1361813
1361813
إشراقات

العيد شعيرة من شعائر الإسلام يحسن فيه طيب الأعمال والصالح من الخصال

14 يونيو 2018
14 يونيو 2018

زيارة الأرحام والأقارب ومساعدة المحتاجين .. أهم مظاهره -

الاستمرار على الطاعة وصيام ست من شوال تبقينا على صلة بالصوم بعد رمضان -

مفهوم العيد في الإسلام عبادة وطاعة، وفرح وسرور، وتراحم وتلاحم، وهو شكر الله على إنعامه وتوفيقه وللعيد أحكام وسنن وآداب، وعلى المسلم أن يبدأ يوم العيد بذكر الله، وبالتكبير الذي يبدأ من وقت الخروج إلى المصلى حتى تبدأ الصلاة، كذلك من سنّ في هذا اليوم زكاة الفطر وهي صاع من طعام عن كل فرد تخرج قبل، كما أن من سنن العيد زيارة الأرحام والأقارب والجيران والأحبة، ومد يد العون والمساعدة للفقراء والمحتاجين، ومن خير العادات في المجتمع العماني ما يعرف بالعيدية التي توزع للصغار إظهار لمنة الله على العبد على أدائه العبادة، وهي صدقة إن أعطيت لفقير وصلة إن أخذها غني. ونحن نودع رمضان علينا أن نستمر على الطاعة وصيام ستة أيام من شوال ليبقى المسلم على صلة بالصوم بعد رمضان، ولينال أجر وثواب صيام سنة كاملة، ذلك ما أوضحه د.يوسف السرحني ويحيى الهاشلي في الحوار التالي معهما:

يتحدث بداية د. يوسف بن إبراهيم السرحني عن مقاصد الأعيان عند المسلمين والحكمة من مشروعيتها فيقول: المتتبع لتاريخ الأمم والشعوب قديما وحديثا يجد أن اتخاذ أيام معينة ومحددة في السنة لتكون أعيادا من الأمور التي اتفقت عليها الإنسانية على اختلاف أجناسها، وأديانها، وأوطانها، وبلدانها؛ فهناك من يجعل من أيام انتصاراته أعيادا، وهناك من يجعل من ذكريات ومناسبات معينة أعيادا، ونحن إذا نظرنا إلى كتاب الله تعالى نجد في سورة المائدة إشارة وتوجيها لمغزى العيد في الدين يقول الله تعالى: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّـهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَة مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَة مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

وأضاف: ونحن المسلمين قد أكرمنا الله تعالى بعيدين في السنة هما: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وكل منهما يأتي بعد أداء ركن من أركان الإسلام الخمسة، فعيد الفطر يأتي بعد إكمال صيام شهر رمضان، وعيد الأضحى يأتي بعد أداء الركن الأعظم للحج، يروى أن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- لما وصل إلى المدينة المنورة مهاجرا وجد الأنصار -رضي الله عنهم- يحتفلون بيومين فلما سألهم عنهما قالوا: إن آباءهم يحتفلون بهما في الجاهلية، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى» رواه أبو داود والنسائي وأحمد، فكانت بداية الاحتفال بالعيد في الإسلام.

