» في الشطر الغربي من ألمانيا، لم تكن تعرف أن مسيرات الاحتجاج في ألمانيا الشرقية سوف تؤدي إلى انهيار نظام برلين الشرقية. فقبل عامين سبقا انهيار جدار برلين، قام هونيكر بأول زيارة رسمية إلى بون التي كانت عاصمة الشطر الغربي، وتم استقباله هناك بحفاوة، ولم يتم التطرق بكلمة واحدة إلى وجود رغبة أي من الطرفين باستعادة ألمانيا وحدتها، وأكثر ما كان الحديث يدور في لقاءات القادة الألمان من الشطرين، كان موضوع تسهيل حياة الشعبين ومساعدتهما في التواصل وتبادل الزيارات.

إن ما يلفت الأنظار أن كيم جونج أون يقود كوريا الشمالية مثل والده وجده قبل سبعين عاما، ويحاول الظهور مع زوجته الشابة بأنهما يمثلان الفكر العصري، لكن في الحقيقة، لم يتغير شيء في كوريا الشمالية منذ سبعين عاما، وقد تعب الحرس القديم، أما المواطنين فما زالوا يدفعون ثمن التسلح غاليا، حيث ينتشر الفقر في مختلف أنحاء البلاد، ولا يسمح كيم جون أون لأحد بالاقتراب منه إلا إذا كان مواليا له، وهو يحمل مسؤولية انتشار الفقر وانعدام الفرص أمام الجيل الجديد، للولايات المتحدة الأمريكية التي فرضت عقوبات ضد بلاده.

ويعتقد الرئيس كيم جونج أون، أنه حقق مكاسب سياسية في الفترة الأخيرة. فهو لم يُقنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالتراجع عن التهديد بمحو كوريا الشمالية من الخارطة فحسب، وإنما أعد للاجتماع به في سنغافورة، وهو ما تم بالفعل يوم أمس الأول الموافق 12 من يونيو الجاري. كما تمكن الرئيس الكوري الشمالي، من إقناع الصين بإيفاد مبعوث كبير لزيارته، وكل هذه المكاسب تمت له لأن كوريا الشمالية نجحت في امتلاك أسلحة نووية التي تُعتبر القاعدة الأساسية التي يعتمد عليها النظام في البقاء. ومع إعلان كيم جونج أون في عام 2017، امتلاك بلاده أسلحة نووية، عاد الخوف إلى المواطنين الكوريين في الشطرين الشمالي والجنوبي وذكريات الحرب الكورية التي حدثت خلال الفترة من 1950 حتى 1953. ففي تلك الفترة قام الأمريكيون بتحويل كوريا الشمالية إلى أرض محروقة في عهد الزعيم الراحل كيم إيل سونج، وتُعتبر الأسلحة النووية التي يمتلكها النظام الكوري الشمالي حاليا ضمانا للكوريين الشماليين، لأنها تحول دون تجدد ما حصل لبلادهم في مطلع الخمسينات من القرن الماضي.

ويعرف كيم جونج أون، أن الأسلحة النووية تشكل ضمانا له في السلطة ، وأنها سلاح بلاده الوحيد في مواجهة تهديدات من الخارج. وقد سبق له وأن حذر من الخطأ الذي وقع فيه الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي بدأ نظامه بالانهيار بعد أن أوقف العمل في برنامجه النووي، ولأنه أصبح يعتمد على وعود الأمريكيين بحمايته من خسارة السلطة.

والمؤكد أن كيم جونج أون، لن يجازف سياسيا ويتجاوب مع ترامب إذا أصر الأخير على تخلي كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية، لان الزعيم الكوري الشمالي يخشى التعرض لمصير الرئيس السوفييتي ميخائيل جورباتشوف، الذي بدأت الإمبراطورية السوفيتية تنهار عندما اعتبر في عام 1986 أن الأسلحة النووية تشكل تهديدا للسلام، وسرعان ما أصبح المواطنون السوفييت يعارضون وجودها بعدما كانوا لعقود يعتبرونها ضمانا في مواجهة الغرب الرأسمالي.

ويريد كيم جونج أون، في عصر الرقميات والعولمة، أن يعزز سلطته باللجوء إلى فرض رقابة رقمية على حياة مواطنيه، ولذلك يحتاج إلى الخبرة التقنية من الصين، لذلك فإن مصيره بيد الصين التي يعتمد عليها كليا مثلما كانت جمهورية ألمانيا الديمقراطية تعتمد في البقاء على الاتحاد السوفييتي.

لو سأل زائر مواطنين في كوريا الشمالية عن أمنياتهم، فإن الجواب هو أنهم يريدون العيش في ظل حياة كريمة ليس فيها فقر وجوع وانقطاع دائم للكهرباء ووقود التدفئة، والسفر. ويحكم كيم جونج أون، بلاده بقبضة من حديد. وإذا تحدث مواطن مع زائر أجنبي، ولا ينتمي إلى الزمرة الحاكمة، فإنه يعرض نفسه للسجن في معسكرات التأهيل.

لكن كيم جونج أون، يعرف أنه في خطر في حالتين، الأولى إذا استجاب لطلب ترامب ومون جي رئيس كوريا الجنوبية، بأن مستقبل بلاده يصبح أفضل إذا تخلى عن برنامجه النووي. الثانية، أما إذا أصر على التمسك بأسلحته النووية وحكم بلاده بالنهج الراهن دون تقديم تنازلات للمواطنين مثل الانفتاح على كوريا الجنوبية والعالم، فإنه قد يواجه المصير الذي لاقاه الرئيس الألماني الشرقي إيريش هونيكر وربما ينتهي في المنفى إذا كان محظوظا. ولذا فانه ليس مصادفة ان يتعهد الزعيم الكوري الشمالي بنزع أسلحته النووية مقابل ضمانات أمنية أمريكية له ولبلاده، وهو ما تم التأكيد عليه في قمة سنغافورة بين ترامب وكيم جونج اون أمس الأول. وان كان تطبيق ذلك سيحتاج بالضرورة الى فترة زمنية غير قليلة لبناء الثقة بين الجانبين الكوري الشمالي والأمريكي.