1360591
1360591
المنوعات

عشـرون عاما على صـدور رواية «ثالـوث هافـانا القـذر»

10 يونيو 2018
10 يونيو 2018

هافانا - «د.ب.أ»: تعد بعض الجوانب التي أبرزها الكاتب “بدرو خوان جوتييرث” منذ عشرين عاما في كتابه “ثالوث هافانا القذر”، عن تلك المدينة التي لا تزال إلى اليوم تهيمن عليها تلك السمات على الرغم من استعدادها لدخول عصر العولمة من خلال ظاهرة الاستطباق (السراوة) من أوسع أبوابه، بسبب التغيرات التي طرأت على البنية الاجتماعية والاقتصادية بعد عصر كاسترو.

يعترف جوتييرث في معرض تقييمه لعمل تم نشره بـ 23 لغة وبيع في 80 دولة ، ومع ذلك لم يُنشر في كوبا حتى الآن “بعد عشرين عاماً أعيد قراءتها، فأجدني أكرهها بالفعل، على الرغم من أنها كانت بمثابة نقطة انطلاق بالنسبة لي لأنها حطمت كل القوالب وكان لها صدى مدوٍ”.

كتب العمل بين عامي 1994 و1997 بعنوان “ثالوث هافانا القذر”، وتعتبر ابنة ما يعرف بـ”الفترة الاستثنائية”، حسبما أطلق على الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالجزيرة إثر انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي، وكان من أهم ملامحها نقص المواد الغذائية وانقطاع التيار الكهربي بشكل متكرر وتحول الهجرة إلى الخارج إلى ظاهرة “أزمة ركاب الأطواف” عندما اندفع عشرات الآلاف من المواطنين نحو مضيق فلوريدا في قوارب متهالكة محاولين الفرار من البلد الكاريبي. “تلك الأعوام كانت رهيبة، لأنك بدأت ترى بعيني رأسك مشروع عمرك السياسي والقومي ينهار أمامك دون أن تتمكن من إنقاذه”، يشير جوتييرث الذي يعتبر أنه “بالرغم من فشل الدفاع بجدية عن ذلك المشروع، كان يستحق، على اعتبار أن المرء يجب أن يتحلى بالمسؤولية تجاه العصر الذي يعيش فيه”.

في ذلك الوقت كان بدرو خوان جوتييرث كاتبا مغمورا، ومن ثم للترويج لأعماله بصورة تجذب الأنظار أطلقوا عليه لقب “بوكووسكي الكاريبي”، على الرغم من اعترافه أنه في تلك الفترة لم يكن يعرف الكاتب الإيروتيكي الشهير. “كان هذا اللقب فكرة الناشر خورخي هيرالد، أكد جوتييرث في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) من شرفة منزله في العاصمة هافانا المطل على كورنيش العاصمة الكوبية الشهير الذي يوفر له مشاهد بانورامية للمدينة وسحرها الأخاذ.

يتذكر جوتييرث عن تلك الفترة قائلا” إنه كتاب مؤلم لأني كتبته أثناء فترة بالغة الصعوبة من حياتي، سواء على الصعيد الشخصي أو على مستوى بلادي التي كانت تعاني من أزمات متكررة اقتصادية واجتماعية وأخلاقية وسلوكية...في عز الأزمة، كان راتبي الشهري كصحفي بمجلة (بوهيميا) لا يكفي لشراء كارتونة بيض”، هذا إذا كان البيض متوفرا في السوق السوداء، مما اضطره لممارسة أكثر من عمل في اليوم الواحد ليوفر قوت يومه، وقد دفعته هذه التجربة للتعرف على أجواء وأوساط قاع المجتمع في العاصمة هافانا، حيث المهمشين المسكوت عنهم في آخر معاقل الشيوعية في العالم.

وأضاف “توغلت كثيرا في وسط المدينة، فبدأت أكتب مشاهداتي”، مشيرا إلى أن هذا التوثيق كان نواة العمل الذي بسببه ذاعت شهرته عالميا ومع ذلك لم يتمكن من نشره في كوبا.

تعد واجهات منازل متهدمة وبوابات متهالكة، مع مشاهد عنف وفقر، والفوضى والعربدة المفرطة، العناصر الأساسية لرواية “ ثالوث هافانا القذر”، والتي بالرغم من مرور أعوام على صدورها لا تزال هذه المشاهدة من مكونات واقع الحياة اليومية في العاصمة الكوبية. إلا أن هذه المشاهد تمتزج الآن مع الطفرة التي طرأت على عالم السياحة، بما فرضته من تحولات حضرية على هافانا مثل ظهور مطاعم ودخول خدمات متطورة مثل خاصية (Airbnb) لتأجير الشقق والغرف السياحية. ومن ثم يحذر جوتييرث من تبعات هذه الظاهرة “المدينة قد تدمر بالكامل لتصبح مدينة ملاهي”.

