1356421
1356421
روضة الصائم

كتب عمانية : «لباب الآثار الوارد على الأولين والمتأخرين الأخيار».. موجبات السعادات الجسمانية لا تنفك عن تألم القلب

11 يونيو 2018
11 يونيو 2018

القاهرة - العزب الطيب الطاهر -

ونتوقف في هذه الحلقة من كتاب «لباب الآثار الوارد على الأولين والمتأخرين الأخيار»، لمؤلفه العالم السيد مهنا بن خلفان بن محمد بن عبدالله بن محمد البوسعيدي عند تقسيمه للموجودات، وذلك نظرا لأهمية هذه المسألة والتي تتداخل مع واقعنا الإسلامي الراهن ويقول المؤلف إن الموجودات -وفقا لبعض المحققين وبحسب القسمة العقلية -هي أربع أقسام الأول: الذي يكون أزليا أبديا وهو الله جلا جلاله، والثاني الذي لا يكون أزليا ولا أبديا وهو الدنيا، والثالث الذي يكون أزليا ولا يكون أبديا، وهذا محال لأنه يثبت بالدليل أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه، والرابع الذي يكون أبديا ولا يكون أزليا وهو الآخرة وجميع المكلفين فإن الآخرة لها أول ولكن لا آخر لها.

وكذلك المكلف سواء أكان مطيعا أو عاصيا فلحياته أول لا آخر لها، فإذا ثبت هذا ثبت أن المناسبة الحاصلة بين الإنسان المكلف وبين الآخرة أشد من المناسبة بينه وبين الدنيا ويظهر من هذا أنه خلق للآخرة لا للدنيا، فينبغي أن يشتد عجبه بالدنيا ولا يميل قلبه إليها، وإن المسكن الأصلي له هو إلى الآخرة لا الدنيا أما قوله تعالى: «إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا» إما لكونه سببا للعذاب في الدنيا، فمن عدة وجوه أولها: أن كل من كان حبه للشيء أشد وأقوى، كان حزنه وتألم قلبه على فواته أعظم وأصعب، فالذين حصلت لهم الأموال الكثيرة والأولاد، وكانت تلك الأشياء باقية عندهم، كانوا في ألم الخوف من فواتها، وإن كانت قد هلكت كانوا في ألم الحزن الشديد بسبب فواتها فثبت حصول موجبات السعادات الجسمانية لا تنفك عن تألم القلب إما بسبب خوف فواتها وإما بسبب الحزن من وقوع فواتها الثاني: أن هذه تحتاج في اكتسابها وتحصيلها إلى تعب شديد ومشقة عظيمة ثم عند حصولها تحتاج إلى متاعب أشد وأشق وأصعب في حفظها فكان حفظه بعد حصولها أصعب من اكتسابها والمشغوف بالمال والولد أبدا يكون في تعب الحفظ والصون عن هلاكه ثم إنه لا ينتفع إلا بالقليل من تلك الأموال فالتعب كثير والنفع قليل الثالث: إن الإنسان إذا عظم حبه لهذه الأموال والأولاد فإما تبقى عليه من الأموال والأولاد إلى آخر عمره أو لأبقى بل يهلك ويبطل فإن كان الأول فعند الموت يعظم حزنه وتشتد حسرته لأن مفارقة المحبوب شديدة وإن ترك المحبوب على يد الأعداء أشد وأشق وإن كان الثاني وهو أن هذه الأشياء تهلك وتبطل حال حياة الإنسان عظم أسفه عليها ويشتد تألم قليه بسببها فثبت أن حصول الأموال والأولاد سبب لحصول العذاب في الدنيا.

الرابع: إن الدنيا حلوة خضرة والحواس ماثلة إليها فإذا كثرت وتوالت استغرقت فيها وانصرفت بكليتها إليها فيصير ذلك سببا لحرمانه عن ذكر الله ثم إنه يحصل في قلبه نوع قسوة وقوة وقهر وكلما كان المال والجاه أكثر كانت تلك القسوة أقوى وإليه الإشارة بقوله تعالى «كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى» فظهر أن كثرة الأموال والأولاد سبب قوى في زوال حب الله وحب الآخرة عن القلب وفى حصول حب الدنيا وشهواتها في القلب فعند الموت كأن الإنسان ينتقل من البستان إلى السجن ومن مجالسة الأقرباء والأحياء إلى موضع الغربة والكربة فيعظم تألمه ويقوى حزنه ثم عند الحشر حلالها حساب وحرامها عقاب فثبت أن أكثر الأموال والأولاد سبب لحصول العذاب في الدنيا والآخرة.

وهنا يستعين بقول الشيخ سعيد بن أحمد الكندي: وينبغي أن تقاس جميع الأموال والأولاد والسعي في تحصيلها بتحصيل السلطنة وحفظها بحفظها فإن السلطنة أكثر عذابا في الدنيا من التعذيب بالأموال والأولاد وكل ما ذكر في الأموال والأولاد ينبغي أن يتخذ أصلا للسلطنة ليعلم أن السعي في تحصيل السلطنة وحفظها ومقاساتها ومعاناة أهلها أكثر عذابا من مقاساة الأولاد والأموال إلا إذا كانت لله سبحانه وتعالى فإن ذلك لا يسمى عذابا بل ذلك يكون رحمة إذا كانت إرادته إظهار الحق وخمود الباطل والأخذ على يد السفهاء.

ووفقا للشيخ سعيد بن أحمد الكندي فإن المؤمن يقل حزنه على فوات الأموال قبل أن يرجو ثوابه والمنافق بمعزل عن ذلك فالعاقل بقدر ما يقل فرحه بالدنيا يقل حزنه عليها فالمصائب عنده فوائد وقد قال الله تعالى «قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا» فالفعل واحد وكله مؤلم في الظاهر واختلف معناهما وأمهما فأخذ الزكاة وتسليمها عند المؤمنين مغنم وعند من عداهم مغرم وكذلك قال الله تعالى «وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين» وقال: «ولا ينفقون إلا وهم كارهون».

ويثير المؤلف في هذا الباب مسألة قراءة القرآن على اضطجاع وما إذا كان فيه كراهية أم لا كان عن عذر أو من غير عذر فيقول إنه جائز قراءة القرآن على اضطجاع على كل الأحوال، وتتصل بهذه المسألة فيمن يقرأ القرآن وتكلم بكلام الآدميين ثم رجع إلى التلاوة وهنا يقول المؤلف عليه أن يستعيد ما كان يتلوه هكذا حفظنا من أشياخنا رحمهم الله وكذلك مسألة من كان لا يحفظ القرآن وفى قراءته يقرأ ما في هذه السورة في السورة الأخرى وما في هذه الآية في الآية الأخرى يقول المؤلف: لا يضره في الدين شيء وهذا غير متعمد وإن رد عليه أحد هل يتعين عليه إتباعه يقول: لا أقول عليه لازما ولا على الراد له واجبا لأن هذا القارئ لم يأت مكفرا.