وأشار إلى أن مفهوم العيد في الإسلام عبادة وطاعة، وفرح وسرور، وتراحم وتلاحم، وهو شكر الله على إنعامه وتوفيقه، وباختصار هو التحدث بنعمة الله تعالى، وإظهار أثر تلك النعمة، يقول الله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ). وللعيد في الإسلام أحكام وسنن وآداب، منها ما هو خاص بعيد الفطر، ومنها ما هو خاص بعيد الأضحى، ومنها ما هو مشترك بينهما، وقد بيّن الله تعالى تلك الأحكام والسنن والآداب في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وهنا أتناول أحكام وسنن عيد الفطر وهي: أولا: زكاة الفطر، فقد روى الإمام الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد- رحمهم الله تعالى- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «سنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير صاعا من تمر أو صاعا من زبيب، أو بُر أو شعير، أو من أقط» وهي صاع من طعام عن كل فرد تخرج قبل صلاة العيد، ويقدر الصاع بكيلوين وخمسين جراما تقريبا، وتجب على المرء عن نفسه، وعن كل من ألزم شرعا بالنفقة عليه، وهي حق للفقراء. ثانيا: صلاة العيدين، وهي سنة مؤكدة، وقيل فرض كفاية، فضلها عظيم وثوابها جزيل، تصلى ركعتين يُقرأ في كل ركعة الفاتحة وما تيسر من القرآن الكريم، ويكبر فيها ثلاث عشرة تكبيرة وقيل غير ذلك، وكلها أقوال معتبرة وجائزة، إلا أنه من الحكمة الأخذ بما استقر عليه العمل عند أهل كل بلد؛ خشية حدوث بلبلة ونزاع بينهم، وبعدها خطبة واحدة، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: « خَرَجَ النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَومَ عِيدٍ، فَصَلى رَكعَتَينِ، لَم يُصَل قَبلُ وَلاَ بَعدُ، ثُم أَتَى النسَاءَ، فَأَمَرَهُن بِالصدَقَةِ، فَجَعَلَتِ المَرأَةُ تَصَدقُ بِخُرصِهَا وَسِخَابِهَا» رواه البخاري. ومن السنة تأخير صلاة عيد الفطر قليلا ليتمكن المسلمون من إخراج زكاة فطرهم. ثالثا: الاغتسال والتطيب والتجمل. أي: لبس أحسن الثياب وأجملها إظهارا لنعمة الله تعالى عليه. رابعا: الأكل قبل صلاة عيد الفطر، أي تناول شيء من الطعام قبل الخروج إلى المصلى، ويستحب أن يكون هذا الطعام تمرا ويكون العدد وترا اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلى الله عليه ويسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترا» رواه البخاري. خامسا: الخروج إلى المصلى مشيا إن أمكن، ويستحب خروج النساء، والأطفال إلى المصلى يوم العيد، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج نساءه وبناته في العيد». سادسا: التكبير ورفع الصوت به؛ لقول الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، والتكبير يوم عيد الفطر يبدأ من وقت الخروج إلى المصلى حتى تبدأ الصلاة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر حتى يأتي المصلى ثم يكبر بالمصلى حتى إذا جلس الإمام ترك التكبير» سابعا: مخالفة الطريق؛ أي: الذهاب إلى المصلى من طريق، والرجوع من طريق آخر إن أمكن، فعن جابر -رضي الله عنه- قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطريق» رواه البخاري. ثامنا: التهنئة بالعيد، فعن جبير بن نُفيل قال: «كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: «تقبل الله منا ومنكم» تاسعا: زيارة الأرحام والأقارب والجيران والأحبة، ومد يد العون والمساعدة للفقراء والمحتاجين، والعطف على اليتامى ومواساتهم، وتقديم الهدايا للأطفال لإدخال السرور والبهجة إلى نفوسهم.

وأضاف قائلا: ونحن نودع رمضان علينا أن نستمر على الطاعة، ولنتذكر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه الإمام الربيع -رحمه الله تعالى- عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من صام رمضان ثم أتبعه بستة أيام من شوال فكأنما صام الدهر كله» ليبقى المسلم على صلة بالصوم بعد رمضان، ولينال أجر وثواب صيام سنة كاملة، قال العلماء: «الحسنة بعشر أمثالها ورمضان بعشرة شهور والأيام الستة بشهرين»، ويجوز أن تصام هذه الأيام متتابعة أو متفرقة، وفي أول شوال بعد العيد، أو في وسطه، أو في آخره، كل ذلك جائز.