وقال “ أنا متشائم، نحن نتحول إلى السراوة بخطى متلاحقة... أصبح هناك تجار لديهم القدرة على شراء مباني وعمارات بالكامل، وإخلائها من سكانها لتحويل شققها وغرفها إلى بنسيونات ونزل سياحية”.

يشار إلى أنه حضريا السراوة أو الاستطباق تشير إلى عملية إحلال الطبقة المتوسطة من مجتمع بطبقة أرقى منها نتيجة لزيادة القيمة الإيجارية للوحدات السكنية بسبب ما طرأ على المناطق الحضرية من مشروعات التحسين والتطوير الحضري بالإضافة إلى الحالات الفردية من المستأجرين أصحاب المهن الابداعية والابتكارية متزامنة مع اصطحاب أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في مجال الخدمات الترفيهية والترويحية مثل المطاعم والكافيهات جاذبة المزيد من الاستثمارات مما يستدعي السكان الأصلين للرحيل عن المنطقة لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف المعيشة ودفع الإيجارات بعد ما طرأ على المنطقة من تغيير، وهو ما يحذر منه الأديب الكوبي.

نُشرت الرواية للمرة الأولى عام 1998، وأثارت ضجة كبيرة في الجزيرة، وعلى إثر ذلك فقد الكاتب بدرو خوان جوتييرث عمله في الصحافة، واضطر للتوجه بالكامل للكتابة، إلا أنه لم يغادر كوبا مطلقا. بطبيعة الحال، عانى كثيرا لكي يرى إنتاجه الأدبي على أرفف المكتبات في بلده، لكن من بين 23 عنوانا لإبداعات أدبية تتنوع بين الشعر والقصة والرواية سبعة فقط لم تنشر في كوبا بسبب ضغط الرقابة.

جدير بالذكر أنه في عام 2015، لم يتمكن المخرج اجوستين بيارونجا من تصوير الفيلم المأخوذ عن روايته الشهيرة “ملك هافانا”، بسبب تضييق السلطات ورفضها منحه التراخيص اللازمة مما دفعه للتصوير في جمهورية الدومينيكان. “أشكر أعدائي كثيرا، وكذلك العقبات التي وضعوها في طريقي، لأن وجود كلاهما في حياتي يعني أنني لست مديوكر”، يعترف بفخر جوتييرث، مؤكدا أن المعوقات تعني أنه يقوم بعمل مهم يقلق أصحاب المصالح الشخصية.

“الآن هناك عقلية أكثر انفتاحا مقارنة بعام 1998” ، يتابع جوتييرث، مفصحا لـ(د.ب.أ) أن هناك مفاوضات لنشر “ثالوث هافانا القذر” في كوبا ، و”لكن في غضون عامين أو ثلاثة قادمة”. كما يؤكد المؤلف، الذي يقول إنه لا يكتب “من أجل المال أو الشهرة، ولكن بدافع داخلي قوي”، إن “الكاتب ملزم بطريقة ما بتوثيق العصر الذي يعيش فيه”.

ويبرهن على ذلك بقوله إنه في الثامنة والستين من عمره الأدب يفتح أمامه الأبواب للوصول إلى الناس والتعرف على وجوه أخرى للواقع الكوبي، من جانب أقل بطولية وأكثر إنسانية. “لا أهتم بالسياسة، ولا أدلي بدلوي فيها”، يؤكد. كذلك لا يعتبر أن كتبه سياسية، بل تركز على الفقر ومدى تأثيره على المجتمع وعلى الأفراد بصورة مباشرة.

على الرغم من النجاح الذي حققته روايته “ثالوث هافانا القذر”، يفضل الاستمرار بعيدا عن الجوانب الاحترافية في عالم صناعة الأدب والنشر، كما لا يحب المشاركة في المعارض والندوات وغيرها من التظاهرات الثقافية. “أنا إنسان عادي جدا، وهذه الفعاليات تترك لدي شعورا بأنني مهرج”، يقول جوتييرث، الذي لم يصل إلى المكانة التي حققها والاعتراف به كأديب مرموق ضمن بانوراما عالم الثقافة الناطقة بالإسبانية بسهولة على الاطلاق.

يُذكر أن الكاتب الكوبي مارس في صباه العديد من المهن من بينها بائع جرائد ومرطبات، وعامل بناء بخلاف تجنيده، والعمل التقليدي الكوبي في حقول القصب، في حين التحق بالعمل الصحفي في سن السادسة والعشرين حيث كتب لدى العديد من الجرائد، وأخيرا حقق النجاح في سن الثامنة والأربعين لينتشله من العمل ككاتب مغمور إلى عالم الشهرة من خلال الرواية التي كتبها قبل عشرين عاما، وما زالت تنتظر لكي تنشر في بلده.