كذلك يحدثنا يحيى بن سالم الهاشلي- إمام وخطيب جامع السلطان قابوس بروي عن الضوابط الشرعية التي يجب أن تراعى في الأعياد فقال: يربط الإسلام بين مواسم الفرح والسعادة بأداء العبادات، وكأن الفرح عبادة من العبادات، فهذا عيد الفطر يأتي بعد أداء ركن الصيام كما أن عيد الأضحى يكون متزامنا مع أداء ركن الحج، كما يمكن الاستئناس بالقول: إن يوم الجمعة عيد للمسلمين- كما ورد في الحديث- يرتبط بأداء ركن الصلاة اليومي وأداء صلاة الجمعة، فأداء العبادة سبب لعموم الفرح والابتهاج وكيف لا تكون كذلك والعبد يحوز بها فضيلة القرب من الله، وهي سبب لرضوانه بذلك (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مخبرا ومبشرا الصائمين عن الفرح الذي ينالونه بقوله: (وللصائم فرحتان، فرحة يوم فطره، وفرحة يوم لقاء ربه) فالفرحة الأولى المبشر بها هي فرحة عيد الفطر يفرح فيها المسلم بفضل الله عليه بتمام صيامه مستبشرا بقبول الله عبادته. وأوضح أن للعيد وفرحته مظاهر أرشد إليها الشرع الحنيف فهو يوم شكر لله وثناء، لذلك يبدأ المسلم يوم العيد بذكر الله وقد ورد الإرشاد لذلك في آيات الكتاب فبعد أن ذكر الأمر بصوم رمضان وبيان بعض أحكامه جاء الأمر بتكبير الله عند إتمام عدة الصيام قال تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فيظهر المسلم ابتهاجه بتمام نعمة الله عليه فيلهج لسانه بالتكبير والتهليل والحمد والثناء لمولاه، فيكون هذا الشعار هو الذي يرفع في هذا اليوم ويشارك إخوانه رفعه في ورودهم لأداء صلاة سنة العيد التي تمثل صورة أخرى للاحتفال باجتماع المسلمين وقد تزينوا بجديد الثياب مظهرين الشكر لله على توفيقه لهم لإتمام ركن الصيام، ولأجل أن يعم الفرح والسعد كافة أفراد المجتمع في هذا اليوم المبارك السعيد جاء الأمر بإخراج زكاة الفطر، فهي للصائم جابرة للخلل وثمرتها في المجتمع ألا يكون في يوم العيد بيت لا تشمله فرحته؛ لذلك جاءت وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفقراء للمجتمع المسلم بقوله :(أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم) إذ لا يستقيم أن يعم الفرح في المجتمع وهناك من يتألم، (فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)، وما جاء في السنة من إخراج الصاع من طعام أهل البلد يحقق إغناء في جانب الطعام والحاجة إليه دائمة غير منقطعة، لكن ينبغي للمسلم أن يتوسع في فهمه للحكمة من قصد الإغناء بالنظر في احتياج من حوله من أهل الحاجة وضيق ذات اليد والأيتام من أهل وأرحام وجيران، فكم هو جميل وهو يأخذ أبناءه لشراء ملابس العيد أن يصحب يتيما أو ابنا لجار أو قريب فيشركه فيما يشتري، وكذلك في أيام العيد يصحبه مع أبنائه لأماكن اللعب وأن يزورهم ومعه الهدايا والعطايا، وإن من خير العادات في المجتمع العماني ما يعرف بالعيدية التي توزع للصغار إظهار لمنة الله على العبد على أدائه العبادة، وهي صدقة إن أعطيت لفقير وصلة إن أخذها غني، وينبغي ألا يعوّد الصغار طرق الأبواب لنيل العيدية؛ لأنها بذلك تشبه التسول بل يسعى الكبار لإعطائهم إياها خلال اجتماعهم للصلاة أو في المجالس والزيارات.

وأضاف: والعيد وهو شعيرة من شعائر الإسلام يحسن فيه كل طيب من العادات والأعمال من اجتماع للناس على المعروف وزيارات الأرحام والأصحاب والترفيه المباح للنفس والأهل وكل ما هو حسن وصالح من الخصال، وإن مما يؤسف له أن يتخذ عيد الفرح بطاعة الله ونيل الثواب فرصة لكل ما هو مخالف لأوامر الله وجالبة لسخطه، فكيف لعاقل صام رمضان وتكلف في أداء العبادة ثم يأتي بعده مباشرة فيرتكب من النواهي والمخالفات ما يجعل عمله هباء منثورا. إن المسلم الحق يضبط أفعاله وانفعاله وفق ضوابط الشرع، فالعيد مناسبة خير وفرح لا شر وترح ولا يكون فيه تجاوز لأحكام الشرع وحسن العادات.

وأشار إلى أن مما يؤسف له من حال كثير من الناس هو حال التقهقر والانتكاس الذي يشاهد بعد انقضاء رمضان، فبعد أن كان مواظبا على فعل الخيرات من مواظبة على الطاعات من حرص على أداء الصلاة وتلاوة القرآن وحضور للمساجد ينسلخ من هذا كله ويهجر ما كان عليه من خير، كما أن هناك من كان رمضان دافعا له لهجران بعض المنكرات وسيئ الأفعال، فما يلبث أن يرتد على عقبيه ويعود إليها كإدمان التدخين والمفترات وغيرها من قبيح الفعال، وإن أمثال هؤلاء لم يعيشوا رمضان حقا وصدقا ولم ينجحوا في مدرسته، إذ رمضان مدرسة التقوى والصبر والناجح فيه من خرج منه تقيا صابرا، فيكون بعد رمضان خيرا من قبله، فقد تزود من الطاعات ما يجعلها سجية في نفسه ومارس التقوى والصبر ممارسة تجعله بعد الشهر مقبلا على امتثال أوامر الله بعزيمة أمضى وأرسخ، وقد جاء التوجيه النبوي للمسلم بمواصلة الطاعة بعد رمضان، وذلك من خلال صيام ستة أيام من شوال، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر»، فهنا حث على الاستمرار على نهج الخير ومواصلة درب الطاعة، فرمضان محطة تزود في حياة المسلم يخرج منها وقد نال من خيرات الشهر وثوابه ما يعطيه دافعا لمواصلة العمل والمثابرة، كما يحقق في رمضان إسلامه لله وخضوعه له بأداء ركن الصوم فيواصل بذلك سيره في الحياة قاصدا نيل الفرحة الثانية الكبرى يوم القيامة التي بشره بها النبي -صلى الله عليه وسلم- عند لقاء ربه (إِنَّ هذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ).